واصلت "القمة العالمية لرئيسات البرلمانات" فعالياتها لليوم الثاني على التوالي والتي تنعقد في قصر الإمارات بأبوظبي تحت رعاية سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك، رئيسة الاتحاد النسائي العام، الرئيس الأعلى لمؤسسة التنمية الأسرية، رئيسة المجلس الأعلى للأمومة والطفولة «أم الإمارات»، ينظمها المجلس الوطني الاتحادي بالتعاون مع الاتحاد البرلماني الدولي تحت شعار «متحدون لصياغة المستقبل»، بمشاركة برلمانيين وقادة سياسيين وممثلي حكومات وعلماء ورؤساء منظمات دولية وقطاع خاص ومجتمع وشباب ومخترعين، لتعد قمة غير مسبوقة والأولى من نوعها على مستوى العمل البرلماني العالمي.
وناقشت أولى جلسات اليوم الثاني على عقدت بعنوان " حوكمة التسامح" الحلول العلمية لإدراج التسامح كمفهوم وجداني وقيمة معنوية تحت مظلة الحوكمة، ومناقشة علاقة التسامح بالإجراءات الحكومية، وكيف يمكن للبرلمانات المساهمة في القضاء على الأسباب الرئيسية للتعصب، والتي عادة ما تؤدي إلى العنف، والتمييز العنصري، والإرهاب.
وشارك في هذه الجلسة كل من: معالي الشيخة لبنى بنت خالد القاسمي وزيرة دولة للتسامح، ومعالي شارون ويلسون رئيسة مجلس الشيوخ في البهاماز، ومعالي حليمة يعقوب رئيسة برلمان سنغافورة، ومعالي بريجيد ماري انيستي جورج رئيسة مجلس النواب ترينداد وتوباجو، ومعالي آن رافيرتي كبيرة القضاة ورئيسة كلية القضاء ورئيسة جامعة شيفيلد، المملكة المتحدة. وأدار الجلسة محمد باهارون، مدير عام مركز دبي للبحوث والسياسات في الإمارات العربية المتحدة.
وأكدت معالي الشيخة لبنى بنت خالد القاسمي وزيرة دولة للتسامح ، أن دولة الإمارات تجسد التسامح بما تضمه من تنوع ثقافي وعرقي وديني، وأن هذا التنوع هو الثراء الحقيقي الذي يجب أن نحافظ عليه وننقله لأجيالنا القادمة.
واعتبرت ان الإمارات العربية المتحدة ملاذاً أمناً للعديد من الجنسيات والثقافات المختلفة، وأن معظم يأتي إلى الدولة هم من الشباب المتحمسين، والثقافة الإماراتية وميراثها الطويل والقوانين والتشريعات التي ترعاها الدولة تركت أثراً إيجابيا على كل فرد مقيم على أرضها.
وتابعت هدفت القيادة الحكيمة من خلال استحداث وزارة للتسامح، إلى إعلاء هذه القيم والأخلاقيات وجعلها منهجاً للممارسة ضمن كافة مؤسسات الدولة، خاصةً في هذه المرحلة سواء في المنطقة والعالم والتي تعاني ارتفاع حدة الكراهية والتعصب وانتشار الصراعات التي تتغذى من غياب التسامح كأساس للتعامل بين البشر.
وأكدت على ضرورة وضع حد لقضية استهداف عقول الشباب التي يمارسها المتطرفون مستغلين بذلك سهولة التواصل عبر الإنترنت، ونوهت إلى أهمية سن القوانين والتشريعات إلى جانب ابتكار أساليب مناسبة لضبط الاختراقات عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
وأشارت إلى أنه يقع على عاتق البرلمانات تطوير القوانين والتشريعات، لذا يجب أن تراعي هذه القوانين ترسيخ التسامح كقيمة يحميها القانون في كافة المجالات، وكذلك يجب الاهتمام بالتعليم وتحويل التسامح إلى مناهج تنشأ عليها الأجيال وتحصن شبابنا من محاولات العبث بعقولهم وثنيهم عن طريق الصواب.
وشددت على دور الأسرة الكبير في الحفاظ على القيم والأخلاق وتماسك الأسر وترابطها عامل هام في بناء أجيال متوازنة ومتفهمة، وقالت أن مهمتنا في دولة الإمارات العربية المتحدة أن نحمي تميزنا في إطار التسامح وان نطوره لننقله لأجيالنا القادمة.
رئيسة برلمان سنغافورة : إن ترسيخ قيم التسامح عملية متواصلة لا نهاية لها لأنها تستجيب للمتغيرات وتتعامل مع الأحداث المستجدة
واستعرضت معالي حليمة يعقوب، رئيسة برلمان سنغافورة تجربة بلادها الخاصة في مكافحة التطرف والكراهية وترسيخ قيم التسامح، وقالت: إن ترسيخ قيم التسامح عملية متواصلة لا نهاية لها لأنها تستجيب للمتغيرات وتتعامل مع الأحداث المستجدة، ويجب بناء التسامح وتعزيزه كأساس للتعامل والعلاقات الاجتماعية قبل الحديث عن حوكمته.
