أعادت قصة النمو العقاري الجاذبة في دبي، والتي اتسمت بارتفاع كبير في حجم وقيمة مبيعات الأراضي، رسم ملامح المشهد الحضري للإمارة، بما يرسخ مكانتها كمعيار عالمي للأداء الاستثماري، وذلك وفقاً للتقرير الجديد الصادر عن شركة "جيه إل إل" بعنوان "ما وراء الأفق: قصة تحول سوق الأراضي في دبي". وارتفعت قيم معاملات الأراضي الإجمالية في دبي بنسبة 403.6% بين عامي 2019 و2024، ما يعكس نجاح النهج المنظم الذي تنتهجه الإمارة في الاستثمار في البنية التحتية، وإصلاح السياسات، والتوسع السكاني، بما يرسخ مكانتها كوجهة رئيسية لرأس المال العقاري العالمي.
وبفضل الأسس القوية، شهد سوق الأراضي في دبي أداءً غير مسبوق، حيث ارتفعت القيمة الإجمالية لمعاملات الأراضي من 13.7 مليار درهم في عام 2019 إلى 68.8 مليار درهم في عام 2024، بينما تضاعف حجم المعاملات ثلاث مرات تقريباً من 691 إلى 1,991 معاملة، مسجلاً زيادة قدرها 188.1%. واستمر هذا الزخم الإيجابي في النصف الأول من عام 2025، حيث سجل السوق معاملات بقيمة 43 مليار درهم، بزيادة تقدر بنحو 42.9% على أساس سنوي. وتفوقت مناطق التملك الحر بشكل ملحوظ على فئات الأصول التقليدية، مسجلةً نمواً في حجم المعاملات بنسبة 495.8% مقارنة بزيادة قدرها 240.7% في المناطق غير الحرة، بما يعكس الأهمية النسبية التي يوليها المستثمرون لحقوق الملكية غير المقيدة، ويؤكد على التوسع الاستراتيجي لدبي في مناطق التملك الحر.
وفي هذا السياق، قال تيم ميلارد، مدير قسم استشارات التقييم والمخاطر في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في شركة "جيه إل إل": "لا شك أن التحول الجذري في قطاع العقارات في دبي، مدعوماً بعوامل نمو مستدامة، سيكون له تداعيات عالمية على الأسواق الناشئة التي تسعى لاستقطاب استثمارات عقارية دولية. ويشير تحليلنا بوضوح إلى أن سوق الأراضي في دبي مهيأ للتوسع المستمر، مدفوعاً بالزخم الديموغرافي القوي، وخلق القيمة من خلال البنية التحتية، وتطور اللوائح التنظيمية المستمر، والتنويع الاقتصادي الاستراتيجي. وتوفر هذه البيئة الاستشرافية فرصاً كبيرة للمستثمرين والمطورين الدوليين على حد سواء، ما يجعل دبي نموذجاً يُحتذى به للتنمية الحضرية المستدامة".
وترتكز متانة سوق العقارات في دبي على ثلاث ركائز استراتيجية أساسية تتمثل في النمو السكاني، والتطوير القائم على البنية التحتية، والإصلاحات التنظيمية. ويشهد عدد سكان الإمارة، الذي ارتفع من 2.3 مليون نسمة عام 2014 إلى أكثر من 4 ملايين نسمة عام 2025، ومن المتوقع أن يصل إلى 5.8 مليون نسمة بحلول عام 2040، نمواً متسارعاً بفضل هجرة الوافدين وتدفق أصحاب الثروات الكبيرة الباحثين عن إقامة طويلة الأمد، ما يعزز الطلب على السكن والأراضي والتوسع العمراني على المدى الطويل.
ولاستيعاب هذا النمو السكاني السريع، قامت دبي بتحويل هذا الضغط السكاني إلى ميزة تنافسية من خلال التخطيط العمراني الاستراتيجي. واستناداً إلى استراتيجية متطورة للتطوير تقوم على محورين، توسعت دبي عبر مراحل جمعت بين التمدد العمراني والتكثيف الرأسي للمناطق القائمة. وقامت المدينة بتفعيل المناطق التي تقع على أطراف المدينة من خلال مشاريع ضخمة مثل دبي الجنوب وتخطيط المجمعات على طول طريق دبي-العين، ما أدى إلى إنشاء مراكز حضرية من المستويات الثانية والثالثة.
وبتوفير مرونة تنظيمية تُمكّن من زيادة الكثافة في المواقع الرئيسية من خلال إعادة تنظيم المناطق ودمج قطع الأراضي، استجابت المدينة لطلب السوق على العقارات التي تحظى بمواقع مركزية ذات ربط مريح، مثل الخليج التجاري، ووسط مدينة دبي، وأبراج بحيرات جميرا، ومرسى دبي. وقد أثر ذلك بشكل كبير على قيم الأراضي، حيث شهدت مناطق التطوير الجديدة في دبي ارتفاعاً سريعاً في الأسعار، بينما حافظت المناطق المركزية القائمة على أسعار مميزة نظراً لمحدودية المعروض وارتفاع الكثافة السكانية.
