كشفت كلية محمد بن راشد للإدارة الحكومية، المؤسسة البحثية والتعليمية المتخصصة في السياسات العامة في العالم العربي، النقاب عن ورقة سياسات تقترح توصيات حول کیفیة تعزيز الأطر السياسية والتنظيمية والحكومية للتعامل الفعال مع الأمن الغذائي في دولة الإمارات العربية المتحدة عبر رصد أبرز نقاط الضعف والقوة في هذا الإطار واقتراح الحلول الناجعة لتحسينها.
وتم إطلاق الدراسة التي تحمل عنوان " تعزيز الأمن الغذائي في دولة الإمارات العربية المتحدة" تحت رعاية معالي مريم بنت محمد سعيد حارب المهيري وزيرة الدولة المسؤولة عن ملف الأمن الغذائي المستقبلي.
وتعمل الدراسة التي تتناول مفهوم الأمن الغذائي وفقاً لتعريف المجتمع الدولي، على البحث في مقومات الأمن الغذائي في الدولة والتحديات التي تواجهه، وتسليط الضوء على أفضل الممارسات العالمية التي من شأنها تعزيز الأمن الغذائي، ومشاركة قصص النجاح التي حققتها بلدان أخرى واجهت تحديات مماثلة، إضافة إلى تقييم منهجيات الأمن الغذائي المتبعة حالياً في دولة الإمارات، وأخيراً تقديم التوصيات التي من شأنها تحسين وتطوير الوضع الراهن.
وفي هذا السياق، قالت معاليها: "يمثل الأمن الغذائي تحد ضخم لا يمكن تجاوزه إلا عبر التسلح بالبحث العلمي والتطوير والمعرفة الواسعة بمعطيات الوضع الراهن وتوجهات ومتطلبات المرحلة المستقبلية، والتي تؤثر على عملية إنتاج وتوفير وتخزين المواد الغذائية، والطلب المتنامي على الغذاء نتيجة لما تشهده دولة الإمارات العربية المتحدة من نمو وتطور على أوسع النطاقات".
وأشادت معاليها بالجهود الحثيثة التي تبذلها كلية محمد بن راشد للإدارة الحكومية لتسليط الضوء على التحديات والفرص في قطاع الأمن الغذائي، ومساعيها الرامية إلى بناء مخزون معرفي يمكن الخبراء والمعنيين بالأمن الغذائي من الاعتماد عليه لوضع الاستراتيجيات المستقبلية. ومن هنا تأتي أهمية البحوث الموسعة على غرار هذه الدراسة، وقالت: "ترفد كلية محمد بن راشد للإدارة الحكومية من خلال جهودها البحثية والأكاديمية الخبراء وصناع القرار بالخبرات اللازمة التي تتيح لهم العمل بكفاءة وفعالية على التصدي للعوائق الرئيسية التي تهدد قطاع الأمن الغذائي ومعالجتها، ما يدفع عجلة التنمية المستدامة إلى الأمام".
من جهته، أوضح الدكتور علي بن سباع المري الرئيس التنفيذي لكلية محمد بن راشد للإدارة الحكومية: "نعيش اليوم في عصر يشهد وتيرة متسارعة من التطور التقني والنمو الاقتصادي، لكن النتائج ما زالت تشير إلى وجود ما يزيد عن 800 مليون نسمة يعانون من نقص التغذية حول العالم، وهو عدد مرشح للارتفاع بسبب التغير المناخي والنزاعات التي تشهدها بعض المناطق. ولا شك في أن العالم العربي -على وجه التحديد- غير محصن لمواجهة هذه التحديات نظراً لندرة مصادر المياه النظيفة والنزاعات الإقليمية وارتفاع درجات الحرارة وغيرها من العوامل. وفي ضوء هذه الدراسة، تأمل كلية محمد بن راشد للإدارة الحكومية دراسة سياسات الأمن الغذائي بهدف توفير الدعم لصنّاع القرار وإرساء قاعدة صلبة للتوصيات والاستراتيجيات الحكومية في دولة الإمارات العربية المتحدة".
ونوّه الدكتور المري: "أصبح الأمن الغذائي قضية ملحة تشغل صنّاع القرار في دولة الإمارات ، ومن هنا جاء القرار الرشيد الذي اتخذه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي "رعاه الله" بتعيين وزير دولة جديد للأمن الغذائي المستقبلي، على الرغم من تمتع دولة الإمارات بمستوى عالٍ من الأمن الغذائي بفضل الاستقرار الكبير الذي تعيشه على الصعيدين السياسي والاقتصادي، لكن الواقع يعزز ضرورة التصدي لتحديات الأمن الغذائي عبر التركيز على الإنتاج المحلي والزراعة المدعومة بالتقنيات المتطورة والبحث والتطوير وصياغة سياسات الدعم والتخزين واستراتيجيات الحد من هدر الغذاء، وغيرها من الممارسات التي من شأنها ضمان استدامة الأمن الغذائي".
