انطلاقاً من استراتيجيته في دعم المبادرات الرامية إلى تطوير الاقتصاد الإسلامي، أعلنت شركة «ديلويت» للخدمات المهنية والاستشارية وشركة نور للاتصالات المتوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية ومقرها الكويت تعاونها مع مركز دبي لتطوير الاقتصاد الإسلامي بهدف إصدار تقرير شامل يسلط الضوء على الفرص المتاحة في قطاع الخدمات الإسلامية الرقمية ويقدم توصيات هامة لتحقيق رؤيا دبي لتكون عاصمة الاقتصاد الإسلامي في العالم.
ويشمل التقرير الذي يحمل عنوان: "واقع الخدمات الإسلامية الرقمية: الكشف عن الفرص المتاحة في أسواق الشرق الأوسط والعالم"، مجموعة من البحوث الكمية والنوعية التي أجريت على أسواق إلكترونية وتقليدية مختلفة حول العالم.
ويمثل التقرير تجربة فريدة من نوعها في تحديد ودراسة وتقييم واقع الخدمات الإسلامية الرقمية. وجاء في أبرز نتائجه أن العوامل المؤثرة في تنامي الفرص غير المستغلة في قطاع الاقتصاد الإسلامي الرقمي تتجلى في تزايد تعداد المسلمين حول العالم خاصة في فئة الشباب وارتفاع نسبة الاستهلاك وأنماط الإنفاق إضافة إلى التطور التكنولوجي الهائل .
في هذه المناسبة، قال عبد الله محمد العور، المدير التنفيذي لمركز دبي لتطوير الاقتصاد الإسلامي: "يشكل الاقتصاد الإسلامي الرقمي إحدى الركائز الأساسية من استراتيجية المركز وهو محط اهتمام كل العالم. نحن سعداء بدعمنا لهذه الدراسة المتكاملة انسجاماً مع خطتنا لتعزيز ريادة دبي في هذا القطاع الحيوي. ويأتي هذا التقرير ليؤكد لنا أهمية تطوير بنية تحتية رقمية ومنظومة متكاملة تسهم في تعزيز خدمات الاقتصاد الإسلامي الرقمي. كما يشير التقرير إلى وجود عدد هائل من الفرص التي تثري هذا القطاع والتي يمكن إستغلالها من جهة المستثمرين بالإضافة إلى الحكومات والمؤسسات غير الربحية."
من جانبه قال أيمن البناو، رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لشركة نور للاتصالات : "تمنحنا التكنولوجيا الأدوات الأكثر فاعلية وقوة من أي وقت مضى، والتي يبدو أثرها واضحاً بشكل كبير في المجتمعات الإسلامية. إن رصدنا المستمر ومتابعتنا للتوجهات المعاصرة جعلنا ندرك الحاجة الماسة للخدمات الإسلامية الرقمية".
وتأتي هذه الدراسة استكمالاً لتقرير سابق أعدته شركة ديلويت حول "واقع الخدمات الرقمية في منطقة الشرق الأوسط"، حيث تم تصنيف تلك الخدمات في إطار المتطلبات الاجتماعية وخاصة الهوايات والتعليم والصحة والدين، والتي تندرج ضمن فئات نامية تستحوذ على اهتمام كبير في العالم العربي. ومن ضمن هذه الفئات، توقع التقرير نمو الخدمات الرقمية المرتبطة بالدين في ظل ازدهار الأنشطة الاجتماعية وتطورها.
وقال سانتينو ساغوتو، الشريك المسؤول عن قطاع التكنولوجيا والإعلام والاتصالات في ديلويت الشرق الأوسط: على الرغم من الآفاق الواسعة المتاحة للاقتصاد الرقمي الإسلامي، تبين بحسب نتائج التقرير أن نسبة ضئيلة من المنصات الإسلامية الرقمية قد حققت إنتشاراً واسع النطاق، ويبقى تحقيق الدخل يشكل تحديا كبيراً بالنسبة لهذه المشاريع. وفي الوقت الحالي، لا توجد صناديق استثمارية في منطقة الشرق الأوسط تستهدف على وجه التحديد تلبية الاحتياجات الإسلامية، مما يدل على ضرورة استغلال هذه الفرصة".
قال الدكتور حاتم الطاهر، المدير العام لمركز ديلويت لاستشارات التمويل الإسلاميّة في الشرق الأوسط: "تشير النتائج التي جاء بها التقرير إلى استمرار انتشار الخدمات الإسلامية على الإنترنت في مختلف بلدان العالم وخاصة منطقة الشرق الأوسط خلال السنوات القليلة المقبلة. ونتوقع أن يكون النمو في بعض البلدان امتداداً للتوجهات العالمية في السوق، بينما ستطور مناطق أخرى أنماطاً فريدة خاصة بها قائمة على مقاربة محلية، ونتوقع أن تلقى هذه التطورات اهتماماً محلياً وإقليمياً وحتى عالمياً سواء من قِبل أصحاب المصلحة أو من المؤثرين الرئيسيين في هذه السوق".
