تعد منطقة الشرق الأوسط من المناطق المتأخرة مقارنة بباقي مناطق العالم، عندما يتعلق الموضوع بمسألة انبثاق قطاعات الشركات، و بحسب مجموعة بوسطن كونسلتينج جروب، فإن منطقة الشرق الأوسط شهدت 459 عملية تصفية استثمارات في المجمل ما بين العامين 2010 و2015، كانت 4 منها فقط عمليات انبثاق فعلية أدت إلى ظهور شركات قائمة بذاتها، في حين بلغ عدد عمليات الانبثاق ٢٨ عملية في العام 2015 وحده على الصعيد العالمي.
تعد عملية انبثاق قطاعات الشركات الى شركات قائمة بذاتها (Corporate Spin-Offs) واحدة من التوجهات الكبرى عالميا، وخاصة في ظل النشاط المتزايد لعمليات الشركات، حيث تشهد عملية انبثاق قطاعات الشركات إلى شركات قائمة بذاتها شعبية متنامية.وخلافا لعمليات بيع الشركات التجارية إلى شركات أخرى مقابل سيولة نقدية أو أصول، أو إدراج الشركات التجارية كليا أو جزئيا في أسواق التداول العامة، فإن انبثاق قطاعات الشركات إلى شركات قائمة بذاتها يتم عبر توزيع أسهم الشركة الجديدة مباشرة على مساهمي الشركة الأم الأساسيين. وكأي عملية تصفية أخرى، فإن عملية الانبثاق تسمح للشركة الأم بزيادة تركيزها على عملياتها الأساسية، والحد من تشتت وقت وجهود الإدارة، وتحسين هوامش الربح، وتعزيز النمو، والسماح بتقييم أدق لباقي قطاعات الأعمال الخاصة بالشركة.
و بحسب دراسة جديدة أجرتها مجموعة بوسطن كونسلتيج جروب (BCG) في العام 2015 وحملت عنوان تحقيق أعلى مستويات القيمة من خلال انبثاق قطاعات الشركات إلى شركات قائمة بذاتها، فلقد عقدت عدة شركات من مختلف أنحاء العالم 28 صفقة كبرى بلغت قيمتها الإجمالية 133 مليار دولار. بالمقابل، فإن عدد عمليات انبثاق قطاعات الشركات إلى شركات قائمة بذاتها في الشرق الأوسط يعد منخفضا بشكل كبير، حيث لم يتجاوز عدد تلك العمليات 4 عمليات من أصل 459 عملية تصفية استثمارات تم استكمالها في المنطقة ما بين العامين 2010 و2015؛ اثنان منها في دولة الإمارات العربية المتحدة وحدها، وواحدة في قطر، وأخرى في الكويت. وقد توزعت هذه العمليات على العديد من القطاعات، بما في ذلك الطاقة، والصناعة، والمواد، والتجزئة.
في موازاة ذلك، كان النصيب الأكبر من عمليات تصفية الاستثمارات في الشرق الأوسط من حصة عدد من الشركات القابضة المتنوعة و التي تمتلك أنشطة تجارية مختلفة ضمن العديد من القطاعات، حيث سجلت تلك الشركات 106 عملية من أصل 459 في حين سجلت صناديق الأسهم الخاصة 35 عملية فقط.
أما بالنسبة لعمليات الانبثاق الأربعة لقطاعات الشركات إلى شركات قائمة بذاتها في المنطقة، فلم تكن الشركات الأم لكل منها شركات قابضة، بل كانت كيانات تركز على قطاع أعمال محدد.
وأوضح السيد إيهاب خليل، الشريك والعضو المنتدب في مجموعة بوسطن كونسلتيج جروب في الشرق الأوسط بأن هذه الأرقام توضح أن ا الغالبية العظمى من عمليات تصفية الاستثمارات في الشرق الأوسط تجري من خلال مبيعات الأسهم. ومن ناحية أخرى، فإن عمليات انبثاق قطاعات الشركات إلى شركات قائمة بذاتها ليست طريقة شائعة لتحقيق القيمة المرجوة، وخاصة على صعيد الشركات القابضة التي تركز على قطاعات أعمال متنوعة في الشرق الأوسط. وأضاف: "وهذا يشير بقوة إلى تبديد العديد من الفرص الكبيرة بالنسبة للشركات، إذ أن القيمة التي يتم تحقيقها من خلال بيع الأسهم يمكن أن تكون أعلى من ذلك بكثير، وذلك من خلال اعتماد منهجية انبثاق قطاعات الشركات إلى شركات قائمة بذاتها".
جني القيمة المضافة من عمليات انبثاق قطاعات الشركات إلى شركات قائمة بذاتها
في هذه الأيام، توفر عمليات الانبثاق مزايا استراتيجية هامة للشركات في الشرق الأوسط، حيث أنها توفر فرصة لتحديد منهجيات استثمارية مجزية لرجال الأعمال المعنيين – وعادة ما يكون ذلك للمرة الأولى-، وتأسيس شركات جديدة بإمكانها النجاح ككيان مستقل. وعندما تمثل عملية الانبثاق هذه جزءا كبيرا من أصول الشركة الأم، فإن ذلك يوفر أيضاً فرصة لإعادة تركيز منهجيات الاستثمار والقيمة الاستراتيجية للشركة الأم. وهذا ينطبق تماما على ما يسمى بعمليات الانقسام أو الفصل.
