يمر الاقتصاد العالمي منذ أعوام بحالة من الضبابية طغت على مشهده العام، وسط تباين ملحوظ في توقعات النمو وتوجهات الاستثمار الرئيسة حول العالم، وانسحب ذلك على عدد من المؤسسات الكبرى، مثل صندوق النقد الدولي، الذي كان توقع في يناير الماضي نمواً أقل من 3% للاقتصاد العالمي خلال العام الجاري، ثم عاد بعدها بأيام وتوقع نمواً يزيد على 3%.
وفي ظل هذه الحالة السائدة، يحاول منتدى الشارقة للاستثمار الأجنبي المباشر 2016، الذي يحظى برعاية كريمة من صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، والذي تنظمه هيئة الشارقة للاستثمار والتطوير (شروق) بالتعاون مع "فاينانشال تايمز" البريطانية، ومجلة الاستثمار الأجنبي المباشر يومي 28 و29 سبتمبر المقبل، إلقاء الضوء على آفاق الاقتصاد العالمي وما يحمل من فرص ويواجهه من تحديات مستقبلية، كما يستعرضُ مجموعة من الخبراء والاقتصاديين خلال المنتدى توجهات القطاعات الاستثمارية الرئيسة في العالم ويقدمون رؤاهم فيما يتعلق بأهمية التركيز على النقاط الإيجابية فيها، وسبل الحفاظ على تحقيق نسب نمو مستدامة في ظل مختلف التحديات.
ووفقاً للتقرير السنوي الصادر عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد) 2015، فقد انخفضت تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر العالمي في عام 2014 بنسبة 16% عن عام 2013، لتهبط من 1.47 تريليون دولار (5.4 تريليونات درهم) إلى 1.23 تريليون دولار (4.51 تريليونات درهم)، لكن آفاق انتعاشها كبيرة في عام 2015 والأعوام المقبلة، موضحاً أن منطقة إفريقيا والشرق الأوسط من أكثر المناطق تفاؤلاً لزيادة نشاط الاستثمار الأجنبي المباشر خلال السنوات المقبلة.
وخلال فعاليات اليوم الأول للمنتدى، يشارك سالم راشد النعيمي، الرئيس التنفيذي والعضو المنتدب لشركة "الواحة كابيتال"، في جلسة بعنوان "نظرة طويلة الأجل على الاستثمارات في الشرق الأوسط"، تحاوره فيها كورتني فينغار، رئيسة تحرير مجلة الاستثمار الأجنبي المباشر، التابعة لـ"فاينانشال تايمز"، يستعرض فيها البنية الاستثمارية في المنطقة ومدى جاذبيتها لرؤوس الأموال الدولية، وأبرز القطاعات التي تثير اهتمام الشركات العالمية للدخول فيها، كما يقدم نظرة تحليلية لحجم الاستثمارات التي يتوقع أن تشهدها المنطقة خلال الأعوام المقبلة، والعوامل التي تساعد على تعزيز هذه الاستثمارات ومكانتها.
ويشهد اليوم الثاني للمنتدى تنظيم جلسة نقاشية بعنوان "اتجاهات الاستثمار - ما هي آفاق الاستثمار الأجنبي المباشر في منطقة الشرق الأوسط والإمارات العربية المتحدة في العام القادم؟" يشارك فيها كل من: سعادة مروان بن جاسم السركال، المدير التنفيذي لهيئة الشارقة للاستثمار والتطوير (شروق)، وهنري لويويندهال، الرئيس التنفيذي لمجموعة ويفتيك المحدودة، وعوني رشود، المستشار في المعهد العربي للتخطيط في الكويت، وجيفري كولير، نائب حاكم ولاية كانساس الأميركية، ويديرها جاكوبو ديتوني، نائب رئيس تحرير مجلة الاستثمار الأجنبي المباشر.
ويناقش المشاركون في الجلسة دور الاستثمار الأجنبي المباشر في الاقتصاد العالمي، وتقييم توجهات النمو والتحديات الماثلة أمامه، وكذلك المحركات والمزايا التنافسية الرئيسة للمدن عندما يتعلق الأمر بعولمة الابتكار.
وقال سعادة مروان بن جاسم السركال، المدير التنفيذي لهيئة الشارقة للاستثمار والتطوير (شروق): "يسلط منتدى الشارقة للاستثمار الأجنبي المباشر هذا العام الضوء على عدد من أهم القضايا الاقتصادية على الساحة المحلية والإقليمية والدولية، بمشاركة نخبة من الخبراء والمحللين الماليين وصناع القرار، للخروج بعدد من التوصيات ذات الشأن، بهدف تحقيق نقلة نوعية في مخرجات العملية الاقتصادية، وتبسيط الإجراءات وتوفير الحلول اللازمة للتحديات".
