كشفت ديلويت في تقريرها السنوي الرابع حول إتجاهات الموارد البشرية العالمية للعام 2016 أنّ 92% من رؤساء الشركات والمسؤولين عن الموارد البشرية في مختلف أنحاء العالم أعربوا عن حاجتهم الماسة لإعادة تصميم الهياكل التنظيمية لشركاتهم بهدف تلبية احتياجات العمل العالمية، وذلك استجابةً للتغيرات الطارئة التي تشهدها التكنولوجيا الرقمية ونماذج العمل وتركيبة القوى العاملة. ومع ذلك، لا يعتقد سوى 14% فقط من المدراء التنفيذيين أن شركاتهم جاهزة لإعادة تصميم هياكلها التنظيمية بصورة فاعلة. وبموازاة هذا التقرير، أصدرت ديلويت تقريراً منفصلاً عن اتجاهات الموارد البشرية في الشرق الأوسط لعام 2016.
وقد استندت ديلويت في تقريرها السنوي إلى نتائج الاستطلاع الذي أجرته حول إتجاهات الموارد البشرية لعام 2016 والذي شمل أكثر من 7000 رئيس شركة ومدير للموارد البشرية في الشرق الأوسط ودول العالم مما يجعله من أضخم الدراسات العالمية حول القوى العاملة والقيادة والتحديات التي تواجه الموارد البشرية. وقد أظهرت النتائج خلال السنوات الثلاث السابقة أن الشركات التي شملها الاستطلاع كانت تولي أولوية قصوى لزيادة مستوى إشراك الموظفين والاحتفاظ بهم، وتحسين القيادة، وبناء ثقافة مؤسسية هادفة. أما في العام 2016، فقد أظهر الاستطلاع لأول مرة أن حوالي نصف الشركات المشاركة (45%) إما وصلت إلى منتصف الطريق في عملية إعادة التصميم (39%)، أو أنها تخطط للقيام بإعادة التصميم لهياكلها التنظيمية (6%).
وتعليقاً على نتائج هذا الاستطلاع، صرّح غسان تركية، الشريك المسؤول عن إاستشارات الموارد البشرية في ديلويت الشرق الأوسط، قائلاً: "سلّط التقرير الضوء على الأهمية النسبية لاتجاهات الموارد البشرية الأساسية للشركات في الشرق الأوسط التي تختلف عن مثيلتها في العالم، بالإضافة إلى تحديد أولويات مختلفة لهذه الاتجاهات في دولة الإمارات العربية المتحدة. في الواقع، من الطبيعي أن نلاحظ مثل هذا الاختلاف نظراً لأن منطقة الشرق الأوسط سوق ناشئة لازالت في خضم التغيير، بالإضافة إلى التحديات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي تواجهها والثروات المتنوعة التي تتمتع بها."
حاجة متنامية لـ "هيكل تنظيمي جديد"
بحسب الاستطلاع، أجاب 54% من المشاركين في الشرق الأوسط أنهم مطّلعون على الممارسات الفضلى المتّبعة في تصميم الهياكل التنظيمية للشركات بدرجة تتراوح بين جيد وجيد جداً. كما أوضحت النتائج أن الشركات العاملة في الشرق الأوسط تتجه نحو تصميم هيكل تنظيمي ينسجم مع احتياجات العمل حيث يعتقد 46% من المجيبين أن الهياكل التنظيمية الحالية لشركاتهم تحقق أهداف العمل بدرجة تتراوح بين فاّعلة أو فاعلة للغاية، بينما تتجه بالمقابل الشركات في العالم نحو إلغاء مركزية سلطة الإدارة، والانتقال إلى هياكل تنظيمية تركز على المنتجات والخدمات والعملاء، وإنشاء شبكات ديناميكية من فرق العمل التي تتمتع بصلاحيات كبيرة.
ومع ذلك، لا تزال شركات كثيرة في الشرق الأوسط تتمحور حول هياكل تنظيمية تقليدية تفتقر إلى المرونة المطلوبة للتكيف مع بيئة العمل المتغيرة وكذلك إلى القدرة على تحقيق النتائج النهائية بصورة فاعلة.
في الوقت الراهن، هناك العديد من العوامل التي تؤثر بشكل أساسي على الاقتصاد والمجتمع في الشرق الأوسط، وتلك العوامل ذاتها أيضاً تخلق ضغطاً على الشركات مما يدفعها إلى إعادة الهيكلة. ويشارك حالياً حوالي 40% من المشاركين في الاستطلاع في عملية إعادة هيكلة ستساعدهم على الانسجام أكثر مع توجههم الاستراتيجي ومتطلبات السوق. وتتمحور هذه العوامل الأساسية حول برنامج المواطنة، والكفاءة والتميّز، وتحسين وضع الموازنة إلى أقصى حد.