يقدم التقرير وصفاً لقطاع الخدمات الإسلامية الرقمية ضمن تسعة محاور رئيسية تشكل الركائز الأساسية للاقتصاد الإسلامي الرقمي العالمي.
الطعام الحلال:
يشهد الطلب على الطعام الحلال الصحي والعضوي تزايداً بين المسلمين وغير المسلمين وهنا تبرز الحاجة للمزيد من الشفافية وإمكانية تتبع سلسلة الإنتاج والتي يتأتى عنها فرص عديدة عبر مراحل الإنتاج. لذلك نرى أن أغلب الأمثلة في هذا المجال هي من الدول الغربية التي يصعب فيها على الجاليات المسلمة الحصول على هذه المنتجات ولكن لا تزال هناك فجوة كبيرة في الشفافية المتاحة للمستهلك في إمكانية تتبع الطعام الحلال من المصدر الأساسي إلى أن يصله وعبر مختلف المراحل.
السفر الحلال:
من الواضح أن هناك نقصاً في توفير المرافق والخدمات السياحية الحلال حيث أن مفهوم السفر المتوافق مع الشريعة يعد تصوراً حديثاً نسبياً. والخدمات الرقمية الأكثر شيوعاً في هذا المجال هي خدمات الحجز عبر الإنترنت ومنصات التصنيف والاعتماد وتطبيقات الهواتف الذكية الخاصة بالسياحة الفاعلة والسهلة الاستعمال. من حيث البنية، يضم سوق السفر الرقمي عدداً من المؤسسات الصغيرة الناشطة في قطاع السفر الحلال ولكن كبرى شركات السياحة والسفر بدأت تدخل السوق عبر الشراكات والتحالفات.
التمويل الإسلامي:
حقق قطاع التمويل الإسلامي تطوراً ملحوظاً في العقود الماضية لكنه لا يزال في مراحل النمو الأولى. ويبدو ذلك جلياً عند مقارنة حجم الأصول الإجمالي لكل فرد من جميع المصارف الإسلامية على مستوى العالم والذي يبلغ 750 دولار للفرد الواحد، مقابل البنوك التقليدية في الاقتصادات الرئيسية، والتي تصل إلى 100 ضعف هذا الرقم أو أكثر ، مما يشير الى وجود فارق كبير. يحتاج قطاع التمويل الإسلامي الى مزيد من الوقت قد يصل الى عقد أو عقدين. ثمة مجال واسع للنمو والتطوير، فبعض الدول ذات الكثافة السكانية العالية في منظمة المؤتمر الإسلامي وأبرزها تركيا، و باكستان وإندونيسيا، بدأت تبرز كأسواق ذات نمو عال للتمويل الإسلامي. لكن انخفاض الأصول وحصة الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في هذه البلدان هو الذي يقود الحاجة إلى الحصول على خدمات التمويل الإسلامية الرقمية، وخاصة تلك التي يمكن أن تفتح المجال لتمويل سكان الريف على نطاق أوسع (على سبيل المثال، عن طريق التمويلات الصغيرة، والتمويلات المجمعة أو المشتركة، وخدمات الدفع عبر الهاتف المتحرك).
الأزياء المحافظة
ترافق انتشار الأزياء المحافظة خلال العقد المنصرم مع نمو الخدمات الرقمية في جميع أنحاء العالم، وقد ساعد ذلك مصممي الأزياء في المحافظة على إنشاء متاجر إلكترونية منخفضة التكاليف على الإنترنت والتفاعل مع العملاء بشكل مباشر من خلال مواقع التواصل الإجتماعي والترويج لابتكاراتهم من خلال المدونات والمجلات الإلكترونية، كما لجأوا إلى بناء شبكة أعمال وقاعدة معلومات خاصة بهم على الإنترنت.
الفنون والتصاميم الإسلامية
لا يزال سوق الفنون والتصاميم الإسلامية يشغل حيزاً صغيراً مقارنة بسوق الفن العام، حيث تقدر حصة الفنون الإسلامية بما يقارب 0.1-0.2% من سوق الفن العالمي. ولكن هذا القطاع شهد ارتفاعاً في المبيعات يقدر بما يقرب من 22% سنوياً منذ العام 2001 محققاً 78.9 مليون دولار أمريكي على الأقل في العام 2011. وينعكس الاهتمام العالمي بالفنون على المنصات الرقمية بما في ذلك مبيعات الفنون والتصاميم الإسلامية عبر الإنترنت. ويتيح النشاط المتزايد عبر الإنترنت المجال لتلبية متطلبات السوق لخدمات أكثر تخصصاً تتعلق بتقييم القطع الفنية الإسلامية وإقامة المعارض الفنية والمزادات عبر الإنترنت.
