تبذل دول مجلس التعاون الخليجي جهودًا حثيثة لتطوير الشركات الوطنية الرائدة في مجال التقنية واضعةً نصب أعينها أهدافًا طموحة تتمثل في تسريع عجلة النمو لاقتصاداتها الرقمية وترسيخ مكانة المنطقة كقطبٍ محوريٍ فاعلٍ على الساحة التقنية العالمية. ومع هذا، يبدو أنّ مسيرة النجاح لن تكون باليسيرة على بعض شركات التقنية العاملة في المنطقة، إذْ ستكون محفوفة بالعديد من المعوقات وعلى رأسها قدرة هذه الشركات على الابتكار واستقطاب الكوادر المؤهلة. ويشير التقرير الصادر مؤخرًا عن ستراتيجي& الشرق الأوسط – جزء من شبكة برايس ووتر هاوس كوبرز – بعنوان التفكير بمنظور عالمي للنجاح محليًاإلى أنّ التغلب على هذه المعوقات الجوهرية التي تعترض سبيل النموّ يستلزم من شركات التقنية التفكير بمنظور مختلف، والتطور خارج عباءة المعايير التقليدية المعتمدة في المنطقة، وتطبيق منهجية عمل ذات توجه عالمي.
وفي هذا السياق، قالت ديانا ديب – الشريكة في ستراتيجي& الشرق الأوسط "تتسم الفترة الراهنة بمستويات التطور الكبيرة لقطاع التقنية في المنطقة، وهو ما يرجع إلى إصدار العديد من التشريعات والسياسات والمبادرات الجديدة الرامية إلى تحفز الابتكار في القطاع الخاص، إلا أن هذه الخطوات ليست كافية في حد ذاتها، إذ ينبغي على شركات التقنية تغيير منهجيتها في التفكير والعمل بما يفضي إلى تحقيق الغايات المنشودة."
وفي سياقٍ متصلٍ عـلّـق شادي سميْرة – الشريك في ستراتيجي& الشرق الأوسط قائلًا "ستواجه معظم شركات التقنية العاملة في منطقة مجلس التعاون الخليجي العديد من المعوقات التي تعترض سبيل النمو، وعلى رأسها القدرة على استقطاب الكوادر المؤهلة والابتكار." مضيفًا "ولكن يمكن للشركات تجاوز المعوقات المرتبطة باستقطاب الكوادر المؤهلة عن طريق تطبيق حزمة من التغييرات الهيكلية ومن بينها الحوافز طويلة الأجل القائمة على منح حقوق الملكية للموظفين، واعتماد نماذج العمل المختلطة التي تحقق المرونة للعاملين. ولتجاوز العقبات التي تعترض سبيل الابتكار، ينبغي على الشركات اتخاذ خطوات فعالة لتأمين حقوق الملكية الفكرية للمنتجات والخدمات سواءً عن طريق توريدها من جهات خارجية أو بنائها داخليًا، وهو ما يستلزم منها إعادة النظر في هياكلها المؤسسية."
جديرٌ بالذكرِ أن إيجاد الكوادر التقنية المؤهلة – مثل المهندسين المتخصصين في مجال التعلم الآلي، وحلول البيانات، وسلاسل الإمداد – واستقطابها للعمل في شركات المنطقة هو أمر صعب. ومع هذا، فهناك فرص متاحة، إذْ يمكن للشركات العاملة في المنطقة استغلال حالات التسريح الكبيرة التي جرت في شركات التقنية العالمية الكبرى لصالحها واستقطاب العمالة التقنية للعمل في المنطقة.
وعلى صعيد الابتكار، تعاني شركات المنطقة من بطء خطواتها في تطوير الحلول الرقمية والملكية الفكرية الخاصة، إذْ لاتزال قوائم الربح والخسارة لهذه الشركات معتمدة بصورة مفرطة على مبيعات المنتجات التقنية التقليدية وحلول العلامة البيضاء (white-labeling)، علمًا بأن حالة تدني أسعار السوق التي تلوح في الأفق تنطوي على فرص لتحقيق المستهدفات في ظل انخفاض التقييمات وعدم جاذبية أسواق الاكتتاب العام في هذه المرحلة.
ينبغي على شركات التقنية العاملة في المنطقة اعتماد ثلاث ممارسات عالمية رائدة عند بناء نماذج إدارة واستقطاب الكوادر:
هناك العديد من شركات التقنية التي تعتبر مسألة الاستحواذ على حقوق الملكية الفكرية الجديدة أولوية لها، وهو أمر يمكن تحقيقه عن طريق الاستفادة من مراكز الابتكار اعتمادًا على المزيج المناسب من الاستثمارات الاستراتيجية، وبرامج الدمج والاستحواذ، والشراكات، وترخيص حقوق الملكية، والفرص الاستثمارية لتحقيق العائد المادي.
وأخيرًا، صرح فواز بوعلوان – المدير الأول في ستراتيجي& قائلًا "هناك فرصة سانحة أمام معظم شركات التقنية في منطقة مجلس التعاون الخليجي لتسريع قدراتها الابتكارية عن طريق الاستفادة مع مراكز الابتكار، ومراكز التميز، والمختبرات الرقمية."
يمكن لشركات التقنية العاملة في المنطقة أيضًا تأسيس صناديق استثمارية مؤسسية أو أذرع مؤسسة لرأس المال المغامر لتأمين حقوق الملكية الفكرية، واستقطاب الكوادر، والتمتع بفرصة الانكشاف والتطرق إلى قطاعات جديدة. وبالتوازي مع هذا، ينبغي على هذه الشركات الإسراع باعتماد الهيكل المؤسسي وخريطة الانتشار الجغرافي المناسبين لتمكين نماذج إدارة الكوادر والابتكار.
هناك فرصة ذهبية أمام شركات التقنية الطموحة العاملة في منطقة مجلس التعاون الخليجي لإعادة النظر في كيفية مزاولة أعمالها محليًا عن طريق التفكير بطريقة مختلفة، واعتماد منهجية ذات توجه عالمي لاستقطاب المواهب والابتكار، حيث يسهم النجاح في هذه المجالات - مدعومًا بالهيكل المؤسسي القوي واستراتيجية الانتشار الفعالة - في تمكين هذه الشركات من النمو والتحول إلى شركات وطنية رائدة في مجال التقنية.