ضمن فعاليات الدورة الثانية من المنتدى الإقليمي لمبادرة بيرل والاتفاق العالمي للأمم المتحدة بعنوان "تطبيق الاستدامة: قطاع الأعمال وأهداف التنمية المستدامة"، ناقشت ثاني الجلسات الحوارية في المنتدى أهمية الكوادر البشرية في الاستدامة ودور القطاع الخاص في إشراك الشباب والتأسيس لسوق عمل حيوي يلبي متطلبات الاستدامة وكيف يمكن لممارسات عمل القطاع الخاص الارتقاء بالأعمال وتحسين حياة الأفراد.
وشارك في الجلسة التي حملت عنوان "بناء فرق مستدامة ناجحة" باتريك ألمان وارد، الرئيس التنفيذي لشركة دانة غاز، وسعادة الدكتور محمد الزهير، رئيس مجلس الإدارة التنفيذي للصندوق الوطني لرعاية وتنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة في دولة الكويت، وباتريك شلهوب، الرئيس التنفيذي لمجموعة شلهوب، وباربرا كرومسيك، مدير عام آرابيسك لإدارة الأصول، والبروفيسور كريستوفر لوك، مدير مدرسة كامبردج جادج للأعمال. وأدار الجلسة كلير وودكرافت-سكوت، الرئيس التنفيذي، مؤسسة الإمارات.
وحول أهمية العامل البشري في التنمية والاستدامة أكد باتريك ألمان وارد، الرئيس التنفيذي، شركة دانة غاز التزام الشركة القوي بتحقيق الاستدامة حيث يولي مؤسسو الشركة أهمية كبيرة والتزاماً حقيقياً بالاستدامة ودور الحوكمة التي تدفع المؤسسات إلى الاستدامة. وأشار إلى أنه بالإضافة إلى وضع مبادئ أساسية، عملت الشركة على اعتماد معايير عالية من حيث ميثاق السلوك والمساءلة والالتزام بالابتكار والتطوير وتوفير بيئة مناسبة لموظفينا وشركاءنا والمجتمع الذي تعمل فيه.
وبالحديث عن مبادئ العمل التي تعتمدها الشركة، أشار ألمان-وارد إلى أن مجلس إدارة الشركة يضم موظفين من عشر جنسيات وبينهم نساء وهذا التنوع يدفع بسياساتنا وممارساتنا إلى النجاح، بالإضافة إلى اعتماد برامج المسؤولية المجتمعية لضمان ترك المجتمعات أفضل مما كانت عليه لدى دخول الشركة إليها.
وأشار إلى ازدياد أهمية مبادئ الاستدامة في الحصول على التمويل والتسهيلات الممنوحة حيث باتت المصارف ومؤسسات التمويل تضع عامل الاستدامة في الحسبان عند تقديم التمويل والتسهيلات المصرفية للمؤسسات والشركات. واختتم ألمان-وارد بقوله أن الربح والاستدامة أمران متلازمان وليسا متضادين.
وفي حديثه، أكد سعادة الدكتور محمد الزهير، رئيس مجلس الإدارة التنفيذي، الصندوق الوطني لرعاية وتنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة في دولة الكويت، على أهمية دعم الكفاءات الشابة وخاصة رواد الأعمال الذين لا يقتصر إسهامهم على تأسيس أعمالهم الخاصة وتوفير الوظائف لأنفسهم بل أيضاً توفير فرص العمل للآخرين.
وأشار الزهير إلى أنه يجب الاعتراف بوجود قصور في مجال صنع السياسات الحكومية وفي أداء القطاع الخاص وضرورة إحداث تغيير في الثقافة السائدة لتشجيع الشباب على الانضمام للقطاع الخاص وتأسيس أعمالهم ليكونوا فاعلين في تأمين فرص العمل لغيرهم. ونوه الزهير إلى أن المؤسسات الصغيرة والمتوسطة هي التي تؤمن العدد الأكبر من فرص التوظيف في سوق العمل لذلك يجب تشجيع هذه الشركات والعمل على تنمية أعمالها بإدماجها في سلسلة الأعمال، وشدد على أهمية هذه الشركات في الاستدامة لقدرتها على إجراء الإصلاحات بشكل أسرع وأن تنسجم مع السوق بشكل أسهل. وأكد الزهير على أهمية الحوكمة والتي تتأتى من الشراكات الحقيقية بين الحكومة والجهات الأخرى.
وحول ما يجب القيام به قال الزهير أن الحكومات تضع القوانين واللوائح معتقدة أنها الطريقة المثلى مشدداً على أن الأمر لا يعتمد على عدد القوانين بل على الحوار الصحيح عن كيفية التطوير بالشراكة مع مختلف الأطراف. وأعطى الزهير مثالاً عن الكويت حيث قال أن القطاع الخاص يشتكي من أن خريجي الجامعات يفتقرون إلى التدريب الكافي، بينما تتوقع الحكومة حصول الخريج على التدريب في الشركات، لذلك يجب أن يعمل الجانبان معاً على سد هذه الفجوة، مختتماً بأن الأهم هو الاستثمار في الأفراد لبناء القدرات والإمكانات.
