أكد المختصون و الخبراء في مجال حوكمة الشركات بالمنطقة خلال مشاركتهم في منتدى حوكمة الشركات الذي نظمه معهد حوكمة مؤخراً، في مركز دبي المالي العالمي، أن حوكمة الشركات الجيدة والفعالة تعد عنصراً حيوياً في دعم الإدارة ومجالس الإدارة ومساعدتها على تجاوز الأحوال التي يسودها الغموض والتقلبات، وتحقيق قيمة مستدامة وطويلة الأمد للمساهمين وأصحاب المصلحة.
وعمل المنتدى على إبراز أهمية مجلس الإدارة المستقل باعتباره معياراً للحكم على أداء الكيان المؤسسي ومساهمته في الاقتصاد الوطني، ومن ثم فقد أسهم في تسهيل المناقشات حول استقلالية مجالس الإدارة في المنطقة، والقيمة التي يسهم أعضاء مجالس الإدارة المستقلون في إيجادها، وكذلك كيفية مواجهة التحديات الإقليمية.
الجلسة الافتتاحية
ابتدأ المنتدى بالكلمة الافتتاحية التي ألقاها الدكتور أشرف جمال الدين، الرئيس التنفيذي لحوكمة، ومهد خلالها للمناقشة حول تعزيز حوكمة الشركات من خلال مجالس الإدارة المستقلة، وركز على المجالات الرئيسية التي تلعب فيها مجالس الإدارة دوراً مهماً، مثل المساءلة، واستشراف المستقبل، والاستراتيجية، والإشراف. وقال: "يعتبر مجلس الإدارة مسؤولاً عن المساهمين فيما يتعلق بالإدارة السليمة للشركة، وهو يجتمع بشكل منتظم لتحديد الاتجاه العام واستراتيجية المؤسسة، ومراجعة الأداء العملي والتشغيلي والمالي، وتقديم المشورة حول تعيينات الإدارة. وتخضع كافة القرارات التشغيلية والاستثمارية لاعتمادها من مجلس الإدارة. وعليه، من المهم أن يكون المجلس مستقلاً".
وقام الدكتور أشرف جمال الدين أيضاً بتلخيص واستقصاء الأركان الأربعة المهمة لحوكمة الشركات، بما في ذلك المساءلة، والنزاهة، والشفافية، والمسؤولية، والتي تمثل حافزاً للتحسين المستمر للمجلس وللأعمال.
أهمية استقلالية مجالس الإدارة
ضمت المناقشات متحدثين مرموقين، مثل عمر الشنار، الشريك المؤسس ورئيس مجلس الإدارة لمجموعة شركات أكواجاز، وطارق فضل الله، الرئيس التنفيذي لشركة نومورا أسيت مانجمنت، ويوهان براند، الخبير المتخصص في مجال القيادة ومالك شركة استشارية في القيادة، وقام المتحدثون ببحث كيف تم توجيه حوكمة المؤسسات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من قبل المروجين وأصحاب الشركات العائلية. وبالنظر إلى الطبيعة الناشئة والمتنامية لعالم الشركات، فقد أكد الخبراء على أهمية التنويع والتوازن في مهارات وخبرات أعضاء مجلس الإدارة حرصاً على متانة ممارسات الحوكمة.
من جانبه قال يوهان براند: "تتكون مجالس الإدارة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من أعضاء معروفين، وعلى الرغم من أن ذلك يريحها تماماً ويسهم في تعزيز الثقة، فإنه يمكن أن تكون له انعكاسات سلبية. وعليه، ينبغي تشجيع مجالس الإدارة المستقلة لتسهيل إقامة نموذج أقوى وأكثر واقعية في الأعمال".
وبما أن دور مجلس الإدارة يتمثل في الإشراف على الإدارة والحوكمة في الشركة، فقد أكدت المناقشات أنه ينبغي أن يكون مجلس الإدارة مستقلاً عن الإدارة، الأمر الذي يسمح له بأن يكون موضوعياً بدون أي تعارض في المصالح أو النفوذ للأطراف ذات الاهتمام. كذلك ركز الخبراء على أهمية التنويع في الأعمار والأعراق (الإثنية) والنوع (الجنس)، وذلك لإدارة أهداف الشركة وتلبية توقعات المساهمين.
