أدى الانتشار حلول الذكاء الاصطناعي التوليدي إلى توجيه قطاع الخدمات المالية للتكيّف بسرعة من المستجدات المتلاحقة، كما هي الحال في القطاعات الأخرى، وظهور موجة من الأسئلة التنظيمية والأخلاقية. ومنها: كيف ستتمكن البنوك وشركات التأمين وشركات خدمات المالية من تحقيق التوازن بين مخاطر ومنافع هذا النوع من الذكاء وغيرها من التقنيات التحويلية في العام المقبل؟ وفي محاولة منهم للإجابة عن هذا السؤال، يتوقع خبراء الذكاء الاصطناعي وساس الرائدة في مجال التحليلات، تسجيل مزيج من نماذج النجاح والفشل، إلى جانب المساعي المتسارعة من جانب لتلبية توقعات المستهلكين والأطراف والجهات المعنية.
إخفاقات البنوك حافز على التفكير لإدارة المخاطر
"سيشهد العام 2024 ظهور المزيد من حالات الفشل في عالم البنوك، ما سيجبرها على التعامل مع السؤال الأهم في إدارة المخاطر، وهو: "ما الاحتمال الذي يرجّح تخلفنا عن سداد الالتزامات؟" وستتم الاستعانة بالأدوات والتقنيات للإجابة عن هذا السؤال الوجودي. وكشفت دراسة حديثة لأخصائيي إدارة المخاطر أن 80% من الشركات تتطلع إلى إجراء تحسينات كبيرة في أقسام إدارة الأصول والالتزامات. ومع ذلك، قال أقل من ثلث هؤلاء أن شركاتهم توظف التبادل المؤتمت للبيانات بشكل كامل بين إدارة الأصول والمخاطر، وغيرها من أقسام المخاطر أو إدارات الأعمال. ويعني هذا بدوره أن الوقت قد حان لتغيير هذا النهج".
تطور تدابير مكافحة الاحتيال في "عصر الاحتيال المظلم" الناجم عن توظيف الذكاء الاصطناعي التوليدي
"يدرك المستهلكون أهمية زيادة اليقظة بشأن الممارسات الاحتيالية في دهاليز الشبكة، ومع ذلك يساعد الذكاء الاصطناعي التوليدي وتكنولوجيا التزييف العميق المحتالين السيبرانيين على تطوير مهاراتهم في هذا النشاط الذي يقدّر حجمه بتريليونات الدولارات. وأصبحت رسائل التصيد الاحتيالي أكثر تطوراً. وتنجح مواقع الويب المقلدة في محاكاة الصفحات الحقيقية بشكل مذهل. ويمكن للمحتال استنساخ صوت بمبلغ 5 دولارات في غضون بضع ثوانٍ باستخدام أدوات بسيطة عبر الإنترنت. إننا ندخل عصراً يتسم بزيادة الاحتيال، حيث ستلحق البنوك والاتحادات الائتمانية بصورة عاجلة بركب الذكاء الاصطناعي. ومن المحتمل أن يكون هذا الوضع الطارئ مدفوعاً بالتغييرات التنظيمية التي تجبر المؤسسات المالية على تحمل مسؤولية أكبر عن الحالات المتزايدة من عمليات الاحتيال التي تطال المدفوعات المدفوعة المصرح بها والأنشطة الاحتيالية الأخرى".
شركات التأمين تستعين بالذكاء الاصطناعي لمواجهة مخاطر المناخ
"بعد عقود من الترقّب، تحول تغير المناخ من تهديد قائم على التخمين إلى تهديد حقيقي على أرض الواقع. وتجاوزت خسائر شركات التأمين العالمية الناجمة عن الكوارث الطبيعية 130 مليار دولار في العام 2022، وباتت تشعر الآن بالضغط. وعلى سبيل المثال، تخضع شركات التأمين الأمريكية للتدقيق بسبب زيادة أقساط التأمين، والانسحاب من الولايات المتضررة بشدة، مثل كاليفورنيا وفلوريدا، ما يترك عشرات الملايين من المستهلكين في وضع حرج. وللخروج من هذه الأزمة، ستتبنى شركات التأمين الذكاء الاصطناعي بشكل متزايد للاستفادة من إمكانات مخازنها الضخمة من البيانات لدعم السيولة والقدرة على البقاء في دائرة المنافسة. وإلى جانب المكاسب التي يمكنها تحقيقها في التسعير الديناميكي المتميز وتقييم المخاطر، سيساعدها الذكاء الاصطناعي على أتمتة وتعزيز معالجة المطالبات واكتشاف الاحتيال وخدمة العملاء والكثير غيرها من الخدمات ذات الصلة".
