تشير تحليلات اقتصادية حديثة إلى أن أسعار النفط تتجه نحو موجة صعود جديدة خلال النصف الثاني من عام 2025، وسط مجموعة من العوامل العالمية المتشابكة. لكن يبقى اسم "أرامكو" – عملاق الطاقة السعودي – في مقدمة المؤثرين الرئيسيين على هذا المسار، بما تملكه من قدرات إنتاجية هائلة واستراتيجيات سوقية محورية تؤثر بشكل مباشر على موازين العرض والطلب في الأسواق العالمية.
مؤشرات النمو المرتقب
أظهرت بيانات صادرة عن وكالة الطاقة الدولية مؤخرًا، أن أسعار النفط الخام قد تشهد ارتفاعًا تدريجيًا ليصل سعر البرميل إلى حدود 95 دولارًا بحلول نهاية العام، مقارنة بمتوسط 82 دولارًا في الربع الأول من 2025. ويُعزى هذا التوجه إلى عوامل متداخلة، من بينها انخفاض المخزونات العالمية، تزايد الطلب من الاقتصادات الآسيوية، إلى جانب الاضطرابات الجيوسياسية في بعض مناطق الإنتاج.
لكن من بين جميع المؤثرات، تبرز شركة أرامكو السعودية كلاعب رئيسي، ليس فقط لكونها أكبر شركة نفط في العالم من حيث القيمة السوقية والإنتاج، بل بسبب ما تمارسه من نفوذ استراتيجي ضمن تحالف "أوبك بلس" وسياستها الإنتاجية المتوازنة.
أرامكو: قوة توازن أم دافع للتسارع؟
منذ بداية 2024، تبنت أرامكو نهجًا مرنًا في تعاملها مع متغيرات السوق، يجمع بين ضبط الإنتاج وتوسيع الاستثمارات طويلة المدى. وقد أعلنت الشركة في مارس الماضي أنها ستحافظ على مستوى إنتاجها عند حوالي 9 ملايين برميل يوميًا حتى إشعار آخر، مما يرسل رسالة واضحة للأسواق بأنها تراقب التوازنات العالمية عن كثب ولن تتهاون في دعم استقرار الأسعار.
ويرى المحلل النفطي، الدكتور فهد البكري، أن:
"أرامكو لا تعمل فقط باعتبارها شركة وطنية، بل هي لاعب دولي محوري. قراراتها بشأن الإنتاج والتسعير ترسل إشارات قوية للأسواق، وغالبًا ما تتبعها تحركات من بقية أعضاء أوبك بلس."
الطلب الآسيوي.. المحرك الخفي
في الجهة المقابلة، يواصل الطلب في الأسواق الآسيوية، وعلى رأسها الصين والهند، تسجيل مستويات متقدمة، مدفوعًا بانتعاش قطاع التصنيع وزيادة استهلاك الطاقة في مشاريع البنية التحتية الكبرى. وقد أبرمت أرامكو خلال الأشهر الماضية عدة عقود طويلة الأجل مع شركات تكرير آسيوية، مما يعزز من استقرار حصتها السوقية في المنطقة ويضمن تدفقات مالية مستدامة.
وتعليقًا على ذلك، قال الخبير الاقتصادي في بنك طوكيو، كينجي ماتسودا:
"أرامكو لا تكتفي بالحفاظ على مستويات الإنتاج، بل تستثمر بذكاء في الأسواق الأكثر نموًا. هذا يعزز تأثيرها على الأسعار، حيث ترتبط ارتباطًا وثيقًا بمعدلات الطلب الفعلي."
التوترات الجيوسياسية تعيد رسم الخريطة
تُعد التوترات الجيوسياسية عاملاً آخر يزيد من فرص ارتفاع الأسعار، خاصة مع تعثر بعض الإنتاج في نيجيريا وليبيا، والتوتر المستمر في منطقة البحر الأحمر. وقد أعادت هذه الظروف تأكيد أهمية الاستقرار الخليجي، حيث تُعد السعودية – ممثلة بأرامكو – من أكثر الدول قدرة على تعويض أي فجوات في السوق بسرعة.
ويضيف المحلل في شركة "ستاندرد أند بورز"، جيمس هوفمان:
"الأسواق تنظر إلى أرامكو كصمام أمان. ففي حال حدوث اضطرابات مفاجئة في مناطق إنتاج أخرى، تعتمد السوق بشكل كبير على قدرة السعودية على التدخل السريع."
الاستثمارات المستقبلية تعزز التفاؤل
على صعيد آخر، أعلنت أرامكو عن خطط لزيادة استثماراتها في مجالات الطاقة المتجددة والتكرير والبتروكيماويات، ضمن استراتيجيتها طويلة المدى التي تهدف إلى تنويع مصادر الدخل. هذه الاستثمارات لا تقلل من أهمية النفط التقليدي، بل تعزز من مكانة الشركة عالميًا وتؤهلها لمواجهة تقلبات السوق بثقة أكبر.