وساهم تطوير البنية التحتية أيضاً كمحفز قوي لقيمة الأراضي. في عام 2025، خصصت دبي 39 مليار درهم (حوالي 10.6 مليار دولار)، أي ما يمثل 46% من ميزانيتها لعام 2025، لمشاريع البنية التحتية والإنشاءات، مما يضمن بقاء الربط والاستدامة والتنقل في صميم النمو الحضري. وتشمل المخصصات الرئيسية 2.6 مليار دولار لأعمال الطرق والربط، و2.4 مليار دولار للمرافق والبنية التحتية، و1.8 مليار دولار للنقل والتنقل. وقد أدى هذا الالتزام المستدام إلى زيادة مشاركة القطاع الخاص، حيث يمثل المطورون من الأفراد والشركات الصغيرة الآن نحو 42.3% من المشاريع السكنية قيد التنفيذ بين عامي 2026 و2030، ما يعكس زيادة الثقة في خلق القيمة من خلال البنية التحتية.
وساهمت الإصلاحات التنظيمية المُستهدفة في زيادة تدفقات رأس المال العالمية إلى سوق العقارات في دبي. وقد عززت إجراءات حماية المشتري، مثل إلزامية حسابات الضمان للمشاريع قيد الإنشاء، واستراتيجيات التحول الرقمي التي تُمكّن من إجراء معاملات عقارية بتقنية البلوك تشين، وإعادة تقسيم المناطق السكنية الموجهة نحو النقل حول محطات المترو وممرات النقل المقررة، ومرونة تقسيم المناطق السكنية للمشاريع متعددة الاستخدامات، من الشفافية والكفاءة وثقة المستثمرين. وقد أدى تحويل 457 قطعة أرض على طول شارع الشيخ زايد ومنطقة الجداف إلى نظام التملك الحر في عام 2025 إلى إحداث قيمة عقارية قابلة للقياس. وقد استقطبت منطقة الجداف، على وجه الخصوص، مشاريع تطوير جديدة على الواجهة البحرية، بينما يشهد الممر الرئيسي لشارع الشيخ زايد عملية إعادة تطوير عالية القيمة في ظل نظام التملك الحر الآمن.
وتُعزز بيانات القطاعات عمق الصعود العقاري في دبي. فخلال الفترة بين ديسمبر 2019 ويونيو 2025، شهدت أسعار الشقق والفلل ارتفاعاً بنسبة 63.5% و116.3% على التوالي، مدعومةً بارتفاع في نشاط المعاملات بنسبة 518.5%. وفي القطاع التجاري، ارتفعت إيجارات المكاتب الفاخرة والفئة "أ" بنسبة 76.8% و69.9%، مع انخفاض مستويات الشواغر إلى أدنى مستوياتها التاريخية عند 0% و4.6%، ما يشير إلى الطلب القوي من الشركات. وشكلت مشاريع التطوير العقاري متعددة الاستخدامات 27.6% من إجمالي قيمة معاملات الأراضي، بما يعادل 70.3 مليار درهم، ويؤكد إقبال المستثمرين على الوجهات المتكاملة التي تُلبي احتياجاتهم العصرية.
وجغرافياً، تركز النشاط الأكبر في الخليج التجاري وجزر دبي، حيث سجلتا 11.6 مليار درهم و11.4 مليار درهم على التوالي. كما أظهرت المناطق الناشئة، مثل الريم ودبي الجنوب، اهتماماً متزايداً من جانب المستثمرين. وتصدرت مرسى دبي (1,092 درهماً للقدم المربعة) والخليج التجاري (687 درهماً للقدم المربعة)، التسعير المميز، بينما سجلت المجمعات الناشئة مثل أرجان وخور دبي زيادات في قيمة الأراضي بنسبة 379.6% و81.4% على التوالي منذ عام 2019.
وخلص التقرير إلى أن النمو الذي حققه سوق الأراضي في دبي بنسبة 403.6% بين عامي 2019 و2024 هو ثمرة استراتيجية مستقبلية مدروسة، وليس نمواً دورياً. ويمثل سوق الأراضي في دبي، بالنسبة لجميع الجهات المعنية، فرصاً آنية ودروساً استراتيجية في خلق القيمة من خلال التخطيط الحضري المتكامل. وقد نجحت الإمارة في ترسيخ مكانتها ليس فقط كمركز إقليمي، بل كمعيار عالمي لتطوير سوق العقارات الحديثة، بما يوفر نموذجاً يُحتذى وإطاراً يمكن تكراره للأسواق الناشئة التي تسعى إلى جذب الاستثمارات الدولية.