في المملكة العربية السعودية، تتولى الهيئة العامة للغذاء والدواء (SFDA) مسؤولية الرقابة على التزام المنتجات الدوائية، والأغذية، ومستحضرات التجميل، والأجهزة الطبية بالمعايير الوطنية. ويتعين على الشركات العاملة في هذه القطاعات الالتزام بالأنظمة ليس فقط كشرط قانوني، بل أيضًا لضمان ثقة السوق وسلامة المستهلك.
ومع ذلك، تواجه العديد من الشركات تحديات أثناء التفتيشات الرقابية، إما بسبب نقص المعرفة بالمتطلبات الكاملة، أو بسبب إغفال بعض التفاصيل. هذه الثغرات قد تؤدي إلى تأخيرات، غرامات مالية، أو حتى سحب المنتجات من السوق.
إن فهم أبرز الثغرات الشائعة والعمل على معالجتها يساعد الشركات على تجنّب المشكلات والحفاظ على سمعة قوية في السوق.
1- نقص التوثيق المناسب
من أكثر المشكلات شيوعًا أثناء تفتيشات الهيئة هو غياب الوثائق الكاملة والمحدثة. بعض الشركات تعتمد على الملفات الورقية فقط دون تحديث منتظم، بينما يكتفي البعض بالتأكيدات الشفوية بدلًا من الإجراءات المكتوبة. عند زيارة المفتشين، يؤدي هذا النقص إلى ارتباك ويصعب إثبات الالتزام بالقوانين.
الحل: إنشاء نظام توثيق فعّال يشمل ملفات التسجيل، المواصفات، تقارير المختبر، ونتائج ضبط الجودة، مع حفظها وتنظيمها إما بشكل رقمي أو ورقي. يجب إجراء تدقيق داخلي دوري لضمان دقة الوثائق وتحديثها باستمرار، وتكليف مسؤول محدد لمتابعتها.
2- عدم كفاية بطاقات المنتجات
الملصق ليس مجرد اسم المنتج وتاريخ صلاحيته. بعض الشركات تفترض أن الملصقات الدولية كافية، بينما تشترط الهيئة معايير محددة تشمل: رقم التشغيلة (Batch Number)، بيانات التصنيع، التحذيرات، والمعلومات التنظيمية.
الحل: مراجعة إرشادات الهيئة الخاصة بالبطاقات بعناية، وضمان أن تكون واضحة، دقيقة، ومتوافقة مع بيانات التسجيل. الاستعانة بخبير شؤون تنظيمية قد يساعد على تجنّب الأخطاء وضمان الامتثال.
3- ضعف أنظمة إدارة الجودة (QMS)
تُظهر العديد من التفتيشات أن بعض الشركات إما لا تمتلك نظامًا منظمًا لإدارة الجودة، أو أن النظام غير مُدار بكفاءة. من الأمثلة: تجاهل اختبارات التشغيل (Batch Testing)، أو الشكاوى، أو عدم توثيق التغييرات في خطوط الإنتاج. الهيئة تتوقع من الشركات اتباع إجراءات صارمة لضبط الجودة وإدارة المخاطر والإجراءات التصحيحية.
الحل: بناء أو تحسين نظام إدارة الجودة وفقًا للمعايير العالمية مثل ISO 13485 للأجهزة الطبية أو GMP للمنتجات الدوائية. يجب تدريب الموظفين بانتظام، ووضع إجراءات واضحة، وتوثيق جميع العمليات في سلسلة الإمداد.
4- مشكلات الاستيراد وإجراءات التخليص
استيراد المنتجات الخاضعة للرقابة يتطلب الالتزام التام بمتطلبات الهيئة. المشكلات الشائعة تشمل: عدم تسجيل المنتج، استخدام تصاريح منتهية، أو نقص في نتائج الفحوص المخبرية المطلوبة. هذه الأخطاء قد تؤدي إلى تأخيرات في الشحنات أو رفضها.
الحل: تشكيل فريق مختص أو شريك استشاري يعرف متطلبات الاستيراد، بما في ذلك التسجيل عبر منصات الهيئة (مثل سابر وغد)، الحصول على تصاريح التخليص، والالتزام بعمر التخزين ومتطلبات السلامة. كما يُفضل إعداد قائمة مراجعة (Checklist) لكل شحنة.
