تشكل منطقة مليحة، الواقعة في المنطقة الوسطى من إمارة الشارقة، مهد إرث قديم وحضارة عريقة، إذ كانت موطناً لإنسان عاصر حقباً طويلة على أرضها، واتخذ من كهوف جبالها الشامخة بيوتاً، ومن سهولها مزارع ومراعي، فيما تحولت كثبانها وصخورها بفعل تعاقب الزمن إلى لوحة فنية متكاملة، تشهد على من تركوا خطاهم فوقها ومروا بها منذ آلاف السنين.
ومن وحي هذا الجمال الفريد، تم استلهام تصميم إبداعي لتحفة معمارية فريدة تناغمت بكل تفاصيلها مع المكان وروعته، لتكون أول ما يستقبل زوار مشروع مليحة للسياحة البيئية والأثرية التابع لهيئة الشارقة للاستثمار والتطوير (شروق)، فلا يلبث الزائر إلا قليلاً حتى يدرك ارتباط التصميم بحكاية المنطقة التي لا تزال تروي أحداثها منذ أكثر من 130 ألف عام.
"مركز مليحة للآثار"، المعلم الرئيس في هذا المشروع، هو بوابة لتاريخ المنطقة، تعبر من خلاله إلى خمسة عصور تعاقبت على هذه المنطقة، وتركت فيها شيئاً من حضارتها. لذلك يعاين زوار المركز مقتنيات الشعوب التي استوطنت المنطقة، ويتعرفون إلى كنوزها وأسرارها الدفينة، بأساليب تمزج بين التقنية الحديثة والعروض الضوئية.
الإبداع في مركز مليحة لا ينتهي بداخله، فتأمّله من الخارج كفيل بإطلاعك على الكثير، وتصميمه الفريد يحاكي العناصر الطبيعية المحيطة به، ويستفيد من قصص الحجارة القديمة الشاهدة على إرث المكان، وضجيج ورش النحاس التي طالما ملأت أجواء مملكة مليحة في أوج قوتها عندما سادت المنطقة في العصر البرونزي.
عندما تنظر إلى المركز عن كثب، تجده ينسجم مع بيئته بسهولة؛ لوناً وشكلاً، كما لو أنه كان هناك منذ القدم. تصميمه الفريد بسيط وأفقي وخالٍ من التعقيد، يتضمن تبايناً واضحاً بين انسيابية أحجاره وسقفه النحاسي، وفي الوقت ذاته تناغماً بينهما في قالب واحد، بتدفقات متعرجة نحو الأسفل، مع حواف تحاكي زهرة الصحراء.
هذه الجماليات الإبداعية هي ما حدا بلجنة تحكيم "جوائز معرض سيتي سكيب العالمي 2016"، الذي اختتمت فعالياته مؤخراً في دبي، إلى منح المركز وتصميمه البديع جائزة "مشروع المجتمع والثقافة والسياحة - فئة المشاريع المنجزة"، وهي إحدى 13 جائزة تمنحها اللجنة سنوياً لأفضل المشاريع المعمارية والسياحية حول العالم.
وقال محمود راشد ديماس، مدير مشروع مليحة للسياحة البيئية والأثرية: "عندما قررنا إنشاء مركز مليحة للآثار ليكون جزءاً من مشروع مليحة للسياحة البيئية والأثرية، أردنا أن يكون المركز منسجماً تماماً مع محيطه، وأن يستلهم جمالياته من بيئته المحلية، مثل الكثبان الرملية، والنخل، وشجر المنغروف، فوقع اختيارنا على شركة معمارية نجحت بشكل مذهل بتقديم التصميم بالشكل المطلوب، والتي لم تكتفِ باستلهام عناصر البيئة المحلية فقط، وإنما استفادت من أهم المعالم القريبة من موقع المركز، وهو ضريح أم النار، الذي يعتبر من أكثر أبنية القبور إثارة للإعجاب في منطقة مليحة، ويرجع تاريخه إلى العصر البرونزي، فعملت على دمجه في تصميم مبنى المركز، وأصبح يشكل نقطته الارتكازية".
وأضاف ديماس: "شهدت جائزة معرض سيتي سكيب العالمي 2016 منافسة شديدة من العديد من المباني والمشاريع المنجزة حول العالم، وتضمنت القائمة النهائية ثلاثة مشاريع مرشحة لنيل الجائرة عن فئة أفضل مشروع مجتمعي سياحي وثقافي، اعتبر كل منها مرشحاً قوياً لنيلها، أحدها من هونغ كونغ، والآخر من جنوب أفريقيا، إضافةً إلى مركز مليحة للآثار، لكن عوامل الهندسة والتصميم المعماري والاستدامة، كانت في صالح مركز مليحة للآثار الذي تم اختياره في النهاية لينال الجائزة".
وأشار ديماس إلى أن تصميم "مركز مليحة للآثار" اعتمد على ثلاثة محاور أساسية، هي: سهولة الوصول إلى ضريح أم النار، وإمكان إلقاء نظرة عامة عليه وعلى مكونات المشروع من أعلى المنصة الموجودة على سقف المركز، إضافة إلى طريقة تصميم المركز التي تروي قصة الضريح وتاريخ المنطقة، وهذه المحاور الثلاثة لعبت بمجملها دوراً حاسماً في ربط المشروع بثقافة المنطقة وتاريخها الغني، وبالتالي فوزه بالجائزة ضمن الفئة المستهدفة".
ويأتي فوز "مركز مليحة للآثار" بالجائزة العالمية المستوى نتيجة الجهود التي بذلتها هيئة الشارقة للاستثمار والتطوير (شروق) في سبيل الحفاظ على مرحلة مهمة من تاريخ دولة الإمارات العربية المتحدة، وإمارة الشارقة تحديداً، كما أنه يؤكد أن الهيئة ماضية بقوة في إطلاق مشاريع تتبنى منهجية مبتكرة، تبقى تفاصيلها في ذاكرة زائريها ووجدانهم، وتضفي بعداً متجدداً على المشهد السياحي والثقافي في الإمارة.