وقال عمر الشنار: "يوجد عدد أقل من النساء ضمن أعضاء مجلس الإدارة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لكن تم اتخاذ خطوات لإتاحة الفرص للنساء لإظهار مهاراتهن ومواهبهن. وقد كانت حكومة دبي متقدمة جداً في هذا المجال؛ فقد أدخلت عدداً من الإجراءات والأنظمة في مسعى منها لزيادة عدد النساء في المناصب العليا".
وبالإضافة إلى ذلك تم دعوة المشاركين في المناقشات لبحث كيفية ضمان تأهيل النساء لكي يشاركن في عضوية مجالس الإدارة وذلك منعاً للانتقاء الرمزي. ويشير الوضع الراهن بدولة الإمارات العربية المتحدة على أن نسبة الإناث بين أعضاء مجلس الإدارة تصل إلى 1.9 بالمائة على الرغم من وجود زيادة في القيمة بالنسبة إلى الشركات جرّاء وجود نساء بين أعضاء مجلس إدارتها. وهناك تقرير حديث صادر عن "حوكمة" حول تنويع الجنس أكد أيضاً أن النساء يشعرن بضغط دائم لإثبات أنهن قادرات على المشاركة في عضوية مجلس الإدارة. ولذلك يقترح التقرير فرض حصة للجنسين، لضمان تأهيل النساء لاكتساب عضوية مجالس الإدارات.
وركز المنتدى أيضاً على التوجهات العالمية التي تتبناها الشركات من أجل التنويع في مجالس الإدارات كما هو الحال في البيئات التي تعمل فيها. وأكد المشاركون على أن المجالس المبنية على التنوع في العمر واللغة والعرق والجنس والتعليم والخبرة، توفر بعداً مختلفاً لعملية صنع القرار التي يمكن أن تضمن فرصاً أكبر للأعمال.
وفي الختام شدد الخبراء على الحاجة إلى أن تقوم مجالس الإدارة التي تضم أغلبية من الأعضاء المستقلين، الذين ليسوا أعضاء في الأسرة أو موظفين أو مستشارين أو عملاء أو موردين للشركة، بإضافة قيمة أكبر إلى الأعمال.
القيمة التي يصنعها أعضاء مجلس الإدارة المستقلون
أظهرت الدراسات أن الشركات التي توجد فيها نسبة أكبر من مجالس الإدارة المستقلة تعزز القيمة للمساهمين، وقد ركزت مناقشات المنتدى على القيمة التي يستطيع أعضاء المجلس المستقلون إضافتها إلى الأعمال. وقال طارق فضل الله: "تعتبر "الاستقلالية" ظاهرة عالمية، وقد طرأ تغير هائل على مر السنين. وفي رأيي أنه حتى إن امتلك أصحاب الأسهم نسبة 100 بالمائة من الحصص في الشركة، فبمجرد أن تصل الشركة إلى مستوى النضج، يكون من الأهمية بمكان أن تصبح المجالس المستقلة قادرة على إضافة قيمة إلى الشركة على المدى البعيد. وهذا لا يسهم في تسهيل نمو المؤسسة فحسب، بل يمنح مزيداً من الثقة للمستثمرين فيما يتعلق بتمويل الشركة".
وتضمنت المناقشات أفكاراً رئيسية حول كيف يمكن لأعضاء مجلس الإدارة المستقلين أن يقدموا قيمة استراتيجية حقيقية للشركة إن تم اختيارهم بعناية. وابتداء من تمكين التفكير الطويل الأمد وانتهاء بممارسة التحكم الفعال، فإن القيمة التي يمكن أن يضيفها المجلس إلى الشركة تتناسب بشكل مباشر مع مستوى التنوع والاستقلالية التي يتمتع بها أعضاؤه، بشرط أن يتم اختيارهم بعناية لأداء أدوارهم. وقال عمر الشنار: "إن معظم مجالس الإدارة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تفتقر إلى المعرفة بالصناعة؛ إذ ينبغي أن يحصل أعضاؤها على التعليم المناسب من خلال البرامج التعريفية والتدريبية التي من المؤكد أنها ستضيف قيمة إلى الفريق وإلى شركتهم. وقد شهدت السنوات القليلة الماضية تحولاً إيجابياً حيث أصبحت المجالس المستقلة تستمد قيمتها من الأداء التشغيلي بقدر ما تستمدها من ممارسات الحوكمة المعززة".
