لا يزال التنوع بين الجنسين في مكان العمل يشكل تحدياً رئيسياً بالنسبة لأرباب العمل في منطقة دول مجلس التعاون الخليجي. هذه إحدى النتائج الرئيسية التي خلص إليها تقرير جديد أعدته "مبادرة بيرل"، المؤسسة البارزة غير الربحية التي يقودها القطاع الخاص وتتخذ من دولة الإمارات مقراً لها، ومجلس سيدات أعمال الشارقة، والذي جرى إطلاقه في الرياض اليوم بالتعاون شركة بيبسي كولا.
وخلال حفل الإطلاق، اجتمع ممثلون عن الشركات الأربع الرائدة التي شملها التقرير في المنطقة، وهي جنرال إلكتريك، ومجموعة العليان، وبيبسي كولا، وشركة تنمية نفط عمان، لمناقشة التحديات التي يواجهونها في استقطاب الكفاءات النسائية والاحتفاظ بها، كما استعرضوا أفضل الممارسات التي تضمن دمج النساء في القوى العاملة وتحقيق مستويات أعلى من الحوكمة المؤسسية.
وتنسجم نتائج التقرير، الذي حمل عنوان "المسيرة المهنية للمرأة في منطقة الخليج: أربع دراسات حالة للممارسات الجيدة"، مع رؤية المملكة العربية السعودية لعام 2030 والتي حددت هدفاً طموحاً يتمثل في زيادة مشاركة المرأة في القوى العاملة بنسبة 22-30%. كما تؤكد الرؤية على أهمية رعاية الكفاءات النسائية، وتعترف بالدور الكبير الذي تقوم به المرأة في تنمية المجتمع والاقتصاد السعودي. وبحسب وزارة التربية والتعليم، تشكل النساء السعوديات 51.8% من طلاب الجامعات في البلاد.
وفي تعليقها على التقرير، أشادت كارلا كوفيل، المدير التنفيذي لمبادرة بيرل، بالرؤية الطموحة للمملكة العربية السعودية، وقالت: "في السنوات الأخيرة، استطاعت المرأة في دول مجلس التعاون الخليجي أن تكسر الحواجز وتعزز حضورها بوتيرة متزايدة في مختلف قطاعات الأعمال، حيث أصبحت تشغل مناصب عليا في المؤسسات الحكومية والقطاع الخاص. ويكمن التحدي الحقيقي الآن في جذب وتحفيز الكفاءات المناسبة، وتطبيق سياسة تنظيمية من شأنها أن تضمن الاحتفاظ بهذه الكفاءات وتزويدها بالأدوات اللازمة لمواصلة تطورها المهني وتمكينها من الصعود إلى المناصب العليا في جميع القطاعات. ولا شك أن القطاع الخاص له دور أساسي في دفع عجلة التغيير، وتعتبر مجموعة العليان وشركة بيبسي كولا وجنرال الكتريك نماذج رائعة كشركات تقود هذه الجهود في المملكة".
ويشير التقرير إلى أن تبني منهجية متكاملة تتضمن المدارس والجامعات ونشر الوعي ضمن العديد من المستويات وتنفيذ البنية التحتية الداعمة وإشراك العائلات والاضطلاع ببرامج وسياسات خاصة بالمرأة تعتبر أكثر طريقة فعالة لمعالجة تحديات توظيف المرأة. كما يمكن أن يكون بروز نماذج يحتذى بها في المنطقة، وخلق فرص خاصة بالمرأة، والاستثمار في المكاتب المنفصلة وغيرها من المرافق الأخرى في بيئة العمل، وتسهيل الانتقال من وإلى العمل، من بين الاستراتيجيات التي تتبناها الشركات لتوفير بيئة عمل داعمة ومثالية.
وكانت شركة بيبسي كولا، التي كان لها دور رئيسي في تنفيذ دراسة الحالة في منطقة دول مجلس التعاون الخليجي، قد تبنت برنامجاً خاصاً لتحقيق التنوع بين الجنسين والاندماج، حيث يركز البرنامج على أربع نقاط رئيسية هي تحسين التوازن بين الحياة والعمل، ونشر ثقافة التفاهم، وتوفير الفرص للنساء، والتواصل. وفي غضون أقل من عقد واحد، ارتفعت نسبة الموظفات في شركة بيبسي كولا بالسعودية من 5% إلى 20%، كما تشغل المرأة أربعة مناصب من بين 12 منصباً في كادر الإدارة العليا في الشركة.