وأشادت باربرا كرومسيك، مدير عام، آرابيسك لإدارة الأصول بمدى التقدم الذي شهدته المنطقة في مجال الاستدامة مشيرة إلى أن التقدم نسبي فهناك تقدم كبير في مجال التعليم وسوق العمل ولكن الفئات ذات الدخل الأقل والعاملة في الوظائف المتدنية لا زالت تواجه تحديات هامة. وأكدت باربرا كرومسيك أهمية الشفافية في تعزيز دور القطاع الخاص بدعم الأهداف الإنمائية حيث بات المستثمر بشكل متزايد يهتم بالشركات التي يستثمر من خلالها ليس فقط من خلال معرفة الأداء المالي للشركة إنما من خلال أدائها في الاستدامة، وبات ذلك سهلاً من خلال توافر التقارير وقواعد البيانات الخاصة بالاستدامة.
وتحدث البروفيسور كريستوفر لوك، مدير مدرسة كامبردج جادج للأعمال عن إسهام القطاع الخاص في الاستدامة مشيراً إلى أن الشركات تواجه أحياناً صعوبة في إدراج الاستدامة في الاستراتيجيات وخطط العمل لخوفهم من تأثير ذلك على الميزة التنافسية حيث ينظر البعض إلى الاستثمار في الاستدامة على أنه رفاهية وليس ضرورة أساسية.
وقال لوك أن هذه المشكلة لا تقتصر على الشركات فبعض المستثمرين لديهم نظرة قصيرة المدى وحتى المستهلك الذي يمكن أن يدفع الشركة إلى الاستدامة فقد يقول أنه يرغب بالاستدامة ولكن قد يختار منتجاً لا يتوافق مع مبادئ الاستدامة. وأضاف أن الأجيال الشابة يجب أن تستخدم نفوذها وتأثيرها للضغط على الجهات المختلفة بما فيها المستهلكين لأن الشركات تلاحظ التغير في سلوك المستهلك أكثر من أي شيء آخر. وشدد لوك على أهمية الاستثمار في الكفاءات والمواهب وتطويرهم بحيث يساهمون في عملية التحسين المستمر وطرح الأفكار التي يمكن تضمينها لتعزيز الاستدامة. واختتم بالتأكيد على أهمية الابتكار الذي يعد عاملاً أساسياً في تطبيق معايير وممارسات الاستدامة.
وقال باتريك شلهوب، الرئيس التنفيذي، مجموعة شلهوب، أن الشركات الخاصة لم تعد تهتم فقط بالأرباح المالية بل باتت تفكر على المدى القصير والبعيد بكيفية تحقيق الاستدامة، فنحن ندرك أنه لا يمكن تحقيق الأرباح والنمو على المدى البعيد إن كان العالم غير مستدام، ولا يمكن الحفاظ على قاعدة المستهلكين إن لم يكونوا راضين عن أدائنا، ولذلك نولي أهمية كبرى لنشر تقارير الاستدامة مع تقاريرنا المالية حيث لم يعد الاهتمام مقصوراً على تقارير النتائج المالية للحكم على الشركة.
وقال شلهوب أن شركته تحاول تقديم مثال للآخرين بإظهار الفوائد التي يمكن الحصول عليها من خلال العمل على الاستدامة بدل التركيز فقط على الربح على المدى القصير، مشدداً على أهمية التركيز على الاستدامة البيئية والبشرية والاستثمار في التعليم لما له من دور في رفع مستوى الوعي.
وانعقد المنتدى في فندق كونراد دبي بالتعاون بين مبادرة بيرل، المؤسسة الخليجية الرائدة التي تهدف إلى تعزيز مستويات المساءلة والشفافية باعتبارهما من ركائز الممارسات المستدامة في الشركات والمؤسسات، و"الاتفاق العالمي للأمم المتحدة"، وهو عبارة عن منصة قيادية لتطوير وتنفيذ سياسات وممارسات مؤسسية مسؤولة ومستدامة، والإفصاح عنها. وتلتزم الشركات، التي تتبنى المبادرة، بموائمة عملياتها واستراتيجياتها حسب عشرة مبادئ تحظى بقبول عالمي في مجال حقوق الإنسان، والعمل، والبيئة، ومكافحة الفساد. وتُعتبر الاتفاقية العالمية أكبر مبادرة استدامة اختيارية للشركات، حيث تضم المبادرة أكثر من 8 آلاف شركة موقّعة و4 آلاف جهة معنية أخرى في أكثر من 160 دولة.
وكانت هيئة الأمم المتحدة قد أطلقت "الاتفاق العالمي للأمم المتحدة" في العام 2000 بالتزامن مع التبني الدولي للأهداف الإنمائية للألفية بمشاركة وتوقيع 192 دولة، وما لا يقل عن 23 منظمة دولية. وتشمل الأهداف الإنمائية ثماني محاور، هي مكافحة الفقر والجوع والأمراض والأمية والتمييز، بالإضافة لأهداف أخرى تتعلق بشروط استدامة البيئة والمناخ والاستقرار والتنمية للمجتمعات.
ويذكر أن مبادرة "بيرل" تأسست في عام 2010 بالتعاون مع مكتب الأمم المتحدة للشراكات، وهي منظمة خليجية رائدة يقودها القطاع الخاص وتهدف إلى تعزيز ونشر ثقافة وممارسات المساءلة والشفافية ومراعاة شروط الاستدامة في ممارسة أعمالها. وتسعى مبادرة بيرل إلى تشجيع وتعزيز التعاون بين قادة الأعمال الإقليميين والعالميين والمؤسسات الدولية والجهات الحكومية بهدف دعم المساعي الدولية في توفير عوامل الاستدامة للبيئة والمجتمعات.