وتم الإقرار في المناقشة بأن المجالس المستقلة لا تضيف قيمة كبرى إلى الشركة والمساهمين فحسب، بل تُكسبها حسن نية ومصداقية أيضاً.
التحديات في المنطقة
في الوضع الاقتصادي الحالي، غالباً ما تواجه الأعمال والشركات انخفاضاً في الإيرادات وفي هوامش الأرباح، وضغوطاً فيما يتعلق بالالتزامات البنكية، ولذلك ركزت المناقشات على التحديات الرئيسية في هذا الخصوص، وتم وضع الخطوط العامة للحلول لضمان تمتع الشركات بمجالس إدارة مُحكمة. وفي هذا السياق قال طارق فضل الله: "على الرغم من رسوخ فكرة حوكمة الشركات، فإن التحدي الرئيسي الذي أبلغت عنه الشركات هو إيجاد مرشحين مستقلين مناسبين، ولتحقيق هذا الغرض من الضروري أن يتنحى مجلس الإدارة ويتم إتاحة إيجازات توضيحية لتسليط الضوء على كيفية إيجاد مجالس مستقلة وفعالة حقاً".
ركز خبراء حوكمة الشركات أيضاً على تحديات أخرى، من بينها افتقار أعضاء المجلس إلى المهارات المناسبة، وعدم التحضير لاجتماعات المجلس، أو السعي للهيمنة على الإجراءات والفعاليات باعتبارها عوامل رئيسية تواجهها الشركات في ضمان بنية متينة لمجلس الإدارة. وقال جوهان براند: "يجب أن تقيّم الشركات مجالس الإدارة بصورة منتظمة، ويمكن القيام بذلك من خلال عمليات التقييم الذاتي أو عن طريق الاستعانة بخدمات أعضاء خارجيين ليقوموا بالتقييم. ويعتبر التقييم الخارجي أكثر الطرق فاعلية؛ لأنه يركز على التغيرات الكيفية والكمية على حد سواء، وقد سجلت الشركات التي استعانت بمقيّمين خارجيين لتقييم مجالسها نهوضاً إلى مستويات عالية".
وفي الختام اتفق الخبراء على أن مجالس الإدارة المحكمة هي القوة الموجهِّة لضمان استدامة الشركات ونموها، ومن المهم ضبط الأمور بحيث يتم توجيه استقلالية المجالس وتشجيعها.
الكلمة الختامية
تم اختتام المؤتمر بمناقشة تفاعلية بين خبراء حوكمة الشركات وجمهور الحاضرين، حيث تم بحث واستقصاء أشهر وأفضل الممارسات لتعزيز استقلالية المجالس. وقد اشتمل ذلك على ما يلي:
حث أعضاء مجلس الإدارة على تعزيز نمو الشركة.
تقييم المجلس بصورة منتظمة بهدف تحسين أداء الشركة.
إدراج نظام الحصص والأنظمة لتشجيع التنوع من حيث جنس الأعضاء وأعمارهم وأعراقهم. غير أن فرض نظام الحصص وحده لا يمكن أن يكون فعالاً، حيث يمكن أن يكون أمراً مثيراً للتنافس. وتدعو الحاجة إلى برامج للتحفيز والتعليم والتدريب من أجل بناء مستوى معين من المعرفة لتمكين أعضاء مجلس الإدارة من المشاركة في المناقشات، ويمكن تدعيم ذلك ببرامج تدريبية للنساء.
تدريب مجلس الإدارة لمساعدة الشركة على التكيف مع أحدث الاتجاهات والحركات.
تطبيق برامج التدريب التي يمكن أن تساعد أعضاء المجلس الطامحين أو الجدد على مواجهة التحديات بفاعلية.
إدخال "أمين سر مجلس الإدارة" يمهد الطريق للمرشحين الطامحين للخضوع للتعليم والتدريب وفي الوقت نفسه القيام بالأنشطة المباشرة في مجلس الإدارة.
تطبيق نظام تقييم محكم قبل طلب مغادرة أو خروج أحد أعضاء مجلس الإدارة.