ورغم استيرادها لنحو 80 إلى 90 بالمائة من المواد الغذائية، تعتبر دولة الإمارات آمنة غذائياً بفضل قدرتها على شراء الأغذية في السوق الدولية حتى لو ارتفعت تكاليفها، لكن الأمن الغذائي يبقى مسألة بالغة الأهمية لاسيما على المدى الطويل، ولذلك قامت دولة الإمارات باستثمارات كبيرة في هذا الإطار. ومن هذا المنطلق، تأتي الدراسة لتسبر نقاط القوة والضعف على صعيد الأمن الغذائي في الدولة وترصد الفرص والتحديات.
وعلى سبيل المثال، يعتبر نقص المساحات الصالحة للزراعة وندرة المياه والمناخ الحار وعدم كفاية الاستثمار في البحوث الزراعية من أبرز نقاط الضعف الواجب التصدي لها، كما أن اعتماد البلاد الكبير على الأسواق العالمية والإقليمية المترافق بالنمو السكاني المتوقع وصوله إلى 11.5 مليون نسمة في عام 2025 وزيادة استهلاك الغذاء المحلي بنسبة 12٪ سنوياً، حيث تفرض هذه العوامل ضغوطاً متزايدة على الموارد الغذائية والمائية المحدودة أساساً.
وقالت تارا فيشباخ، الباحثة في كلية محمد بن راشد للإدارة الحكومية، ومعدة التقرير: ""على الرغم من تصنيف دولة الإمارات العربية المتحدة على أنها آمنة غذائياً، إلا أن البحث يشير إلى أن تحسين الأمن الغذائي لا يزال يشكل تحديا مستمرا في ظل تغير المناخ واستنزاف الموارد وحالة عدم الاستقرار الإقليمية. ولهذا فإن وضع السياسات التي تساعد على التغلب على تحديات الأمن الغذائي المستقبلية التي تواجه دولة الإمارات العربية المتحدة يتطلب مزيدا من البحث والتطوير لبناء أسس متينة لاستراتيجية أمن غذائي فعالة. ولأجل ذلك، علينا مواءمة الاستراتيجيات المستقبلية مع البحث والتطوير، لكي تتسم هذه الاستراتيجيات بالفعالية والاستدامة."
وتحرص دولة الإمارات باستمرار على تطوير آليات وخطط تعزيز أمنها الغذائي، بما في ذلك تنويع اقتصادها ودعم قطاع ريادة الأعمال المتنامي وإطلاق المبادرات والاستراتيجيات الخضراء وتسخير التقنيات الجديدة والمتطورة، لا سيما في مجال الزراعة. كما تم خلال التقرير إجراء عملية تقييم ومقارنة السياسات الغذائية في النرويج وسنغافورة والإمارات العربية المتحدة، بما في ذلك برامج الاستثمار الأجنبي وسياسات الدعم واستراتيجيات الحد من هدر الغذاء، ومن ثم دراسة للمنهجيات الراهنة لتعزيز الأمن الغذائي في دولة الإمارات على وجه الخصوص.
وتطرح ورقة السياسات مجموعة من التوقعات حول مستقبل الأمن الغذائي في الدولة، آخذة بعين الاعتبار المتغيرات المختلفة مثل التوجهات العالمية المتصاعدة في مجال الرقمنة وانتشار التقنيات المتطورة والخضراء والابتكارات في النقل، بينما تسلط الضوء على التهديدات البيئية للأمن الغذائي، بما فيها ظاهرة التغير المناخي وأزمة المياه العالمية.
وتجدر الإشارة إلى أن تقرير "تطوير الأمن الغذائي في دولة الإمارات العربية المتحدة"متوفر على الموقع الالكتروني لكلية محمد بن راشد للإدارة الحكومية www.mbrsg.ae ، ويوفر قاعدة صلبة لاستراتيجيات الأمن الغذائي الرشيدة التي ستساعد دولة الإمارات على المضي قدماً نحو تعزيز التنوع والنمو الاقتصادي، وتتيح لها التصدي لتحديات المناخ الحار وندرة المياه وقلة الأراضي الزراعية. وتأتي هذه الاستراتيجيات تماشياً مع المشاريع الضخمة قيد التنفيذ حالياً مثل معرض "إكسبو 2020 دبي" ومستهدفات الأجندة الوطنية لرؤية الإمارات 2021.