أصبحت الاستدامة في يومنا الحالي جزءاً لا يتجزأ من أي قطاع اقتصادي. وتتجه الدول القائمة على المعرفة، مثل المملكة العربية السعودية، بشكل متزايد إلى تطوير استراتيجيات النمو الخاصة بها للتعامل مع مسألة البصمة الكربونية، وذلك برغم اعتمادها المتأصل على الوقود الأحفوري. والأهم من ذلك، يُدرك واضعو السياسات بشكل دقيق مدى ضخامة الجهود المناخية المطلوبة لتحقيق النتائج المستدامة المنشودة. وبناءً عليه، اتخذت المملكة العربية السعودية، بموجب رؤية المملكة 2030، مجموعةً من التدابير الجدية، والتي استهدفت بعضها القطاع العقاري بشكل مباشر. ويُعدّ إطلاق نظام مستدام لتصنيف المباني الخضراء في المملكة أحد أبرز الأمثلة في هذا الخصوص. وتشير الدراسات الشاملة إلى أنّ هذه التدابير الطموحة أصبحت حاجة ملحة في عالمنا الحالي.
وكشفت دراسة أجرتها جامعة الطائف بأنّ المباني تستأثر بحوالي 40% من إجمالي استهلاك الطاقة في المملكة، ولا شك بأنّ هذا الاستهلاك يكون مصحوباً بانبعاثات غازات الدفيئة. ومع ذلك، يصعب علينا تحديد تلك المباني التي تستهلك كميات مفرطة أو غير متناسبة من الطاقة، ناهيك عن ما تستهلكه الأنظمة الفردية. ولوضع الأمور في منظورها الصحيح، أشارت الدراسة ذاتها إلى أنّ ما يزيد عن 55% من سكان المملكة يعيشون في مباني. ويمثل هذا السيناريو بالنسبة لمزودي حلول المدن الذكية، مثل نيتيكس إيه آي، بيئة خصبة لاعتماد تقنيات إنترنت الأشياء والذكاء الاصطناعي. وتحدث إلينا السيد سانجيف بهاتيا، الرئيس التنفيذي لشركة نيتيكس إيه آي، خلال هذه المقابلة حول أدق تفاصيل هذه المسألة.
ما هو التصور العام حول استدامة المباني؟ هلا أطلعتنا على موقف مزودي خدمات إنترنت الأشياء والذكاء الاصطناعي على هذه المسألة؟
لم يشهد العالم من قبل هذا القدر من الإجماع الواضح على ضرورة تحقيق الاستدامة في القطاع العقاري. ونلمس هذا بشكل مباشر بطبيعة الحال بينما تتواصل معنا مختلف الأطراف المعنية للحصول على الحلول القابلة للتنفيذ. وكان مزودو الحلول سابقاً الوحيدين الذين أدركوا مزايا استخدام تقنيات إنترنت الأشياء والذكاء الاصطناعي لمعالجة أوجه القصور وتحسين مستويات استهلاك الطاقة في المباني. إلاّ أننا اليوم نشهد نضوج الوعي بشأن هذه القضية لدى مختلف الجهات المعنية، الأمر الذي يبدو واضحاً من اعتماد بعض التدابير الطموحة، مثل نظام مستدام لتصنيف المباني. وأخذنا على عاتقنا مسؤولية تمكين الجهات المعنية الرائدة من ترجمة هذا الوعي إلى تدابير ملموسة.
ما هي المعوقات السابقة والراهنة أمام تحقيق استدامة المباني؟
ساد اعتقاد خاطئ في أوساط الجهات المعنية في القطاع العقاري سابقاً بشأن ارتفاع تكاليف التدابير القائمة على الكفاءة. ونثبت بدورنا بأنّه يمكن لهذه التدابير أن تكون ميسورة التكلفة وتسهم بشكل ملموس في تحقيق وفورات تصل إلى 50% في النفقات التشغيلية و20% في الطاقة. ولذا، نجد بأنّ اعتماد تقنيات إنترنت الأشياء والذكاء الاصطناعي في المباني بات أمراً مجدياً من الناحية المالية. والأهم من ذلك، نستطيع إنجاز هذه التحولات بالكامل في المباني القديمة دون الحاجة إلى إجراء أي تجديد في الأنظمة الحالية لأتمتة المباني وإدارتها. وإنما يمكن إجراء بعض التعديلات التحديثية الذكية القائمة على إنترنت الأشياء والذكاء الاصطناعي بكل بساطة على الأنظمة القديمة، بما يفسح المجال أمام تحقيق مستويات معززة من القيمة المضافة. وتسهم مثل هذه الإمكانات بشكل واضح في أهداف الحياد المناخي في المملكة العربية السعودية، التي يعيش معظم سكانها في المباني متعددة الأسر.