وأردف خليل: "قد تفسر هذه المزايا الاستراتيجية سبب تفضيل المستثمرين على الصعيد العالمي لعمليات انبثاق قطاعات الشركات إلى شركات قائمة بذاتها على أنواع أخرى من عمليات تصفية الاستثمارات. وضمن إطار لتحليل نحو 8000 عملية تصفية استثمارات في جميع أنحاء العالم جرت ما بين العامين 1990 و2013، وجدت مجموعة بوسطن كونسلتيج جروب أنه في خلال فترة لا تتجاوز 3 أيام قبل إعلان الصفقات و3 أيام بعد إعلانها، حققت الشركات التي نجحت في تنفيذ عملية الانبثاق حوالي ضعف متوسط العائد التراكمي غير الاعتيادي (CAR) مقارنة مع الشركات التي نفذت عمليات مبيعات تجارية أو اكتتابات عامة. وهذا الأمر يعد بالغ الأهمية نظراً لكون متوسط العائد التراكمي غير الاعتيادي يمثل مقياسا مقبولا في العموم لكيفية استجابة أسواق رأس المال للصفقات، وهو بديل جيد لتحقيق القيمة على المدى الطويل".
والجدير بالذكر أن عمليات الانبثاق هذه لا تحقق جميعها القيمة العالية المرجوة على المدى الطويل. وقد قامت مجموعة بوسطن كونسلتيج جروب مؤخرا بتحليل 80 عملية من هذا النوع حدثت في السوق الأمريكية ما بين العام 2000 والعام 2014. ووجدت المجموعة أن الشركات المتوسطة التي نفذت العملية تفوقت على الشركات المدرجة في مؤشر ستاندرد أند بورز 500 بفارق سبع نقاط مئوية من إجمالي العائد على حقوق المساهمين في غضون الأشهر الستة الأولى بعد الإعلان عن هذه الخطوة.
إلا أن مستوى القيمة التي تم تحقيقها في الشركات الجديدة المتوسطة، و الناتج عن عمليات انبثاق قطاعات الشركات الى شركات قائمة بذاتها، تراجع نسبيا عن مستوى السوق في غضون الأشهر الستة الأولى بعد إتمام الصفقة، وكان هناك تباين واسع لا يقل عن 38 نقطة مئوية بين الربع الأعلى أداء والربع الأدنى أداء.
وأضاف خليل: "ما الذي يفسر هذه الفجوة الواسعة؟ إن عملية الانبثاق تعد عملية معقدة، حيث تعادل في التعقيد عمليات تكامل ما بعد الاندماج العكسي (PMI). فضلاً عن ذلك، فإن هنالك تحديات عديدة تصاحب هذه العملية، بالإضافة إلى العديد من العمليات الوسيطة، ووجود سيناريوهات عديدة يمكن أن تسوء فيها الأمور. وهذا أمر طبيعي، إذ أن عملية تأسيس أي شركة أصغر حجما لا تخلو من هذه التحديات الهيكلية".
المضي قدما
توصي مجموعة بوسطن كونسلتيج جروب باتخاذ أربع خطوات مهمة تهدف إلى ضمان سير عمليات انبثاق قطاعات الشركات إلى شركات قائمة بذاتها على أحسن وجه، حتى تتمكن من الحصول على موقعها في الربع الأعلى أداء. حيث تمثل هذه الخطوات مبادئ توجيهية للشركات القائمة في الشرق الأوسط والتي تود ضمان تحقيق القطاع المنبثق إلى شركة قائمة بذاتها القيمة التي يرجوها المستثمرون، سواء على صعيد الشركة الوليدة أو الشركة الأم:
حيث لا تقتصر هذه الخطة على عملية الإطلاق فقط، ويتعين عدم وضع خطة لليوم الأول فقط ضمن إطار عملية الانبثاق، بل يتعين التخطيط لليوم الثاني وما يليه، حيث أن وضع تعريف واضح لاستراتيجية تحقيق القيمة على المدى البعيد من شأنه أن يمكن الشركة الجديدة من تقديم عائد إجمالي قوي ومستدام على حقوق المساهمين.
والفهم الاستباقي لكيفية عمل الشركة الوليدة و كيفية تحقيقها للقيمة المرجوة كشركة قائمة بذاتها، مع تخصيص الوقت الكافي لإعدادها للنجاح قبل تنفيذ عملية الانبثاق.
خلال أي عملية انبثاق، فإنه عادة ما يكون هنالك مجموعة محدودة من القضايا الحرجة، والتي إن لم يتم حلها قبل حلول اليوم الأول، قد تتسبب بتأخير إطلاق الشركة الوليدة الأمر الذي قد يؤثر سلبا على مصداقيتها أمام المستثمرين. يتعين تخصيص الحصة الأكبر من وقت المدراء المعنيين من اجل التركيز هذه المسائل.
إدارة التغيير هي جزء هام من أي عملية انبثاق، بما في ذلك "الجانب الصلب"، ألا وهو الحوكمة الرسمية، أما "الجانب اللين" فهو بناء ثقافة جديدة للشركة الوليدة. يتعين الوقوف على رأس عملية التغيير هذه من خلال إنشاء مكتب قوي لإدارة التحولات مهمته الرئيسية التركيز على هذا الأمر.
ولا تعد أي من هذه المهام مهاما سهلة، ولكن من المرجح أن يميز الاتمام الناجح لتلك العملية التي من شأنها تحقيق القيمة العالية عن سواها من العمليات التي لا تحقق تلك القيمة.