الذكاء الاصطناعي يُحدث ثورة في التعامل مع الجرائم المالية
"سيسهم الذكاء الاصطناعي في تغيير قواعد اللعبة بالنسبة إلى برامج مكافحة غسيل الأموال، حيث تصل تكلفة الامتثال العالمية إلى 274 مليار دولار، وتستحوذ تكاليف العمالة منها على ما نسبته 60%. ووفق البيانات الصادرة عن الأمم المتحدة، يتم غسل ما يصل إلى تريليوني دولار سنوياً حول العالم، ولا يصادر من عائدات الجريمة سوى 1% فقط ، ويتبين أن 95% من التنبيهات عبارة عن بلاغات كاذبة. ومما لا شك فيه أن هذه الأرقام مثيرة للقلق. وبناءً عليه، من شأن تعزيز أنظمة مكافحة غسل الأموال الحالية باستخدام التعلم الآلي وتحليلات الشبكة أن يحسّن مراقبة المعاملات بشكل كبير عن طريق تقليل المعدلات الخاطئة، وإرسال تنبيهات عالية الجودة إلى جهات التحقيق لمكافحة غسل الأموال ومجموعات الامتثال".
الاستخدام الاستراتيجي للذكاء الاصطناعي يمكن أن يؤدي إلى نجاح شركات التأمين أو فشلها
"سيشهد العام 2024 توقف إحدى أكبر 100 شركة تأمين عالمية عن العمل نتيجة التسرّع في نشر الذكاء الاصطناعي التوليدي. وتطرح شركات التأمين في الوقت الحالي أنظمة مستقلة بسرعة مذهلة من دون العمل على تكييف نماذج أعمالها. وتأمل أن يؤدي استخدام الذكاء الاصطناعي بهدف معالجة المطالبات بسرعة إلى تعويض السنوات القليلة الماضية من نتائج الأعمال السيئة. ولكن بعد تسريح الموظفين في العام 2023، سيتم توزيع المتبقين منهم بشكل ضئيل للغاية، وعلى نحو لا يمكن معه تفعيل الرقابة اللازمة لنشر الذكاء الاصطناعي بشكل أخلاقي وعلى نطاق واسع. إن الإيمان والثقة المطلقة بالذكاء الاصطناعي باعتباره حلاً عالمياً، يمكن أن يقود إلى اتخاذ عشرات الآلاف من القرارات التجارية المضللة، ما قد يتسبب في انهيار الشركات وإحداث ضرر دائم تطال ثقة المستهلكين والجهات التنظيمية على حد سواء".
العملات الرقمية سيف ذو حدّين للبنوك المركزية
"تقوم الحكومات في أكثر من 80 دولة حالياً باستكشاف العملات الرقمية للبنوك المركزية، ومن ذلك على سبيل المثال عملة eNAIRA في نيجيريا. وفي العام 2024، ستصبح شائعة على نطاق أوسع، حيث توفر للمواطنين خيارات مدفوعات رقمية آمنة ومدعومة من الحكومة، مع إمكانية تعزيز المزيد من الشمول المالي. لكن العملات الرقمية للبنوك المركزية ستواجه مخاطر احتيال وجرائم مالية فريدة من نوعها، ما يزيد من حجم المخاطر من خلال الخسائر المالية وتسوية البيانات، والاستيلاء على الحسابات، والتسرب من خلال حسابات وهمية".
الذكاء الاصطناعي التوليدي يبلغ طور الرشد
"ستتضاءل الحماسة المحيطة بنماذج اللغات الكبيرة كحل عالمي نظراً لتأثرها بمخاوف الخصوصية، واحتمال العواقب القانونية، والنفقات الكبيرة المرتبطة ببناء هذه الهياكل واستدامتها. وسيتركز الاهتمام على الاستفادة منها في تطبيقات محددة. وسيقدم عدد محدود من مزودي الخدمات "نماذج حوارية" أساسية، مع مجموعة أكثر شمولاً لمساعدة الشركات الفردية في تخصيصها بما يتناسب مع احتياجاتها الفريدة".
