ينبغي على البنوك التي تقدم خدمات مالية للشركات إعادة ابتكار ذاتها واستراتيجياتها للتكيف مع الأوضاع الجديدة التي تشهدها الأسواق، هذا ما خلص إليه تقرير جديد لمجموعة بوسطن كونسلتينج جروب، حيث أوضح التقرير أن نماذج الأعمال والخدمات الرقمية الحديثة أعادت تعريف طرق ووسائل نقل البيانات والأموال حول العالم، ما يشكل تحديات كبيرة للطرق التقليدية التي تعتمدها البنوك لتحقيق فوائدها الإيجابية. نشرت المجموعة، اليوم، تقريرها الجديد الذي يحمل اسم "الخدمات المصرفية العالمية للشركات 2016: الجيل القادم من الخدمات المصرفية للشركات".
ويعتمد التقرير الجديد على نتائج الاستبيان الأحدث الذي أجرته "مجموعة بوسطن كونسلتينج جروب" الخاص بمؤشر أداء الأعمال المصرفية للشركات، حيث شمل الاستبيان 300 شركة صغيرة ومتوسطة وفروعاً لبنوك ضخمة تقدم خدمات مصرفية للشركات من أنحاء متفرقة حول العالم. واستعرض التقرير الوضع الراهن الذي يشهده القطاع المصرفي والحاجة المتزايدة للاستعانة بالخدمات الرقمية المتطورة فضلاً عن السيناريوهات التي من المحتمل أن يتبناها الجيل القادم من البنوك التي تقدم خدماتها للشركات في عملياتها. ويقدم التقرير أيضا خطوات واضحة يمكن للمؤسسات المصرفية تبنيها لبدء تحولاتها الرقمية وتجهيز نفسها بشكل أفضل في المستقبل.
وتعليقاً، قال كارستن بومغارتنر، الرئيس العالمي لقطاع الخدمات المصرفية للشركات في مجموعة بوسطن كونسلتينج جروب والمشارك في إعداد التقرير " توضح بيانات مؤشرنا الخاص مدى خطورة تمسك البنوك بنماذج تحقيق الأرباح التقليدية المرتكزة على الائتمان فضلاً عن ممارسات التشغيل الثابتة غير المرنة كما ينبغي على جميع البنوك أن تتبنى تحديث نفسها وتطبيق أنظمة رقمنة متطورة وفتح مسارات جديدة لتوليد المزيد من الأرباح وتحسين جميع محاور العمل الأساسية".
وضع المجال: بحسب التقرير، فإن عددا محدوداً من المؤسسات المصرفية التي تقدمها خدماتها للشركات حول العالم - أقل من الثلث في أمريكا الشمالية وآسيا وأقل من النصف في أوروبا – كانت قد أعلنت نمواً في الأرباح والإيرادات منذ العام 2013 وخلال العام 2015. بالإضافة إلى ذلك، في الوقت الذي حققت فيه بعض البنوك الكبرى عوائد تفوق أدنى معدل لعائد الاستثمار، فقد انخفض أداء الربع الأدنى من البنوك إلى أقل من ذلك المعدل في جميع المناطق والقطاعات تقريباً. (تعتمد منهجية مجموعة بوسطن كونسلتينج جروب في قياس أداء البنوك على استخدام أدنى معدل لعائد الاستثمار قبل خصم الضرائب بنحو 16% على افتراض أن رأس المال التنظيمي هو 10.5% من الأصول المرجحة حسب درجة المخاطر.)
وكشف التقرير بعض التطورات الإيجابية أيضاً، حيث تحسن أرباح نحو 70% من المؤسسات المصرفية التي تقدم خدماتها للشركات في أوروبا الغربية خلال الفترة نفسها على الرغم من التحديات الاقتصادية العديدة وهو ما يمثل تبايناً واضحاً عن النتائج التي خلص إليها تقرير المجموعة السابق لأداء البنوك في أوروبا الغربية في الفترة ما بين 2011-2013، عندما شهدت فقط أرباح ثلث بنوك أوروبا الغربية تحسناً في تلك الفترة. على العكس من ذلك، انخفض الربح الاقتصادي لأكثر من نصف القطاعات المصرفية للشركات في أمريكا الشمالية خلال الفترة 2013-2015، وهو ما تم اعتباره بمثابة اتجاه مثير للقلق ومتوارٍ إلى حد ما بحقيقة أن العديد من القطاعات في المنطقة لا تزال تحقق عوائد وأرباح مرتفعة نسبياً على رأس المال مقارنة مع القطاعات في مناطق أخرى من العالم. أما في آسيا، فقد أعلنت بعض البنوك عن تحسن في الأرباح – إلا ان ثلثي البنوك عانت من انخفاض في الأرباح.
القدرات الرقمية: يشير التقرير إلى أن المؤسسات المصرفية للشركات قد تأثرت نتيجة عدم جهوزيتها ومرونتها فيما يتعلق بتبني الخدمات الرقمية الحديثة حيث أن معظم تلك البنوك غير جاهزة جهوزية كاملة. ومع تشكل ملامح البيئة المصرفية للجيل القادم من البنوك فإن الطريقة الوحيدة التي يمكن من خلالها للبنوك التي تتعامل مع الشركات تحسين أدائها هي تكييف نماذج عملياتها وتبني أحدث التقنيات بسرعة وبشكل جذري، إلا أن تلك البنوك لديها في الحقيقة إطاراً زمنياً محدوداً لتحرير مواردها وتطوير القدرات المطلوبة لتطبيق عملية التحول اللازم. أما بالنسبة للبنوك الرائدة فهي تسير بالفعل في الطريق الصحيح نحو رقمنة الاستراتيجيات التقليدية المتبعة الهادفة إلى تعزيز القيمة، ونتيجة لذلك فإن تلك البنوك قادرة على فهم واستيعاب استراتيجيات عملائها وتحسين إيراداتها، وتخفيض تكاليفها، وإدارة المخاطر بشكل فعال. وينبغي على البنوك أن تبدأ بمعالجة مسألة التسعير التي تعتبر عادة أكبر مصدر للتمويل غير المستغل في الاستثمار الرقمي.