ما هي النتائج المرجحة لإجراء التعديلات التحديثية القائمة على تقنيات إنترنت الأشياء والذكاء الاصطناعي على المباني القديمة؟
يتمتع هذا النوع من المباني بأنظمة أتمتة وإدارة قديمة، فضلاً عن استهلاكها غير المنضبط للطاقة وعدم كفاءة عملياتها وارتفاع نفقاتها التشغيلية. ويمكن لتقنيات إنترنت الأشياء والذكاء الاصطناعي الدمج بين هذه الأنظمة القديمة المنعزلة بكل سلاسة، مع تمكين العمليات القائمة على البيانات، وتوفير التحليلات الدقيقة القابلة للتنفيذ بشكل آني، لا سيما فيما يتعلق بأوجه قصور الكفاءة واستهلاك الطاقة. وتلعب العمليات المركزية القائمة على السحابة دور مصدر موحد للمعلومات، لتسمح لمالكي المباني ومشغليها باتخاذ التدابير التصحيحية الاستباقية. وبذلك سيتسنى لهم تطوير أدوات لقياس الأداء الأمثل ومستويات استهلاك الطاقة، فضلاً عن مراقبة أوجه الخلل بشكل مستمر، والحصول على اعتماد الأنظمة ذات الصلة، مثل مستدام والريادة في تصميمات الطاقة والبيئة (ليد). ويُمكن عندها استغلال الوفورات المتاحة في الموارد والوقت لتطوير تجارب أفضل لمستخدمي المباني ومستأجريها. ويتميز هذا النوع من المباني بجاهزيته للمستقبل، لا سيما بفضل قابليته للبرمجة والتشغيل البينيّ بواسطة تقنية إنترنت الأشياء، ما يفسح المجال لإضافة التقنيات الحديثة بكل بساطة بمجرد توفرها.
كيف ترون الاستجابة إلى حلول المباني القائمة على تقنيات إنترنت الأشياء والذكاء الاصطناعي في المملكة العربية السعودية وسائر أنحاء منطقة الشرق الأوسط؟ ما هي خطط نيتيكس إيه آي للمنطقة في عام 2023؟
يتزايد الإقبال على الابتكار لدى جميع اقتصادات النمو في جميع أنحاء الشرق الأوسط، بينما تسهم الأمثلة السابقة الطموحة التي تطرحها أبرز شركات التطوير العقاري في المنطقة في تعزيز التوجه نحو اعتماد حلول المباني القائمة على تقنيات إنترنت الأشياء والذكاء الاصطناعي. ومع ذلك، يشوب القطاع العديد من حالات التردد التي تعوق تقدمه نحو إنجاز التحول المستدام. وتفرض أهداف الحياد المناخي ضرورة بدء إجراءات التعديل التحديثي واسعة النطاق للمباني القديمة. ولهذا الغرض، أطلقنا مؤخراً نموذج تمويل الاستدامة للشرق الأوسط بالشراكة مع جينسيس، أحد أكبر صناديق التمويل في أوروبا. ويهدف النموذج الجديد إلى توفير التمويل الكامل لأنشطة تحديث أنظمة أتمتة المباني وتزويدها بتقنيات إنترنت الأشياء والذكاء الاصطناعي، بما يسهم في تحفيز مالكيها للتخلص مما يدعوهم للتردد واعتماد الاستدامة.
ونعتقد بأنّ عام 2023 سيشكل علامةً فارقة في المنحى التصاعدي للاستدامة في الشرق الأوسط، حيث سيترجم الوعي والتوافق إلى نتائج إيجابية ملموسة. وستلعب نيتيكس إيه آي دوراً محورياً لدعم هذا التحول بالاعتماد على تجربتها الواسعة في تحويل القطاعات وتحليلاتها التخصصية وتقنياتها الجاهزة للمستقبل.