الذكاء الاصطناعي يحول دون الركود – حالياً
"سيؤدي التقدم في الذكاء الاصطناعي والأتمتة إلى تحسين الإنتاجية. وسترتفع نسبة رأس المال إلى العمالة، الأمر الذي يرفع من مستويات الإنتاجية. ومن المرجح أن يحول هذا التأثير دون دخول غالبية الاقتصادات في حالة من الركود، حتى في مواجهة الارتفاع الحاد في حالات التخلف عن السداد والبطالة الهيكلية. لكن السيناريو ذاته سيختلف على مستوى القطاع المالي، حيث تواجه بعض الشرائح ظروفاً تحاكي بيئة الركود".
قدرات الشركات تواجه تحديات من خلال اختبار إعادة معايرة نماذج المخاطر
"عند ظهور جائحة كوفيد-19، أرغمت البنوك التي تتبنى نهجاً استباقياً على إعادة بناء وتنفيذ نماذج اتخاذ القرار بشأن المخاطر الخاصة بها بسرعة، في حين استغرق بعضها أشهراً لمجرد جمع البيانات. وفي العام 2024، فإن المخاطر المحتملة للركود وارتفاع معدلات التخلف عن السداد، ستجبر البنوك على التكيف من خلال تنفيذ نماذج أكثر قابلية للتطبيق، وتحسين سياسات الإقراض والتوقعات. وسيشكل هذا الوضع تحدياً لسرعة ومرونة البنى التحتية لتكنولوجيا المعلومات وقدراتها الأوسع".
الذكاء الاصطناعي التحاوري يرتقي بتجربة العملاء إلى مستويات غير مسبوقة
"رغم وجود روبوتات الدردشة في الخدمات المالية، يمكننا أن نتصور وجود نسخ منها تحاكي التفاعل بين البشر بشكل وثيق. وفي العام 2024، سيؤدي تطور تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي التوليدي إلى تقريب شركات التأمين والبنوك والشركات في مختلف الصناعات من تحقيق هذه الرؤية. وستعمل هذه الخطوات في مجال الذكاء الاصطناعي التحاوري على تعزيز التواصل مع العملاء بشكل كبير، وتمكين المؤسسات من تحديد أولويات المساعدة البشرية للمهام والسيناريوهات المعقدة. وسيعزز هذا بدوره الكفاءة التشغيلية، كما سيؤدي إلى توفير التكاليف".
ثورة الخدمات المصرفية الرقمية تحفز الابتكار في مجال الذكاء الاصطناعي من خلال تقليل الاعتماد على الخدمات المصرفية التقليدية
"في العام 2024، ستسعى البنوك التي تنطلق من نهج قائم على التفكير المستقبلي إلى خلق تجربة أكثر شمولاً للعملاء، وذلك من خلال تقييم تأثير الثورة المصرفية الرقمية. لقد أدى الانخفاض الكبير في عدد الفروع الفعلية إلى حرمان العديد من أصحاب الحسابات من الوصول إلى الخدمات المصرفية التقليدية بسهولة. ويواجه أولئك الذين لا يشعرون بالارتياح تجاه التفاعلات الرقمية تحديات في التعامل مع مزودي الخدمات المالية عبر الإنترنت. ووفقاً لاستطلاع أجري في أواخر العام 2021، قال ربع العملاء في المملكة المتحدة إنهم يفضلون عدم التعامل مع فروع البنوك. وستقوم المؤسسات المالية الذكية بدمج المشاركة الرقمية المدعومة بالذكاء الاصطناعي في شبكة محسنة من الفروع، بهدف تحسين الاتصال، وتوفير تجربة سلسة للعملاء كميزة تنافسية".
الوضوح الذي يوفره الذكاء الاصطناعي يعزز العدالة والشفافية في اتخاذ قرارات التأمين
"هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يؤدي إلى إعادة تقييم أخلاقي لصناعة التأمين؟ سيكشف الجواب عن هذا السؤال في العام الجاري 2024. ومع أن قرارات المخاطر المستندة إلى المبررات الاكتوارية قد تؤدي إلى إدامة عدم المساواة في المجموعات المهمشة من الناحية التقليدية عن غير قصد، إلا أن اعتماد وتبني الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي من قبل شركات التأمين يستلزم فهم كيفية اتخاذ نماذجها وخوارزمياتها للقرارات، كما هي الحال في التسعير أو المطالبات المتميزة. إن إمكانية تفسير الذكاء الاصطناعي تحمل في طيّاتها الوعد بطرح معايير جديدة للشفافية والعدالة في جميع أنحاء الصناعة.
-انتهى-