التعليم الأكاديمي للاقتصاد الإسلامي
لا يزال قطاع التعليم المتعلق بالاقتصاد الإسلامي متواضعاً على الحيز الرقمي. كما هو الحال في مضمار التعليم بشكل عام، يتم التركيز على الدورات التعليمية في التمويل الإسلامي عبر الإنترنت لكن المنصات الرقمية المخصصة لتعليم الاقتصاد الإسلامي لا تزال محدودة. على مدى السنوات الخمس الماضية، شهدت برامج التمويل الإسلامي عبر الإنترنت رواجاً في البرامج الأكاديمية والمهنية، بسبب نهضة قطاع التمويل الإسلامي حيث تتوفر خدمات رقمية تتعلق بالمؤسسات الأكاديمية التقليدية، والجامعات المتخصصة بالتمويل الإسلامي، والجهات المانحة للشهادات، بالإضافة الى مزودي التعليم عبر الإنترنت.
المساجد الذكية:
تقدر ديلويت عدد المساجد في العالم بحوالي 3.6 مليون مسجد أي بمعدل مسجد لكل 500 فرد مسلم. ومع معدل نمو سكاني يبلغ 1.3% سنوياً يتوقع أن يصل عدد المساجد في العالم إلى 3.85 مليون مسجد بحلول عام 2019. ويشهد المستوى العالمي فجوة بين العرض والطلب فيما يتعلق بالمساجد حيث أن أعداد المساجد تزيد بمعدل يقل عن معدل النمو السكاني للمسلمين. لا يزال مفهوم المساجد الذكية جديداً نسبياً وفي بداياته، وتعتبر دول الخليج وجنوب شرق آسيا رواد هذا المجال مع شبكات مساجد كبيرة وتوفر البوابات والبنية التحتية الرقمية المناسبة. كذلك، أبدت الاقتصادات الغربية اهتمامها بالمساجد الذكية (كالاتحاد الأوروبي وأمريكا الشمالية على سبيل المثال). تعتمد مثل هذه المبادرات حالياً على التمويل الحكومي وخاصة في الدول التي تعتبر غنية، ويتوقع أن يستمر هذا التوجه ما لم يتم إطلاق مبادرات كبرى لجمع التبرعات لهذا المجال من القطاع الخاص. وسوف تستمر مبادرات المساجد الذكية بالظهور ولكن بشكل متفرق وعلى أساس كل حالة على حدة.
الإعلام الإسلامي:
فيما يتعلق بالإعلام الإسلامي، تتفاوت التقديرات ولكن من الواضح أن هناك نمواً كبيراً في هذا المضمار. فعلى سبيل المثال، شهدت ريادة الأعمال في مجال الإعلام الإسلامي ارتفاعاً كبيراً لتلبية الطلب المتزايد على المحتوى الإعلامي الإسلامي. ورغم وجود نشاط كبير في هذا المجال لا يزال الإعلام الرقمي الإسلامي كصناعة يتسم بالتشتت. لا تعمل مواقع التجميع على الاستفادة من حركة الإنترنت الناشئة من العالم الإسلامي بقدر ما تهتم بالمنصات العالمية مثل موقع يوتيوب، والذي بدوره يعرض الكثير من المحتوى الإسلامي الذي يلقى رواجاً كبيراً. ويقود حركة استهلاك المحتوى الإسلامي حالياً الجاليات الإسلامية في الدول الغربية وينشط المجمعون أكثر في شمال أمريكا مقارنة دول العالم الإسلامي. يتم حالياً تطوير عدد من المشاريع ولكن لا يوجد حالياً موقع تجميع يعد رائداً عالمياً في هذا المجال.
المعايير والأنظمة الإسلامية
من وجهة النظر الرقمية تعتبر المعايير والأنظمة الإسلامية مجالاً لم يتم استغلاله بعد ويوجد فيه القليل من العاملين. لعل أهم الاحتياجات وأكثرها بديهية هي الحاجة لمنصة إلكترونية يمكن استخدامها لتيسير عملية الاعتماد والمصادقة والتثبت. ومع اللبس الحاصل في معايير التوافق مع الشريعة وعدم وجود معلومات كافية، فمن الضروري تطوير دليل عمل أو منصة اعتماد ومصادقة إقليمية وعالمية تلبي احتياجات العاملين في مجال الاقتصاد الإسلامي حيث يعتبر عدم وجود مثل هذه المنصة فجوة هامة يجب التعامل معها. وسوف يسهم تأسيس بوابة عالمية للمعلومات حول المعايير الإسلامية ووضع آلية للحصول على التقارير والرد على الاستفسارات من المستهلكين في دعم تطبيق وسلامة المعايير المتوافقة مع الشريعة. يتم التركيز حالياً على تطبيق التكنولوجيا التي تضمن اعتماد تقنيات الحلال لحفظ الطعام وتعبئته وتغليفه، بينما يقتصر استخدام التكنولوجيا على تتبع مسار الحلال على نطاق محدود للغاية.