وقالت : لقد عانينا كغيرنا في السابق من النتائج الصعبة للنزاعات ذات الطابع العرقي والديني، ولكننا استطعنا ان نتجاوز هذه المرحلة ونبني مجتمعاً متنوعاً ومتعاوناً، وأرسينا قوانين وتشريعات تحمي التسامح، فالدستور في سنغافورة يكلف الحكومة بحماية الأقليات العرقية والدينية وصون حقوقها، مضيفة لقد أنشأنا مجلساً لشؤون الأقليات للتأكد من تطبيق قيم ومبادئ المساواة، وشرعنا قانون لاحترام الأديان وتجريم كل تعدي على المعتقدات، ونوهت إلى ان البرلمان في سنغافورة ناقش الشهر الماضي مشروع قانون يتيح للأقليات الترشح للرئاسة، وأن يكون منصب الرئاسة مفتوح للجميع وحق المنافسة مكفول بالدستور والقانون بدون أي تعدي أو عرقلة للحملات الانتخابية.
وأشارت إلى أن سنغافورة حريصة على الدمج بين كافة مكونات المجتمع في إطار واحد تحميه مظلة القانون، وقالت: حكومتنا تهتم بأن يتشارك الأطفال من مختلف المنابت نفس المدرسة ليعتادوا على التنوع والاختلاف، والمدارس استحدثت يوماً للتناغم وللتذكير بقيمة التسامح والشراكة.
وأضافت: أنشانا لجنة توجيهية وهي منصة لتعزيز العلاقات بين قادة الديانات المختلفة وفرصة لتقريب وجهات النظر والتوافق على الاختلافات، ونحتفل بكافة المناسبات الدينية بدون استثناء لخلق حيز للتناغم الاجتماعي بين الجميع.
أما بالنسبة لقضايا المرأة، فقالت يعقوب: إن الحكومة ملتزمة بتمكين المرأة على أساس تكافؤ الفرص، ودستورنا ينص على أن الجميع سواسية أمام القانون، وأن نسبة مشاركة النساء في الحياة السياسية وفي المجالات الفنية والعلمية مرتفعة وتواصل ارتفاعها باستمرار. وأشارت في نهاية كلمتها، أن انتخاب معالي الدكتورة امل القبيسي يشكل تحولاً نوعياً في التاريخ العربي وإلهاماً للشابات والنساء العرب.
رئيسة مجلس النواب ترينداد وتوباجو : الجهل وغياب المعلومات يشكل مدخلاً للتطرف والعنصرية والغرض النهائي من التعليم يجب أن تكون التسامح
وقالت معالي برجيد جورج، رئيسة مجلس النواب ترينداد وتوباجو، إن في بلادها مجموعتين عرقيتين مختلفتين، تتعايشان بدون أي منغصات، وأن التسامح وفق مفهومهم هو تسامح اقتصادي أكثر مما هو عرقي. وتابعت جورج: في تجربتنا تعلمنا أنه ليس هناك من آلية سهلة لحوكمة التسامح، لكن لابد من إيجاد هذه الآلية وتبنيها، مضيفة أن بلادها توصف بأنها متنوعة ومتسامحة، ولقد قررنا أن يكون دستور الاستقلال الذي تبنيناه عام 1962، الدستور الجمهوري لعام 1979 مظلة قانونية شاملة لحماية الحقوق وتعزيز المساواة، وآلية للرقابة على إنتاجية الفرد والتزامه بأسس السلم الاجتماعي، فنشيدنا الوطني يقول: "على أرضنا حيزاً للمساواة".
وتابعت جورج: نحن نحتفل بجميع الأعياد ونتبنى قوانين منع التمييز في مجال التوظيف والخدمات، ولدينا قانون خاص ضد العنف الأسري بكافة أشكاله الجسدية والعاطفية والنفسية ويشمل كافة أفراد الأسرة، وكذلك لدينا قانون لضمان حق الوصول إلى المعلومات بدون قيود، وقانون لحفظ التوزان بين مصالح العمال وأرباب العمل، وقوانين لحماية حرية الصحافة والتعبير والرأي السياسي، ونمتلك تشريعات تلزم المستثمرين والشركات بان تكون اعمالهم صديقة للبيئة، وقوانين لتجريم العنف الإلكتروني بكل أنواعه.
وأشارت إلى تأسيس بلدها لمحاكم متخصصة مثل المحكمة البيئية، ومحكمة لضمان تكافؤ الفرص، ومحكمة للبت في القضايا الاقتصادية العالقة، ونعمل حالياً على إصدار قانون لرعاية ذوي الاحتياجات الخاصة.
