الأبواب القديمة، هوية وتاريخ وجمال، تغوص في عمق المكان وأصالة التراث. بدأ تصميم الباب بسيطاً، ثم تطور شيئاً فشيئاً بإضافة تفاصيل أكثر من نقوش وزخارف؛ ليصبح عملاً فنياً أصيلاً يختزل ذاكرة مرحلة ويؤرخ لها ويعكس معتقدات أهلها ومفاهيمهم وعاداتهم. من هنا، شكل "معرض الأبواب القديمة" جزءاً مهماً من فعاليات "ليالي حتا الثقافية" التي أطلقتها هيئة الثقافة والفنون في دبي "دبي للثقافة" أواخر العام المنصرم ويسدل الستار عليها اليوم.
ضم "معرض أبواب حتا" مجموعة من أبواب حتا القديمة التي تعود إلى أكثر من 80 سنة والتي تفنن الحرفيون الإماراتيون في تزيينها بزخارف هندسية ونباتية، مبرزةً الوجه الثقافي والحضاري والتراثي القديم لمنطقة حتا وجماليات الهوية المعمارية للأبنية التراثية فيها، حيث يسرد كل باب منها قصة ترمز إلى حقبة من التاريخ العريق للمنطقة. وفي محاولة للمزج بين التقليدي والمعاصر ودعم الفن التشكيلي وتفعيله في المجتمع الإماراتي، قدم المعرض 5 أبواب تم تصميمها لتحاكي الأبواب التقليدية من أجل إتاحة الفرصة أمام الفنانين التشكيليين لتزيينها بإبداعاتهم الفنية. وقد اجتذبت هذه الفكرة 10 فنانين تشكيليين، من ضمنهم 8 فنانين إماراتيين، ليرسموا عليها لوحات مميزة امتزج فيها الماضي بألوانهم المعاصرة التي أضفت رونقاً خاصاً على الوجهين الأمامي والخلفي لكل باب من الأبواب الخمسة، مترجمين اعتزازهم بالتراث الإماراتي.
حروفية وزخارف
يستوقفك باب يحمل على وجهه الأمامي عملاً فنياً مفعماً بالحياة والرومانسية للفنان حسن زين الدين يمزج فيه ما بين الحروفية العربية والزخارف الإسلامية في قالب معاصر، مستحضراً روح التراث الإسلامي الحضاري بأطياف لونية عميقة وتشكيلات خاصة تعكس مكنونات الفنان وشغفه بأصالة التراث الإماراتي وانتمائه له.
من حلب إلى حتّا
تحت عنوان "سبغ الذاكرة على الحاضر"، قدم الفنان مرهف أبوغده على وجه أحد الأبواب عملاً مستوحى من إحدى الصور الفوتوغرافية الخاصة بوالده الذي التقطها في ثمانينيات القرن الماضي لنافذة حجرية في حلب القديمة بسوريا. استخدم الفنان في عمله معاييره الفنية الخاصة، ويرمز من خلاله إلى البوابة التي قادته في رحلة من حلب إلى الإمارات، ليترعرع فيها، متسائلاً عن خبايا ما يحمله الإنسان من الماضي أثناء عبوره الباب كل يوم نحو المستقبل.
تجسيد زجاجي
وعلى باب آخر، تستقبلك لوحة للفنانة كاترينا تسيبرو استخدمت فيها تقنية جديدة في الرسم تعطي اللوحة مظهراً زجاجياً مع تناسق مميز للألوان، مضفية إحساساً عصرياً على روح التراث الأصيل لمنطقة حتا.
ألوان من الطبيعة
وباستخدام ألوان أكليريكية مستوحاة من ألوان الشمس والتراب والماء، زينت الفنانة منى الخاجة بأسلوبها الخاص باباً آخر يحمل نقوشاً تفيض بجماليات التراث القديم لمنطقة حتا. تلك الأشكال والزخارف البديعة التي لطالما نُقشت على الأبواب والمشربيات والشبابيك، ألهمت الفنانة لوضع بصمتها على أحد أهم عناصر العمارة التقليدية للمنطقة.
تنوير بالأكليريك
أما القطعة الفنية التي نفذتها الفنانة أمالياء حجي سالمين على أحد الأبواب، فقد عبرت فيها عن التنوير واكتشاف الذات مستلهمة ذلك من إرث الأجداد الذين كانوا يتحلون بالحكمة والتأمل وقيم الخير والجمال. واستخدمت الفنانة في لوحتها ألوان الأكليريك المقاومة للعوامل المناخية.
ولاء وانفتاح
إلى جانب ذلك، زخر المعرض بلوحات فنية جميلة تفيض ألواناً وتشكيلات ورؤىً تعلن ولاءها للتراث الإماراتي الأصيل وانفتاحها على العالم أجمع.. لوحات شكلتها مخيلة وأنامل كل من الفنانين: راشد الملا، عبدالرحيم سالم، ميرة عبدالرحيم سالم، ضياء الدين علام.
وإيماناً من "دبي للثقافة" بأهمية إحياء التراث الأصيل وتسليط الضوء على بعض تفاصيله التي قد تبدو مهملة أحياناً، كان احتفاؤها بأبواب حتا القديمة لائقاً عبر هذا المعرض الذي أتاحت من خلاله فرصة أمام مواهب إبداعية لإطلاق طاقاتها والتعبير عن شغفها بماضٍ أصيل وبحاضر زاهٍ.