قد تبدو مسألة توظيف كميات البيانات الهائلة التي يتم توليدها لجعل المدن أكثر ذكاءً بمثابة تذكرة باتجاه واحد نحو السعادة من منظور صناع القرار في البلديات والحكومات حول العالم، ولكن ينبغي لهذا الأمر أن يكون ثنائي الاتجاه من أجل تحقيق انتقال سلس يضمن الفائدة للجميع.
وتوفر الـ 2.5 كوينتليون بايت من البيانات التي يتم توليدها يومياً حول العالم مجموعةً كبيرةً من الفرص المتاحة أمام الحكومات لتحسين خدماتها، وهو أمر من شأنه تحويل المدن لتصبح ذكيةً بحق إذا ما شرع صناع القرار بإرساء الأسس لتعاون مكثف وواسع مع القطاع الخاص وعامة الناس من خلال سياسات البيانات المفتوحة والشفافية في مجال جمع البيانات.
كانت هذه هي وجهة النظر الرئيسية التي قدمتها كوكبة من خبراء القطاع خلال فعاليات "معرض إنترنت الأشياء 2018"، أكبر فعالية في المنطقة تركز على مفهوم المدن الذكية، المنعقد بالتزامن مع "مؤتمر ومعرض الخليج لأمن المعلومات" (جيسيك) تحت مظلة "أسبوع تقنيات المستقبل" في مركز دبي التجاري العالمي هذا الأسبوع.
وخلال جلسة النقاش التي حملت عنوان "تمكين الجيل القادم من حلول المدينة الذكية من خلال سياسة البيانات المفتوحة"، ناقش الخبراء الكيفية التي يمكن للمدن من خلالها أن تستفيد من البيانات المولدة من قبل سكانها، فهي تتطلب قبولاً عاماً من قبل السكان واستعداداً لمشاركة البيانات إذا ما أرادت إحدى المدن ان تصبح ’ذكيةً‘.
وبهذا الصدد، قال السيد كافيه فيسالي، الشريك الرئيسي لدى ’إن إكس إن‘ - وهي شركة تعمل مع المنطقة على سياسات البيانات المفتوحة وتبني حلول المدينة الذكية: "تعتبر المعلومات، أو البيانات بحد ذاتها، بمثابة الوقود الضروري للتحول إلى المدن الذكية؛ ومساعدة صناع القرار في التوصل إلى قرارات أفضل، وابتكار خدمات سلسة وتحسين تجربة المعيشة في المدينة. يمكن للحكومات، باعتبارها الجهات التنظيمية وصناع سوق البيانات المفتوحة، تعلم الكثير من القطاع الخاص والشركات التي تقدم أداءً أفضل على مستوى فهم عملائها. كما أن الشركة التي تفكر بنفسها ومنتجاتها وتقنياتها وتحاول العثور على استخدام لها ستكون غير ناجحة. بينما ستتمكن الشركة التي تسعى للتعاون مع عملائها من تحقيق النجاح. وفي حال فكرت الحكومات بنفسها وبالأشياء المتوفرة لدينا ومدى روعتها، ستكون قد فشلت في فهم ما هو مطلوب منها وانحرفت عن جادة الصواب. ولكن عندما تقوم الحكومات بالتفكير بعملائها والأشياء التي يريدونها وماهية القيمة في كلا الاتجاهين ستصبح بمثابة مشروع تعاون حقيقي لإنشاء اقتصاد البيانات".
ومن جانبه، أبدى السيد رومان روربيرج، مدير التسويق الإقليمي في منطقة أوروبا والشرق الأوسط وإفريقيا لدى شركة ’ميوفيجن‘ (Miovision) - الشركة المتخصصة في ابتكار حلول ذكية لإدارة حركة المرور، موافقته على هذه النقطة مشدداً على حتمية أن تقوم المدن الذكية بتثقيف الناس حول الكيفية والسبب الكامن وراء استخدامها للبيانات؛ حيث قال: "ينبغي علينا كمدن أن نبدأ بتثقيف الناس حول حقيقة المجالات التي سيتم فيها استخدام البيانات. وفي معظم الأحيان، سيعتقد الناس أن الجزء الشخصي من بياناتهم تتم مشاركته، ولكن عادةً ما يكون هذا الأمر غير صحيح".
واستشهد روربيرج بمثال مستوحىً من إدارة الحركة المرورية، شدد من خلاله على أن الشركات لا تقوم بمراقبة كل واحدة من السيارات على حدة، بل تقوم بالنظر إلى أنماط محددة كعدد السيارات المتواجدة في مكان ما خلال أوقات معينة وما الذي يشير إليه هذا الأمر. وأضاف: "ينبغي على الناس فهم أن هذه البيانات يتم استخدامها من أجل تحقيق الصالح العام. وتقع مسألة تشجيع المواطنين على أن يكونوا جزءاً من عملية اتخاذ القرار على عاتق الحكومات. كما أن هذه الحكومات تحتاج لتثقيف الناس حول مجالات استخدام البيانات وأن تتسم بالشفافية".
ولكن في عصر أصبح فيه الناس أكثر تشكيكاً وارتياباً حيال مسألة جمع واستخدام البيانات، ما هو الحافز الذي من شأنه أن يجعل جميع الأشخاص مستعدين لمشاركة بياناتهم عن طيب خاطر؟
وحول هذا الموضوع، قال السيد جير بارون، الرئيس التنفيذي للتكنولوجيا لدى مدينة أمستردام: "يتمثل واحد من أبرز التحديات بتشجيع الناس على فهم مسألة أن لديهم دوراً يتعين عليهم لعبه وضرورة تفعيل مشاركتهم في عملية صنع القرار. وهناك أيضاً السؤال المطروح عن عائدية تلك البيانات. فعلى سبيل المثال، إذا قمت بفتح حساب مصرفي، سيكون هذا الحساب خاصاً بي وبالتالي ينبغي أن تكون البيانات كذلك. وللناس الحق في معرفة الجهات التي تجمع بياناتهم والجهات التي تستخدمها ومجال استخدام هذه البيانات. يكون من المنطقي أن تقوم مدينة ما بمشاركة البيانات فقط عندما يكون هذا الأمر في خدمة الصالح العام، وينبغي أن يكون جميع الأشخاص قادرين على الوصول إلى تلك البيانات، من بيانات الرعاية الصحية إلى بيانات التنقل. وينبغي على المرء أن يفكر في النتائج، وبالنسبة لنا وللأشخاص الذين نعمل معهم، لا تكون النتيجة متمحورةً حول البيانات بحد ذاتها، وإنما حول تحسين حياة وتجارب السكان. وتختلف مسألة جمع البيانات بشكل كبير عن العمل كأداة لإيصالها إلى صناع القرار المناسبين، وعندها سيكون تقييم النتائج أكثر سهولةً لأننا أصبحنا نمتلك الآن نتيجةً تجارية. وبات بمقدوركم معرفة إذا ما كانت الحركة المرورية قد انخفضت، وإذا ما ازداد عدد الضحايا الذين لم يتمكنوا من الوصول إلى غرفة الطوارئ في الوقت المناسب، وغيرها الكثير".