شهدت مكانة المملكة العربية السعودية كوجهة عالمية رائدة للعمل والارتقاء بالمسيرة المهنية ارتفاعًا ملحوظًا مع ارتفاع جاذبيتها العالمية؛ حيث قفزت من المرتبة 35 في عام 2018 إلى المرتبة 28 في عام 2020 وفقًا لدراسة حديثة أجرتها شركة "بوسطن كونسلتينغ جروب" بالتعاون مع "بيت.كوم" شملت استطلاع رأي نحو 209 آلاف شخص عبر 190 دولة حول العالم، وأوضحت الدراسة أن التفشي المستمر لجائحة فايروس كورونا المستجد أثر تأثيرًا كبيرًا في توجهات الأشخاص فيما يتعلق بالانتقال للعمل في الخارج، وقلل من اهتمامهم به بشكل عام وجذبهم إلى البلدان التي تمكنت من احتواء الوباء وإدارته بفعالية أكبر.
ويوضح التقرير المشترك بعنوان "استشكاف توجهات المواهب العالمية واقعيًا وافتراضيًا" النتائج الأخيرة للدراسة؛ حيث تظهر المملكة كإحدى أكثر الوجهات جاذبية لدى أفراد المجتمع العالمي، كما ركز الإصدار الرئيسي الثالث الذي يستند إلى أبحاث شركة "بوسطن كونسلتينغ جروب" و "بيت.كوم" على مسار حركة المهنيين وتفضيلاتهم، مع تسليط الضوء على العوامل الرئيسية التي أسهمت في حصول هذه القفزة التي حققتها المملكة على لائحة التصنيف العالمي.
وقال د. كريستوفر دانيال- مدير مفوّض وشريك في شركة بوسطن كونسلتينغ جروب الشرق الأوسط-: "يعتبر هذا التقدم الذي شهدته المملكة على لائحة تصنيفات الجاذبية العالمية دليلًا إيجابيًا على تحسن الأوضاع على المستويين الاجتماعي والاقتصادي، وفي الوقت الذي يتراجع فيه اهتمام المهنيين بالعمل في الدول الكبرى والمدن الأكثر شهرة عن ما كان عليه في عام 2018، إلا أن المملكة سلكت اتجاهًا مغايرًا؛ نظرًا للتدابير والاجراءات الاحترازية الفعالة التي اتبعتها للوقاية من الوباء وغيرها من العوامل الرئيسية الأخرى كالتطور المستدام لرؤية المملكة 2030 والإصلاحات ذات الصلة واستقرار القيادة والمشاركة المجتمعية العالية التي تعتبر من أهم الأسباب التي أسهمت في تعزيز الجاذبية المهنية العالمية للعمل في المملكة".
وأظهر الاستبيان أن نسبة المقيمين من بين المشاركين في المملكة بلغت 38%، بينما بلغت نسبة المشاركين من المواطنين السعوديين 62%، في مشهد يعكس التركيبة السكانية للبلاد مشيرًا إلى اشتمالها على أكثر من 30% من الوافدين تقريبًا، وتجدر الإشارة إلى أن الإجابات سلطت الضوء على وجهات النظر على صعيد البلاد فيما يتعلق بالعديد من الجوانب المتعلقة بالعمل.
ووفقًا للدراسة، فإن ما يقرب من 50% من الأشخاص حول العالم على استعداد حاليًا للانتقال إلى الخارج من أجل العمل، وهي نسبة أقل مما كانت عليه في عام 2014 (64%) وعام 2018 (57%)، وقد لوحظ تراجع الرغبة في الانتقال إلى الخارج من جانب المشاركين في الاستبيان في كل بلد تقريبًا حول العالم؛ مؤكدين أن هذا الموقف يتجاوز المجتمعات العالمي، وعلى الرغم من اتفاق المشاركين في الاستبيان من جميع أنحاء العالم على وجهة النظر هذه، إلا أن هذه النسبة كانت أعلى قليلًا على مستوى المملكة، حيث أبدى 53% من المشاركين في الاستبيان رغبتهم في العمل في الخارج، ويرجع ذلك إلى ارتفاع مستوى التعليم لدى المواطنين والعمل في الأسواق العالمية بفضل المنح الدراسية وفرص التدريب المدعومة من الحكومة، بالإضافة إلى أن قسم كبير من المقيمين في المملكة أظهروا استعدادهم للانتقال إلى دولة أخرى لتطوير مسيرتهم المهنية.
وعلى الرغم من انخفاض نسبة الرغبة في الانتقال إلى بلد أجنبي على مستوى دول العالم اليوم، فقد أبدى 57% من المشاركين في الاستبيان مستوى عالٍ من الحماس للبقاء في بلدهم والعمل لدى صاحب عمل أجنبي، وأشاروا إلى استعدادهم للقيام بذلك، إلا أن الأمر يختلف تمامًا في المملكة؛ حيث أكد 37% من المواطنين السعوديين على استعدادهم للبقاء في بلدهم والعمل لدى صاحب عمل أجنبي، ويعود السبب وراء هذه الإحصائية لعدد من العوامل: كأهمية وجود روابط مجتمعية قوية وظهور هذا النموذج مؤخرًا في المملكة وأهمية سمعة صاحب العمل السعودي في الدوائر العائلية والمجتمع ككل.
وأوضح راينر ستراك- شريك أول في شركة بوسطن كونسلتينغ جروب وأحد المشاركين بإعداد الدراسة-: "لقد أدت السياسات والقيود التي فُرضت على الهجرة إلى تراجع توجهات الانتقال اليوم، كما شكلت جائحة فايروس كورونا المستجد عاملًا جديدًا جعل الناس أكثر حذرًا عندما يتعلق الأمر بالتفكير في الانتقال للعيش والعمل حول العالم، ومع ظهور سياسات العمل عن بُعد، ربما يشعر الكثيرون أنهم قادرون على الاستمرار وتطوير حياتهم المهنية دون الحاجة للانتقال".
ومن جهتها، قالت عُلا حداد- المديرة الإدارية للموارد البشرية في بيت.كوم-: "شهد سوق العمل العديد من التغييرات على مدار الأشهر القليلة الماضية، وقد أعادت جائحة فايروس كورونا المستجد التي يجري العمل للتصدي لها في جميع أنحاء العالم تحديد مفاهيم جديدة للعمليات والإجراءات، مما وضع الشركات في كل قطاع تحت ضغط الانتقال للعمل الافتراضي عبر الإنترنت، وعلى هذا النحو، اعتمدت الغالبية العظمى من المهنيين والشركات سياسات العمل عن بُعد، مما مكنها من الحفاظ على قدرتها التنافسية وضمان استمرارية أعمالها".
ويحدد التقرير أيضًا التحديات التي تواجهها الشركات في توفير فرص عمل دولية عن بُعد - بما في ذلك الاندماج الثقافي وتوفير التأشيرات- ويسلط الضوء على بعض الحلول المبكرة لهذه التحديات، علاوة على ذلك، تقدم البيانات التي جُمعت لإعداد التقرير رؤى ثاقبة لتوجهات القوى العاملة حسب النوع والعمر ومستوى التعليم ومجموعات المهارات الرقمية ومناصب الهرم الوظيفي.