5- نقص تدريب الموظفين
العديد من الثغرات التنظيمية تنشأ بسبب قلة تدريب الموظفين، خاصة في التخزين، المناولة، والتعبئة. عدم إلمامهم بإجراءات الهيئة قد يؤدي إلى مخالفات غير مقصودة.
الحل: الاستثمار في برامج تدريب دورية تشمل الجوانب الفنية والتنظيمية، مع تحديثها باستمرار عند صدور لوائح جديدة. كما يجب اختبار الموظفين للتأكد من استيعابهم للمتطلبات.
6- عدم استكمال تسجيل المنتجات بشكل صحيح
تسجيل المنتجات من أهم متطلبات الهيئة، لكن بعض الشركات تتجاهل وثائق رئيسية أو تستخدم نماذج قديمة، مما يؤدي إلى فرض غرامات أو سحب المنتجات.
الحل: إسناد مهمة التسجيل إلى مختص تنظيمي مؤهل، مع مراجعة جميع الملفات بدقة قبل رفعها، ومتابعة حالة التسجيل باستمرار. وإذا لم تتوفر الخبرة الداخلية، يمكن الاستعانة بشركات استشارية مرخّصة مثل PharmaKnowl لتولي العملية بشكل كامل.
7- عدم الالتزام بالفحوص المخبرية المحلية
تشترط الهيئة في بعض الحالات إجراء اختبارات محلية لضمان سلامة وجودة المنتجات المستوردة. الاعتماد على مختبرات خارجية غير معتمدة يُعد مخالفة.
الحل: التعاون مع مختبرات محلية معتمدة، والتأكد مسبقًا من اشتراط الهيئة لهذا النوع من الفحوص، والاحتفاظ بالنتائج ضمن نظام التوثيق.
8- ضعف إدارة الشكاوى وسحب المنتجات
يجب أن تمتلك الشركات آلية واضحة للتعامل مع الشكاوى وتنفيذ عمليات السحب (Recall) عند الضرورة. إهمال ذلك يُعتبر خللًا تنظيميًا.
الحل: إنشاء نظام لتسجيل الشكاوى وتحليلها والرد عليها بسرعة. وفي حال السحب، يجب أن تكون لدى الشركة خطة جاهزة للتواصل مع العملاء وسحب المنتجات من السوق وإبلاغ الهيئة.
9- سجلات غير مكتملة للتخزين والتوزيع
من أبرز المخاطر التي تثير قلق الهيئة: تخزين المنتجات في ظروف غير مناسبة أو نقلها دون متابعة. غياب السجلات الكاملة قد يؤدي إلى رفض المنتج أو سحبه.
الحل: تركيب أنظمة مراقبة لدرجات الحرارة والرطوبة في المخازن ووسائل النقل، والاحتفاظ بسجلات دقيقة لمسار كل دفعة من المنتج، مما يسهل عمليات التتبع أو السحب عند الحاجة.
الالتزام لا يتوقف عند معالجة هذه الثغرات. أنظمة الهيئة قد تتغير باستمرار، وعلى الشركات أن تواكبها بسرعة. السر يكمن في بناء ثقافة وعي ومسؤولية داخل المؤسسة، عبر:
تحديث الإجراءات الداخلية بشكل دوري
التدريب المستمر للموظفين
التواصل المفتوح بين الإدارات
إجراء تدقيقات داخلية منتظمة
كما أن التعامل مع التفتيشات الرقابية يجب أن يكون فرصة للتحسين وليس تهديدًا.
لا تنتظر حتى تقع المشكلة!
معظم الثغرات الشائعة ناتجة عن نقص الوعي أو ضعف التحضير، لكنها قابلة للحل عبر أنظمة فعّالة وموظفين مدرّبين وجهود مستمرة. الشركات التي تتبنى نهجًا استباقيًا ستتمكن من النجاح في السوق السعودي والحفاظ على ثقة كل من الجهات الرقابية والعملاء.