أكد محافظ مؤسسة النقد السعودي الدكتور فهد المبارك بأن المصرفية الإسلامية تحظى باهتمام دولي متنامٍ منذ عدة عقود نظراً لنموها الكبير وصمودها أمام الأزمات المالية، إضافة إلى أن صيغ التمويل المتوافقة مع الشريعة الإسلامية تركز على مبدأ الاستثمار في الأصول الحقيقية والمشاركة في المخاطر، وقد ساهم نموذج التمويل الإسلامي على انتشار مبادى التمويل المعتمد على الأصول الحقيقية وتبنيها في قمة دول العشرين كخيار مثالي لتمويل مشاريع البنية التحتية في العديد من دول العالم، وأشار في هذا السياق إلى أن أصول المنتجات المالية المتوافقة مع الشريعة بلغت ما يزيد على نحو تريليوني دولار على المستوى الدولي تقدم من خلال أكثر من ألفي مؤسسة مالية وبلغت حصة دول مجلس التعاون الخليجي منها قرابة 37 %، كما بلغ حجم قطاع الصكوك قرابة 300 مليار دولار تمثّل حصة دول مجلس التعاون منها قرابة الثلث، وبلغت أصول قطاع الصناديق الاستثمارية الإسلامية أكثر من 75 مليار دولار منها 45 % في دول مجلس التعاون الخليجي وفاق قطاع التأمين التعاوني عشرين مليار دولار ممثلاً أكثر من 40% في دول مجلس التعاون الخليجي.
وقال المبارك خلال انطلاق فعاليات أعمال مؤتمر أبحاث التمويل الإسلامي الذي تنظمه جامعة الملك فهد للبترول والمعادن في الرياض أمس إن العمل المصرفي المتوافق مع الشريعة الإسلامية في المملكة شهد نمواً سريعاً خلال السنوات الماضية، حيث تمثّل حالياً المنتجات المصرفية المتوافقة مع الشريعة في المملكة قرابة 20% من إجمالي المنتجات المصرفية الإسلامية على مستوى العالم، أما على المستوى المحلي فإن قرابة الـ50% من أصول القطاع المصرفي السعودي متوافقة مع الشريعة الإسلامية وبالإضافة إلى المصارف يوجد بالمملكة 30 شركة تمويل تقدم منتجات تمويلية متوافقة مع الشريعة للأفراد والمؤسسات التجارية إضافة إلى 35 شركة تأمين تعاوني تقدم منتجات تأمين متوافقة مع الشريعة.
وأضاف أن مؤسسة النقد السعودي تستخدم نموذجاً موحداً يمكن من خلاله الرقابة والإشراف على العمل المصرفي بشقيه التقليدي والمتوافق مع الشريعة الإسلامية وفقاً لنظام الرقابة على المصارف التجارية، والذي بدوره يمكن جميع المصارف التجارية من تقديم الخدمات المصرفية والمنتجات التمويلية بكافة أنواعها لعملائها ويتميز هذا النموذج الموحد في تطبيق المعايير المصرفية الدولية على كافة المصارف والسماح لقوى العرض والطلب في السوق المحلية في تحديد نوعية وحجم المنتجات المالية، وتشجع المنافسة بين جميع المصارف في تقديمها كما يساعد على طرح المزيد من المنتجات التمويلية والمصرفية ويوفر أساليب متقدمة من إدارة المخاطر التي يمارسها العمل المصرفي.
وأشار المبارك إلى أن مؤسسة النقد منذ نشأتها تنتهج أسلوب التحفظ والحصافة في الإشراف على الجهات التابعة لها من خلال تطبيق أفضل مبادى ومعايير الإشراف المصرفي الفاعل مما ساعد على بناء قطاع مالي قوي يتفاعل بشكل ديناميكي وحيوي مع التطورات الاقتصادية المحلية والإقليمية والدولية، موضحاً أن من أهم مقومات أي اقتصاد هو تنمية سلوك الادخار وتعتبر المنتجات الاستثمارية المتوافقة مع الشريعة السمحة فرصة كبيرة لجذب وتنمية حجم الادخار في المجتمع الإسلامي حيث يوفر عائداً مناسباً يتوافق مع مستوى المخاطر.
وأكد أن السياسة النقدية بالمملكة تهدف إلى المحافظة على استقرار العملة الوطنية وتوفير قطاع مصرفي قوي ومتين وتعزيز الاستقرار النقدي والمالي الذي يدعم النمو الاقتصادي الوطني وبالاستعراض التاريخي نجد أن الاقتصاد الوطني حظي باستقرار كبير في الأسعار المحلية واستقرار سعر صرف الريال مع نمو واضح للقطاع المصرفي والمالي.