وبصفتها شريكة الفعالية، قالت رانيا رزق، نائب الرئيس الأول والمستشار العام في شركة بيبسي كولا الشرق الأوسط وشمال أفريقيا: "ينبغي على الشركات استغلال الفرص المتوفرة لتعزيز التنوع في بيئة العمل. وتتمثل رؤيتنا في شركة بيبسي كولا في تحقيق الاستفادة من هذا التنوع لصالح مواهبنا ونمو أعمالنا. يعتبر موضوع التنوع بين الجنسين في مكتبنا في السعودية من أبرز أولوياتنا الاستراتيجية، إذ نقوم بذلك من خلال ترسيخ ثقافة الأداء، وإطلاق برامج للإشراف والتدريب، وضمان تطوير مهارات الموظفات والموظفين بالسوية نفسها. لقد وفرت لنا هذه الفعالية منصة ملائمة لمناقشة القضايا التي تحتل أولوية قصوى لدى مكاتب شركتنا حول العالم وفي المنطقة".
من جهتها، نجحت مجموعة العليان في زيادة أعداد النساء اللواتي يستلمن مناصب إدارية وتنفيذية إلى أكثر من ثلاثة أضعاف منذ إطلاقها حملة التنوع بين الجنسين في المملكة، لتتمكن المجموعة بذلك من تعزيز مكانتها كجهة رائدة في توظيف المرأة في البلاد. ومنذ العام 2013، شهدت الشركة زيادة بنسبة 181% في عدد الموظفات، إضافة إلى ارتفاع أعداد الترقيات الوظيفية للموظفات ستة أضعاف. وتوظف مجموعة العليان اليوم المرأة في جميع القطاعات التي تعمل بها المجموعة.
وقالت هناء السيد، نائب الرئيس – رئيسة قسم التكامل، شركة العليان المالية: "نحصد الفرص للمرأة في جميع القطاعات التي تعمل بها شركة العليان المالية وعلى كافة المستويات الإدارية. لدينا إيمان قوي بإمكانيات المرأة وقدرتها على تحقيق طموحاتها كمساهم فعال في التنمية الاقتصادية. بالأمس كان هدفنا خلق فرص العمل للمرأة، واليوم نطمح لتمهيد طريقها إلى المناصب القيادية. يمثل هذا التقرير ملفاً أساسياً للتعرف على قصص النجاح وفهم الفرص والتحديات التي تؤثر على تقدم المرأة المهني".
بدورها، تعمل شركة جنرال إلكتريك التي وصل تعداد الموظفات فيها إلى 100 موظفة منذ تعيين أول امرأة كموظفة في الشركة بعام 2009، على استقطاب أفضل الكفاءات وتعزيز نموها المهني من خلال تشجيع الموظفين والموظفات على خوض مختلف التحديات وحصد نتائج إيجابية. وقد ركزت الشركة على توفير بيئة داعمة للنمو تجمع بين البرامج التعليمية والمسؤوليات المباشرة في المشاريع والتدريب الشخصي وتخطيط المسيرة المهنية.
وقالت نورا الزايد، مديرة مشروع في مكتب إدارة المشاريع في شركة جنرال إلكتريك المملكة العربية السعودية: "لقد أتاح لنا التعاون مع مبادرة بيرل تسليط الضوء على جهودنا التي نفخر بها في استقطاب أفضل المواهب النسائية والاحتفاظ بها. إن عملية الاختيار الصارمة التي تطبقها جنرال إلكتريك تضمن لنا جذب كفاءات نسائية تتمتع بإمكانات عالية وقد أصبحن محور تركيز أساسي لبرامج تنمية المهارات القيادية في الشركة. ومن خلال تطبيق أفضل الممارسات العالمية في مجال التنوع وامتلاكنا فهماً عميقاً للخصوصيات الإقليمية، استطعنا أن نقدم قصص نجاح رائعة في هذا الجزء الهام من بيئات العمل لدينا. ونحن ملتزمون بمواصلة تطوير وتنمية كوادرنا البشرية بما يتماشى مع خطط التنمية الوطنية".
وتعتبر شركة تنمية نفط عمان اليوم وجهة مفضلة بالنسبة للباحثات عن عمل من خريجات الهندسة في السلطنة، وقد نجحت الشركة في رفع نسبة المشاركة النسائية حيث تشغل النساء العمانيات حالياً أكثر من 30% من المناصب العليا. ويعمل لدى الشركة اليوم نسبة متساوية من مهندسي ومهندسات البترول المبتدئين، ويشمل ذلك أول مهندسة حفر عمانية، كما تحتضن الشركة قوى عاملة متوازنة من كلا الجنسين في الدرجتين المبتدئة والمتوسطة.