وأضاف السركال: "يمر الاقتصاد العالمي منذ اندلاع الأزمة المالية العالمية عام 2008، بمرحلة من التقلبات التي تعصف به بين حين وآخر، نجم عنها مجموعة من التحديات الاستثنائية التي لم يعدها العالم منذ عقود، والتي أثرت بشكل مباشر في حركة الاستثمارات الأجنبية العالمية، وغيرت من ملاذاتها الآمنة، ورفعت نسب المخاطرة في انتقال رؤوس الأموال عبر الحدود إلى نسب غير مسبوقة؛ وفي ظل هذه الظروف المضطربة، برزت دولة الإمارات العربية المتحدة، وإمارة الشارقة بصفتها واحدة من محركات النمو الاقتصادي السبعة في الدولة، كوجهة استثمارية آمنة نجحت في استقطاب رؤوس الأموال من شرق العالم وغربه، وباتت منصة لرجال الأعمال والمستثمرين الاستراتيجين الباحثين عن بيئة ذات مناخ فريد تتيح العوائد المجزية على رأس المال المستثمَر".
وتابع: "تشير توقعات التقرير السنوي الصادر عن (أونكتاد) إلى أن الاستثمار الأجنبي المباشر عالمياً للسنوات 2015 – 2017 سيشهد نمواً مطرداً، إذ من المرجح أنها نمت بنسبة 11% لتصل إلى 1.4 تريليون دولار (5.14 تريليونات درهم) في عام 2015، ومن المتوقع بلوغها 1.5 تريليون دولار (5.5 تريليونات درهم) في عام 2016، لتصل إلى 1.7 تريليون دولار (6.24 تريليونات درهم) في عام 2017، وهذا ما يؤكد أهمية انعقاد المنتدى في هذا الوقت تحديداً، مواكباً لموجة الصعود المتوقعة في التدفقات الاستثمارية العالمية."
وأكد السركال أن منتدى الشارقة للاستثمار الأجنبي المباشر يسعى إلى إبراز عناصر القوة التي يتمتع بها اقتصادنا المحلي، والتي تجعله خياراً مفضلاً في المنطقة، نظراً لما يتمتع به من مزايا تنافسية وتسهيلات لتأسيس الأعمال وبنية تحتية متطورة، تلبي أعلى المعايير العالمية، كما يسعى إلى تعريف المستثمرين بالفرص التي تتيحها مختلف القطاعات المحلية، لاسيما السياحة والترفيه، والتنمية البيئية، والرعاية الصحية، والنقل والخدمات اللوجستية.
وأوضح: "نحن في (شروق) سنعمل على التأكيد على أن تكون الشارقة الخيار الأول للشركات الاستثمارية والدولية الراغبة في اكتشاف فرص أعمال مجزية خارج حدودها، وسنسهل جميع الإجراءات اللازمة لضمان تواجدها بيننا وبدء أعمالها بيننا في أقرب وقت ممكن"، مضيفاً: "تتميز الشارقة بأن المستثمرين الذين يباشرون أعمالهم فيها هم غالباً من فئة المستثمر الاستراتيجي طويل الأمد، لما لمسوه من اهتمام وعناية وتسهيلات، وهذه النوعية من المستثمرين هي ما يؤسس لاقتصاد مستدام ومستقر، يستطيع تحقيق نسبة نمو مرضية، على عكس الاستثمارات قصيرة الأجل، التي غالباً ما يتأثر بها الاقتصاد سلباً عند انسحابها المفاجئ".
يشار إلى أنه تم تغيير مكان انعقاد المنتدى من فندق شيراتون الشارقة إلى قاعة الجواهر للمؤتمرات والمناسبات، لمواكبة الزيادة الكبيرة التي طرأت على أعداد المشاركين، الذين أكدوا حضورهم الحدث.
ويعتبر منتدى الشارقة للاستثمار الأجنبي المباشر 2016 حدثاً مهماً، يوفر فرصة لا مثيل لها لدراسة آفاق الاستثمار في دولة الإمارات العربية المتحدة عموماً، والشارقة على وجه التحديد، وكذلك استعراض الفرص المتاحة في مختلف القطاعات الاقتصادية في الإمارة، وذلك بمشاركة واسعة لنخبة من صناع القرار والمسؤولين والخبراء الاقتصاديين.