وتابع تركية كلامه بالقول: "حسب التقرير، فإن 60% من المشاركين أظهروا قدرة وجاهزية لمواكبة متطلبات الهياكل التنظيمية للشركات؛ ولكن الشركات في الشرق الأوسط ما زالت متأخرة من ناحية الجاهزية لمواكبة الاتجاهات العالمية الأخرى مثل تحليلات الموارد البشرية، حيث يعتقد 35% فقط من المجيبين أن باستطاعتهم مواكبة الاتجاهات العالمية ومتطلبات السوق. إن وجود مثل هذه الفجوة في القدرات كفيل بأن يجعل شركات الشرق الأوسط تبذل المزيد من الاهتمام والاستثمار في تصميم هياكل تنظيمية تتماشى مع الاتجاه العالمي أكثر من غيرها من الشركات العالمية."
تغيّر نماذج القيادة
يواصل موضوع القيادة للشركات تربّعه على رأس أولويات مدراء أقسام الموارد البشرية وغيرهم من المدراء مع الحاجة لتعزيز القيادة وإعادة تصميمها وتحسينها. في الواقع يشهد الشرق الأوسط حاجة ملحة لإعداد وتطوير القيادات بسرعة كافية لمواكبة متطلبات الإقتصاد والمجتمع؛ ومع ذلك كشف حوالي 50% من المشاركين في الاستطلاع في الشرق الأوسط أنهم لم يقوموا بصياغة استراتيجية لتطوير القيادات ولا بتنفيذ مثل هذه الاستراتيجية.
من المتوقع أن يؤدي تباطؤ النمو الاقتصادي في الشرق الأوسط إلى نتائج سلبية معينة ستؤثر بدورها على تطوير القيادات حيث أفاد حوالي 80% من المجيبين أنهم لا يتوقعون نمواً يزيد عن 5% -10% في الاستثمارات ببرامج القيادة لعام 2016.
وعلّق تركية على هذا الموضوع قائلاً: "هناك حاجة ملحة لتحديد المواهب ضمن الشركات في مراحل مبكرة (أي المراكز التي تتراوح بين مستوى المبتدئ والمستوى المتوسط) ولتطوير الكفاءات القيادية من خلال المشاركة في مبادرات إدارة المواهب التي تشمل تخطيط الخلافة الوظيفية، والتطوير المهني، ومبادرات أخرى تشكل في العادة جزءاً من إطار شامل."
إعطاء تجربة الموظفين أولوية قصوى
يحتل التعلم المرتبة الخامسة عالمياً بينما يحتل المرتبة الثالثة كأولوية قصوى من ناحية اتجاهات الموارد البشرية في الشرق الأوسط. ويمكن عزو اختلاف الترتيب إلى كون الشرق الأوسط منطقة ناشئة تملك قوة عاملة توّاقة للنمو والتطور.
بينما لا تزال معظم الشركات تعتبر التعلم الوسيلة الملائمة لبناء الكفاءات ومرادفاً للتدريب الصفّي، تعتقد ديلويت بشدة أنه يشكل جزءاً من دورة المواهب لدى الموظفين؛ وهذا محرِّك أساسي لجذب الموظفين واستخدامهم وإشراكهم عبر مزيج مناسب من التعلم وثقافة راسخة حول مكان العمل.
يبدو أن المجيبين من الشرق الأوسط يخطون خطوات واسعة في اعتماد تقنيات حديثة واتباع نماذج تعلّم جديدة. في الحقيقة، 22% من المجيبين يستخدمون حالياً الدورات الإلكترونية المفتوحة كوسيلة غير تقليدية لتعزيز التطور المهني للموظفين (بالمقارنة مع 43% على مستوى العالم في عام 2016).
وتحدّث تركية عن هذه النقطة قائلاً: "على الرغم من حقيقة وجود أقسام مخصصة للتعلم والتطوير في عدد من الشركات في الشرق الأوسط، إلا أن ممارسات هذه الأقسام لا تعكس اسمها تماماً؛ فمعظم أنشطة التعلم والتطوير لا تركز على الكفاءات المستهدفة ولا يأخذها الموظفون على محمل الجد. يجب على الشركات أن تسعى لأن تصبح منشآت تعليمية من خلال إعداد استراتيجية للتعلم تقوم على الأولويات المؤسسية وتشكل جزءاً من الاستراتيجية العامة للمواهب."