وكانت مبادرة بيرل قد أصدرت في أبريل 2015 تقريراً مميزاً بعنوان "المسيرة المهنية للمرأة في منطقة الخليج: جدول أعمال الرؤساء التنفيذيين"، حيث استند التقرير إلى نتائج دراسة بحثية غطت منطقة الخليج ككل وتم تنفيذها بالتعاون مع مجلس سيدات أعمال الشارقة. وكشفت الدراسة عن أن النساء العاملات في دول مجلس التعاون الخليجي يضاهين نظرائهن من الرجال في بقية أنحاء العالم من حيث الطموح والتركيز على المسيرة المهنية، وأظهرت الدراسة أن ما يزيد على 50% ممن شملهم الاستطلاع يتطلعون لشغل مناصب عليا أو على مستوى مجالس الإدارة خلال السنوات السبع القادمة.
وبالإضافة إلى ذلك، دعت مبادرة بيرل كبار رجال الأعمال في منطقة الخليج للانضمام إلى "تعهد قطاع الأعمال" خلال منتداها الإقليمي الثاني "تطبيق الاستدامة: قطاع الأعمال وأهداف التنمية المستدامة العالمية"، والذي أقيم بالتعاون مع الاتفاق العالمي للأمم المتحدة في أواخر أكتوبر 2016. " ويشكل "تعهد قطاع الأعمال" تعهداً بالتزام القطاع الخاص بالتحول نحو النمو المسؤول، ودليلاً على ذلك التحول في الوقت نفسه، ويقترح حلولاً عملية قابلة للتطبيق في أربعة مجالات، هي وضع الأهداف للنمو المستدام والمسؤول، ومكان عمل أكثر شمولاً، وتشجيع النزاهة وترسيخها، والتعاون والشراكات.
وتلخص مبادرة بيرل نتائج دراسات الحالة تحت عنوانين عريضين:
· التحديات الحرجة التي تواجه الشركات في دول مجلس التعاون الخليجي
· توصيات محددة بناءً على نتائج الدراسة
وفي حين وجدت الدراسات أن استقطاب المواهب النسائية والاحتفاظ بها هو التحدي الأكبر، إلا أنها تقدم لأرباب العمل حلاً عملياً يتمثل في تطبيق خمسة من أفضل الممارسات:
· خلق ثقافة مؤسسية متوازنة من خلال تمهيد الطريق للتنوع في مكان العمل وتقديم نماذج يمكن الاقتداء بها.
· الاستثمار في بناء المسارات الوظيفية من خلال التخطيط الوظيفي المنظم والإرشاد والتواصل.
· تحسين التوازن بين العمل/الحياة الشخصية من خلال تنفيذ سياسات عمل مرنة وتطبيق أنظمة للدعم وتوفير مرافق مناسبة لعمل المرأة.
· تبني سياسات موارد بشرية تضمن المساواة، مثل الحماية من التحرش.
· تولي مسؤولية الدفاع عن قضية توظيف النساء في عموم المجتمع من خلال حملات التوعية، وإطلاق المبادرات، أي بشكل عام، القيام بدور السفراء لهذه القضية.
وتثبت نتائج دراسات الحالة، وكذلك مستوى المشاركة المستمرة في "تعهد قطاع الأعمال"، أن هناك حاجة حقيقية/واهتماماً كبيراً بتحقيق التنوع بين الجنسين في المنطقة، وهذا يتجلى في زيادة قبول وتشجيع هذا المفهوم على كافة المستويات. من جانبها، تلتزم مبادرة بيرل، من خلال جهودها على مختلف الصعد، بتغيير عقلية مجتمع الأعمال والطلاب الإقليمي بأكمله لصالح تحقيق التنوع في مكان العمل.
- انتهى-
مبادرة بيرل
تأسست مبادرة بيرل في عام 2010 بالتعاون مع مكتب الأمم المتحدة للشراكات، وهي منظمة خليجية رائدة يقودها القطاع الخاص وتهدف إلى تعزيز ونشر ثقافة وممارسات المساءلة والشفافية.
وتسعى مبادرة بيرل إلى تشجيع وتعزيز التعاون بين قادة الأعمال الإقليميين والعالميين والمؤسسات الدولية والجهات الحكومية وغيرها من المبادرات في منطقة الخليج بهدف ترسيخ قيم القيادة الإيجابية ومشاركة المعارف والخبرات، بما يضمن التأثير إيجابياً على مجتمع الأعمال والطلاب في المنطقة. وفي إطار تعاونها مع الاتفاق العالمي للأمم المتحدة وشركائها من الشركات، تلتزم المبادرة بتطبيق معايير أفضل في مجالات هامة تشمل الحوكمة المؤسسية، وأفضل ممارسات محاربة الفساد، والتنوع في الفرق الإدارية ومجالس الإدارة؛ وأفضل ممارسات إعداد التقارير، والتطوير الأخلاقي
للمهارات القيادية.