أصدر معهد ماكنزي العالمي (McKinsey Global Institute) تقريره الجديد بعنوان "المملكة العربية السعودية بعيداً عن قطاع النفط: التحوّل من خلال الاستثمار وتعزيز الإنتاجية". تشير هذه الدراسة الرائدة التي استغرقت عاماً كامل إلى أنّ اقتصاد المملكة يشهد مرحلةً انتقالية.
في الوقت الذي صبت معظم التقارير العالمية تركيزها على التحديات التي تواجه المملكة، يتناول التقرير الذي أعده معهد ماكنزي العالمي إمكانية استفادة المملكة من فرصة حقيقية لإحداث نقلة نوعية في الاقتصاد السعودي. حيث نما اقتصاد المملكة بشكل سريع بين عامي 2003 و2014 بفضل الطفرة النفطية، ليصل إلى المركز التاسع عشر عالمياً من حيث حجم الاقتصاد، ما مّكن المملكة من تسديد كافة ديونها والقيام باستثمارات ضخمة في البنية التحتية. وتأتي اليوم الخطوة الأهم وهي جعل الاقتصاد السعودي أكثر استدامة وأقل اعتماداً على النفط الذي يشكل حالياً حوالي 90% من إيرادات الحكومة.
ولدراسة آثار التغيرات الداخلية والخارجية، أعدّ معهد ماكنزي العالمي نموذجاً اقتصادياً شاملاً يجمع بين المرئيات المختلفة للاقتصاد وسوق العمل والمالية العامة.
تحوّل اقتصادي من خلال الاستثمار وتعزيز الإنتاجية
يصف التقرير سيناريو محتمل مبني على إصلاحات جذرية ليبلغ الاقتصاد السعودي كامل إمكاناته من خلال الاستثمار الهادف وتعزيز الإنتاجية. في هذا السيناريو، ينجح الاقتصاد السعودي في مضاعفة الناتج المحلي وإضافة ستة ملايين وظيفة للمواطن السعودي بحلول عام 2030.
وللاستفادة من كامل إمكانات الاقتصاد غير النفطي يتطلب القيام بإصلاحات نوعية في سوق العمل والأنظمة التجارية وإدارة الأموال العامة. كما تساهم تلك الإصلاحات في خفض معدلات البطالة وحماية دخل الأسرة وتفادي أي عجز مالي محتمل في المستقبل.
كما يصف التقرير سيناريو محتمل آخر مبني على إصلاحات سطحية ما يؤدي إلى تراجع في الاقتصاد السعودي خلال السنوات الخمسة عشر المقبلة. ويتناول هذا السيناريو احتمالية انخفاض دخل الأسرة وزيادة معدلات البطالة ما يشكل عبئاً مالياً متزايداً، حتى` إذا قامت الحكومة السعودية بتجميد الإنفاق العام والحد من تدفق العمالة الوافدة، الذين يشكلون حالياً أكثر من نصف القوى العاملة.
كما صرح جوناثان ويتزل، أحد مدراء معهد ماكنزي العالمي: "ثلاثة أرقام تعبر عن أهمية الإصلاحات الاقتصادية في المملكة (اثنان – أربعة – ستة). بحلول عام 2030، من الممكن أن يتضاعف الناتج المحلِّي الإجمالي ليسجّل ارتفاعاً بواقع 800 مليار دولار، أي ما يعادل اقتصاد تركيا اليوم أو ثلاثة أضعاف اقتصاد فنلندا. كما يمكن تحفيز الاقتصاد غير النفطي من خلال استثمارات محلية ودولية بواقع 4 تريليون دولار تأتي معظمها من القطاع الخاص عن طريق الاستثمار المحلي والأجنبي. إضافة إلى ذلك، تستطيع المملكة استحداث ستة ملايين فرصة عمل، أي ما يكفي لاستيعاب تدفّق المواطنين الشباب إلى سوق العمل."
تحقيق هذا التحول يتطلب:
إدارة الأموال العامة. يجب أن تتمتع المملكة بمرونة أكبر لمواجهة تقلبات أسعار النفط العالمية، للحد من مخاطر العجز الحكومي الذي يشكل عبئاً على الاقتصاد. وهذا يتطلب إجراء إصلاحات جذرية للنظام الاقتصادي الحالي المتمثل بالاعتماد على الإيرادات النفطية والإنفاق الحكومي. وعملياً، يتم ذلك بتنويع مصادر الدخل (القطاع غير النفطي)، إلى جانب إجراء إصلاحات تشمل إعادة النظر في أسعار الطاقة المحلية المنخفضة وفرض بعض الضرائب، مثل ضريبة القيمة المضافة وضريبة الدخل الشخصي، محاذاةً بالممارسات المالية المستدامة المتبعة في الاقتصادات المتقدمة والاقتصادات الناشئة في دول العشرين. وعلاوة على ذلك، فهنالك حاجة ماسة إلى زيادة كفاءة الإنفاق الحكومي وإدارة الأصول العامة
ويضيف غسان الكبسي، المدير العام لشركة ماكنزي في المملكة العربية السعودية: "استثمار 4 تريليون دولار في الاقتصاد غير النفطي في المملكة العربية السعودية يشكل أساساً لازدهارها في المستقبل. كما يحتاج ذلك النمو الاعتماد على ثلاث ركائز رئيسية: قوة عاملة ماهرة، لتعزيز الإنتاجية والكفاءة؛ وبيئة تنظيمية ميسرة للأعمال تتسم بالشفافية؛ وإدارة مالية مستدامة ومرنة لمواجهة تقلبات أسعار النفط والحد من مخاطر الديون الحكومية التي قد تصبح عبئاً على الاقتصاد. ويُظهر سيناريو ’الإمكانات الكاملة‘ الذي قدمه التقرير إمكانية القطاع الخاص السعودي بالمساهمة بنسبة 84% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول العام 2030، مقارنةً بنسبة 38% اليوم. وتحتاج الحكومة إعادة صياغة مهامها للتركيز على تعزيز إنتاجية المواطن السعودي ليتمكن من تحقيق إمكاناته".