الجيل القادم من الخدمات المصرفية: على الرغم من استحالة التنبؤ بطبيعة هذا القطاع خلال الـ20 عاماً، إلا أن التقرير يناقش ثلاثة سيناريوهات ثورية محتملة: نظام Industry 4.0 للأتمتة، ومنظومة الخدمات المصرفية المتكاملة، وإنترنت الأشياء.
يشير التقرير إلى أن ظهور نظام Industry 4.0 للأتمتة من شأنه أن يغير بشكل جلي طبيعة مجالات وقطاعات وخدمات مالية محددة يجري استخدامها، حيث سيهم نظام Industry 4.0 للأتمتة في ربط المباني والسيارات وأجهزة الاستشعار والآلات وستعمل على تمكين العمليات بشكل أسرع وأكثر مرونة وكفاءة ما سيسهم بدوره في تحقيق نمو إضافي في معدلات الإنتاجية وابتكار نماذج أعمال جديدة. كلياً. وستؤدي هذه الإمكانات بدورها أيضا إلى إحداث تغيير في شكل العلاقات التقليدية بين البنوك والموردين والمنتجين والعملاء.
وفيما يتعلق بمنظومة الخدمات المصرفية المتكاملة يشير التقرير - إلى أن رواد الخدمات الرقمية في العديد من القطاعات هم في كثير من الأحيان أيضا رواداً في مجال المنصات الإلكترونية (مثل أمازون) – موضحاً أن البنوك التي تقدم الخدمات المصرفية للشركات ستكون قادرة على خدمة تلك المنصات ولكن أيضاً العديد من الموردين والموزعين الأفراد الذين يعملون عليها. وبالتالي ستكون النتيجة تأسيس منظومة متكاملة للخدمات المصرفية تسمح للمؤسسات المصرفية بتقديم خدماتها لشبكة واسعة من الشركات ضمن سلسلة قيمة محددة ومترابطة.
ويوضح التقرير أنه من الممكن أيضا أن نتصور مستقبلاً واعداً يقوم على تقنيتي إنترنت الأشياء والعقود الذكية القائمة على قواعد البيانات التسلسلية، ويطرح التقرير مثالاً للشاحنات التي لا تتميز فقط بكونها ذاتية القيادة ولكنها تعمل أيضا كوحدات أعمال مستقلة يمكن برمجتها وضمها الى نظام مشابه لأوبر في مجال حاويات الشحن، وعندما تكون فارغة يمكن تسجيل الدخول إلى المنصة والاشتراك في أية رحلة شحن يتم التوصل لكونها الأمثل وفق خوارزمية مضاعفة الأرباح. وستكون إحدى النتائج المباشرة تمكين عمليات دفع رقمية بشكل كامل وسينظر إلى البنك على نحو متزايد باعتباره مزود خدمات موثوق ومدير مخاطر التزوير قادر على توليد فرص إضافية للخدمة ومصادر جديدة للدخل.
بدء عملية التحول: وفقاً للتقرير فإنه على الرغم من أن جميع البنوك اتخذت خطوات مؤقتة في الطريق نحو الرقمنة، إلا أن إطلاق عملية تحول استراتيجي على المدى الطويل يمكن أن يكون شاق نوعاً ما. فبدلاً من التركيز على مشاريع أو منتجات محددة، من المهم تحديد مسار للتحول يبقي جميع الخيارات مفتوحة خلال عملية بناء الإمكانات الرقمية وتوليد الإيرادات على المدى القريب لتمويل المسار الحالي. ويتكون هذا المسار من خمس أشياء ضرورية:
• تحديد طموحات البنك الرقمية واستراتيجيته المستقبلية
• مراجعة رحلات العميل وإعادة تصميم الرحلات الأكثر أهمية
• التفكر في مجالات الأعمال الأكثر أهمية للاستثمار فيها ومستوى الاستثمار
• وضع خطة شاملة لتمويل الرحلة
• الالتزام بتنفيذ برنامج إدارة التغيير التزاماً كاملاً
وأضاف بومغارتنر" تمكنت البنوك الخاصة بالشركات من الخروج من الأزمة المالية، إلا أنها تعرضت لأزمة جديدة تتمثل في ضرورة مواكبة التحولات الرقمية الهائلة. ولكي تتمكن من المحافظة على حيويتها ونشاطها في السوق، فإنها تحتاج إلى فهم مسارات ومتطلبات العميل التي تعتبر الجزء الأكثر أهمية، إضافة إلى مواصلة الاستثمار في ابتكار خدمات جديدة للعملاء واعتماد طرق مرنة في العمليات فضلاً عن خلق ثقافة مبيعات أكثر فاعلية وتعاونية. وتوضح أمثلة محركات العمل الأولى أن بنوك الجيل القادم قادرة على مواكبة تلك التحولات. إلا ان السؤال الأهم هنا هو أي من البنوك الحالية ستكون من بين بنوك الجيل القادم ".