وتطرق الدكتور المبارك إلى أبرز التطورات الاقتصادية التي يشهدها اقتصادنا الوطني، وقال: «على الرغم من تراجع أسعار النفط والظروف التي تمر بها المنطقة فقد حقق الناتج المحلي الإجمالي الفعلي في عام 2015م نمواً نسبته 3.4% وكذلك حقق القطاع المصرفي الخاص نمواً نسبته 3.7%، كما شهد القطاع المصرفي نمواً في معظم بنود مركزه المالي، مطالباً بالتركيز على دور الجامعات ومراكز البحوث واللجان الشرعية بالمملكة وعلى المستوى الدولي لدراسة التحديات وتلبية احتياجات العملاء المتعددة والمتغيرة التي تنسجم مع تطورات المجتمع وتلبي رغباته وإطلاق الإبداع والاجتهاد المرتكز على تعليمات الشريعة السمحة والمعرفة المالية المهنية والفنية والإلمام بالمعايير المصرفية الدولية.
من جانبه قال الدكتور خالد بن صالح السلطان مدير جامعة الملك فهد للبترول والمعادن أن المؤتمر يكتسب أهميته من انعقاده في وقت يشهد فيه التمويل الإسلامي تطوراً متسارعاً جعل منه أحد أهم خيارات الاستثمار على المستوى العالمي، كما يعقد في وقت تعاني فيه المصرفية الإسلامية من قصور في أدواتها المعرفية والبحثية يتناقض مع حجم حضورها الكبير في الواقع، ولذا فإن المؤتمر يمثّل جهداً علمياً لرفع مستوى البحوث المصرفية في التمويل الإسلامي ونقلها إلى مصاف فروع الاقتصاد والتمويل الأخرى.
وأضاف: «لقد أضحت مبادئ وتقنيات وأدوات التمويل الإسلامي جزءاً من منظومة أسواق المال العالمية تتكامل معه وتنمو في إطاره، فالكثير من العاملين في قطاع الأعمال في البلدان المتقدمة أو النامية تبنوا أساليب للتمويل تتقيد بقيود التمويل الإسلامي التي تمنع القروض الربوية وتشجع تقاسم المخاطر والأرباح بين الدائن والمقترض.»
وأشار إلى أنه على الرغم من النمو السريع لصناعة «التمويل الإسلامي»، فإن البحث العلمي في هذا المجال الحيوي لا يسير على نفس هذا المستوى من النمو، ولذا فإن هذا المؤتمر يهدف إلى التغلب على هذا العزوف الأكاديمي وزيادة وتيرة البحوث ذات الجودة العالية في مجال المالية الإسلامية.
وقال إن المؤتمر تلقى أكثر من 170 ورقة علمية من 24 بلداً مختلفاً، كان نصيب الجامعات ومؤسسات البحث المرموقة منها واضحاً، لافتاً إلى أنه تم اختيار أفضل 14 ورقة علمية للحفاظ على مستوى عال من الجودة، وموضحاً أنه قد شارك في تأليف الأوراق المقبولة 39 باحثاً من 28 جامعة ومنظمة في 13 بلداً مختلفاً.
وزاد: «نأمل أن يساهم المؤتمر في معالجة القصور الذي تعاني منه المصرفية الإسلامية في أدواتها المعرفية والإسلامية وزيادة حضورها في المجلات العلمية المرموقة واهتمامات المؤسسات الأكاديمية الكبرى في مجال المالية والاقتصاد وأن يكون وجود نخبة من الخبراء فرصة لتعزيز سعي الجامعة لتحقيق مستوى متقدم من الأداء البحثي والتطويري ونشر ثقافة البحث والتطوير في المجتمع وتعميق علاقة التعاون بين الجامعة والجهات ذات الحضور العلمي المميز.
وأوضح عبد الرزاق الخريجي مدير المصرفية الإسلامية في البنك الأهلي التجاري أن هناك طلباً كبيراً على منتجات وخدمات التمويل الإسلامي وتبلغ نسبة نمو التمويل الإسلامي 15 في المائة في السنوات الخمس الأخيرة، بينما بلغ مجمل الأصول 1.8 تريليون دولار.
وقال إن صناعة التمويل الإسلامي تواجه تحديات كبيرة، ولمواجهتها لا يكفي فقط تطوير قدراتنا لمواكبة تعاليم الشريعة الإسلامية ولكن أيضاً مواجهة المخاطر والمعايير القانونية وأن تكون ذات كفاءة اقتصادية وتواكب احتياجات المستفيدين.