وأشارت جورج إلى أهمية التعليم، وقالت إن الجهل وغياب المعلومات يشكل مدخلاً للتطرف والعنصرية، لذلك حرصنا على أن يكون التعليم مجانياً في بلادنا في المرحلة الأساسية، واعتمدنا فلسفة خاصة وهي أن الغرض النهائي من التعليم يجب أن تكون التسامح.
رئيسة مجلس الشيوخ البهاماز : القانون مبني على احترام الاختلافات وصيانة الحريات والتشريعات تحتاج لإرادة الجمهور وقدرات الجميع حتى تصبح واقعاً مجسداً
أما معالي شارون ويلسون، رئيسة مجلس الشيوخ، البهاماز فقالت أن مناقشة موضوع حوكمة التسامح جاء في آوانه، لأن المرحلة تتطلب منا استجابة مناسبة وقوية لكل ما تحمله من ظواهر سلبية كالكراهية والتعصب. وأضافت أن الحديث عن التسامح يعني احترام الآخر وحقوقه كافة بما فيها حقه بأن يكون مختلفاً، مضيفة " نحن نهتم كثيراً بشؤون الأقليات والفئات الاجتماعية المستضعفة ولدينا وزير مكلف بهذه المهمة، ويتابع مسؤولياته في تطوير القوانين الخاصة برعاية شؤون الأقليات".
وقالت نحن نرتقي بلغة التسامح ذاتها ومراعاة هذه اللغة في صيغة القوانين والتشريعات، فلغة التسامح يجب أن تكون متسامحة أيضاً، مشيرة إلى أن الباب الثالث من دستور بلادها يركز على التسامح وحماية المعتقد وأن كل شخص في الباهامز مشمول بهذه الحقوق بغض النظر عن دينه ولونه وعرقة أو حتى مكان ولادته.
وأكدت على أن التشريعات تحتاج لإرادة الجمهور وقدرات الجميع حتى تصبح واقعاً مجسداً، وأن القانون من الأساس مبني على احترام الاختلافات وصيانة الحريات، ولولا الاختلاف لما كان هناك داعي للقانون.
وشددت على أهمية التعليم في بناء قيم التسامح وتعزيزها، وكذلك أهمية الحصول على المعلومات والمعرفة لمكافحة الجهل والتخلف، حيث اعتبرت أن الجهل هو البيئة المناسبة لنمو نزعات الكراهية.
رئيسة جامعة شيفيلد : التسامح هو ما يجعل السلام ممكناً والقيم الاجتماعية هي مصدر التشريعات
وتناولت معالي آن رافيرتي، رئيسة كلية القضاء، رئيسة جامعة شيفيلد في المملكة المتحدة في حديثها، إعلان النوايا الذي صدر عن اليونسكو عام 1990 حول التسامح والذي جاء استجابة للمتغيرات التي شهدت تلك المرحلة خاصة على صعيد تفجر الخلافات والصراعات على الساحة الدولية، حيث قالت رافيرتي أن التسامح هو ما يجعل السلام ممكناً.
وشددت رافيرتي على أهمية بناء منظومة تعليمية تعزز قيم الشراكة والتعاون واحترام الاختلافات، وقالت: علينا أن نكافح لكي يتفهم أطفالنا الاختلاف كما يتفهمون التشابه، وأن التسامح هو ركيزة أي نظام قضائي فلا عدالة بدون تسامح، مضيفة القضاة في بريطانيا يقولون في قسمهم : "سوف أقيم العدل بين كافة الناس بدون تمييز أو نوايا سيئة"، مشيرةً إلى أن انعدام التسامح لا مكان له في النظام القضائي.
وقالت رافيرتي: إن القوانين ترسم معالم المجتمع، والمجتمع يرسم معالم القانون في إشارة إلى أهمية القيم الاجتماعية كمصدر للتشريعات. وأشارت إلى دور وسائل التواصل الاجتماعي في بناء الجسور بين مختلف الثقافات والشعوب وخصوصاً بين الأطفال والشباب.
وشددت رافيرتي على أهمية الاستعانة بالعلوم لفهم دوافع وجذور الكراهية وغياب التسامح، وأشارت في هذا السياق إلى العلوم الاجتماعية والنفسية والعصبية على وجه التحديد.
وأضافت رافيرتي أن مفهوم التسامح يختلف من ثقافة إلى أخرى، لكن القيمة الثابتة التي تجمع بين كافة الثقافات هو أن التسامح يعني القبول والتفهم.
يذكر أن دولة الإمارات العربية المتحدة كانت سباقة على مستوى العالم في استحداث وزارة للتسامح في العام الجاري 2016، وتحرص دولة الإمارات على إعلاء مبادىء التسامح كونه ضرورة للتعايش والانسجام بين الحضارات والثقافات المختلفة، وصيغة لفهم الاختلافات ووضعها في إطارها الوظيفي السليم كعامل إثراء للتراث الإنساني وليس سبباً للنزاعات والصراعات.