أظهر استطلاع أجرته جمعية المحاسبين القانونيين المعتمدين البريطانية ("إيه سي سي إيه") ومعهد المحاسبين الإداريين ("آي إم إيه")، أن الثقة بقطاع الأعمال واصلت تراجعها في الشرق الأوسط خلال الربع الثاني من عام 2015، ولكن ليس بالوتيرة نفسها التي كانت عليها في الأشهر الثلاثة الأولى من العام.
ويُعزى هذا التفاؤل الخجول في القطاع إلى الاستقرار المؤقت الذي شهدته أسعار النفط خلال الربيع الماضي، والذي أعطى أعضاء منظمة الدول المصدرة للبترول "أوبك" بصيص أمل لم يدم طويلاً حيث تبددت شعلته سريعاً نتيجة احتمالات عودة إيران إلى أسواق النفط في غضون عام.
وقال مشاركون في الاستطلاع أن الشركات في الشرق الأوسط، أكثر من أي منطقة أخرى، بدأت بالبحث عن فرص في أسواق جديدة في الأشهر الثلاثة الأخيرة، فقد سارت 43 في المائة منها على هذا النهج، في حين سعى أكثر من نصف الشركات (53 في المائة) إلى إيجاد طرق للحد من التكاليف خلال هذه الفترة الحرجة.
ولوحظ أن بعضَ الاقتصادات شهدت ربعاً أكثر صعوبةً مقارنة بغيرها.
فمن جهة دخلت المملكة العربية السعودية، التي لم تتوصل حتى الآن إلى مستويات ملموسة من التنويع الاقتصادي بعيداً عن النفط، في الصراع الداخلي باليمن خلال الربع الثاني من العام، فيما واصلت قطر من جهة أخرى ازدهارها نظراً لامتلاكها احتياطيات كبيرة من الغاز الطبيعي بدلاً من النفط، إلى جانب استثماراتها الجارية استعدادا لكأس العالم لكرة القدم 2022.
في غضون ذلك، يواجه الاقتصاد العالمي وفقاً للاستطلاع، فترة من التقلب والتعديلات الرئيسة.
وشهد الربع الثاني من عام 2015 ارتفاعاً ضعيفاً في أسعار النفط، والعديد من التخفيضات المتوقعة وغير المتوقعة في أسعار الفائدة من قبل البنوك المركزية، بالإضافة إلى انتعاشٍ في معنويات المستهلكين الغربيين وانهيار في سوق الأسهم بالصين.
وبحسب الاستطلاع، أدّت هذه الأحداث إلى فتور في الثقة بقطاع الأعمال في الربع الثاني من عام 2015 بعد ستة أشهر من التحسن.
ويمكن إرجاع هذا التباطؤ في الثقة إلى أكبر الاقتصادات في العالم: فقد تأثرت عدة أعمال تجارية في الولايات المتحدة بسبب عواصف الشتاء القاسية وتعطل الموانئ وقوة الدولار، في حين واجه قطاع الأعمال في الصين اقتصاداً متراجعاً في الربع الأول، وارتفاعاً محموماً في أسواق الأسهم خلال الربع الثاني من العام.
وبفعل هذه العوامل، فإن التباطؤ الاقتصادي في الصين والتحول الذي يرافقه من الاستثمار إلى النمو القائم على الاستهلاك، سيكون له أثر أكبر وطويل الأمد على أنماط التجارة العالمية، موجهاً بذلك ضربة قاسية إلى الشركات الرئيسية المصدرة للسلع في العالم بشكل خاص.
وتوقّع نحو نصف الشريحة المشمولة بالاستطلاع زيادةً في الإنفاق الحكومي خلال الأعوام الخمسة المقبلة، في حين توقع 35 في المائة عكس ذلك، كما أظهر الاستطلاع أيضاً أن الشركات لا تزال تسارع إلى خفض أعداد موظفيها عندما تواجه بعض الارتياب. ففي الربع الماضي من العام، عمد 41 في المائة من الشركات إلى تخفيض أعداد الموظفين أو إيقاف عملية التوظيف، أي نحو ضعف عدد الشركات التي زادت أعداد موظفيها خلال الفترة نفسها.
ويمثل ارتفاع التكاليف القلق العالمي الرئيسي حيث عبّر 46 في المائة من الشريحة المشمولة بالاستطلاع عن قلقهم من تأثير ارتفاع التكاليف، في حين تم وصف حركات أسعار صرف العملات الأجنبية بأنها مشكلةُ أكثر من ثلث الشركات الكبرى التي تملك سلاسل توريد عابرة للحدود.
الجدير بالذكر، أن الاستطلاع سجّل تبايناً إقليمياً كبيراً في العلاقة بين الثقة بالتوقعات الاقتصادية من جهة، والاستعداد لتعيين موظفين جدد من جهة أخرى. ففي أمريكا الشمالية، كان عدد الشركات التي تخلق فرص عمل جديدة في الواقع أكبر من تلك التي تعبّر عن ثقة أكبر في الاقتصاد. وعلى نقيض ذلك، فإن الثقة العالية نسبياً حتى الآن في جنوب آسيا وأفريقيا لم تُترجَم إلى استثمارات جديدة في الأفراد، وقد يعكس ذلك قدراً من التردد بخصوص استدامة نمو الأعمال التجارية في المناطق التي ما زالت تواجه العديد من التحديات الداخلية وعوامل الضعف الخارجية.
وقالت فاي شوا، رئيسة قسم الرؤى التجارية لدى جمعية المحاسبين القانونيين المعتمدين البريطانية ("إيه سي سي إيه"): "منذ حدوث الأزمة المالية العالمية في عام 2008، اعتُبرت الصين محركاً للاقتصاد في العالم. ولكن مع عودة الأسس المتينة من جديد إلى أوروبا والولايات المتحدة والغرب، فقد بدأ دورُ المستهلكين الغربيين في قيادة الطلب يعود إلى الواجهة".
وأضاف: "استشرافاً للربع المقبل من العام، فمن المتوقع ارتفاع الثقة العامة في أعقاب تقارير اقتصادية أقوى واردة من الولايات المتحدة والصين. إن هناك عدد من العوامل الحاسمة التي تؤثر على ذلك، ومن المرجح أن يعمد مجلس الاحتياطي الفيدرالي إلى رفع أسعار الفائدة في الولايات المتحدة قبل انتهاء الفصل، مما قد يقوي التوجه الحالي للعملة على الرغم من الأخذ المسبق للكثير من التأثيرات بعين الاعتبار".
واختتمت: "إن نتائج اجتماع منظمة ’أوبك‘ المقبل حول احتمال الحد من إمدادات النفط، ومدى قدرت رئيس الوزراء الهندي مودي بموجبها بتنفيذ برنامجه الإصلاحي للهند، بالإضافة إلى المفاوضات الجارية بين اليونان وبقية منطقة اليورو، ستكون من المسائل التي قد يكون لها بالغ الأثر على الثقة في قطاع الأعمال في النصف الثاني من عام 2015".