واصلت أسواق الأسهم زخمها الصعودي في الربع الأول من عام 2024 بعد الأداء المتميز الذي سجلته في 2023، حيث تخطت مكاسب مؤشر ستاندرد آند بورز 500 نحو 10% في الربع الأول وهي الأعلى منذ الربع الأول في عام 2019، وحقق مؤشر ناسداك المركب مكاسب بنسبة 9.1% مدفوعًا بأسهم التكنولوجيا وسجل مؤشر داو جونز مكاسب بنسبة 5.6%.
جاءت تلك المكاسب في ظل تفاؤل السوق بأن أسوأ ما في التضخم قد انتهي سواء في الولايات المتحدة أو على مستوي العالم، وتتوقع الأسواق المالية أن شهر يونيو سيكون الموعد الذي سيبدأ فيه البنك الاحتياطي الفيدرالي (على الأقل) تخفيضاته الثلاثة المتوقعة لأسعار الفائدة بمقدار ربع نقطة مئوية هذا العام.
وفي الوقت نفسه، تعمل البيانات الاقتصادية القوية على تعزيز ثقة المستثمرين في أن الاقتصاد سيشهد هبوطًا سلسًا، وأدى ذلك إلى ارتفاع أسواق تداول الأسهم وارتفعت السلع أيضًا بينما ضعف الدولار الأمريكي.
بعد عمليات البيع الناجمة عن الوباء في مارس 2020، أعطى التحفيز المالي والنقدي غير المسبوق للولايات المتحدة انتعاشًا صاروخيًا في جميع المجالات، وفي أواخر عام 2021 بدأ السوق في السقوط مجددًا، حيث انقلبت السياسة النقدية من التيسير الفائق إلى أسرع تشديد في التاريخ بدءا من مارس 2022، وما ارتفع منذ 2020 عاد إلى الانخفاض في تسلسل يكاد يكون مثاليا، وشهدت أسواق الأسهم تصحيحاً كبيراً وعلى وجه التحديد تصحيح بنسبة 30% في مؤشر ستاندرد آند بورز 500.
كيف يؤثر تغيير أسعار الفائدة على سوق الأوراق المالية؟
يبدو أن إشارة البنك الاحتياطي الفيدرالي إلى إمكانية خفض سعر الفائدة في عام 2024 تساعد في تعزيز معنويات المستثمرين الإيجابية.
أسعار الفائدة اليوم أعلى بكثير مما كانت عليه في مارس 2022 عندما بدأ البنك الاحتياطي الفيدرالي لأول مرة في رفع السعر المستهدف للأموال الفيدرالية قصيرة الأجل التي يتحكم فيها، خلال الأشهر الأولى من رفع أسعار الفائدة من قبل البنك الاحتياطي الفيدرالي عانى مؤشر ستاندرد آند بورز 500 من انخفاض بنسبة 25%، بحلول أواخر عام 2022 بدأت الأسهم في التعافي وحققت عائدًا قويًا في عام 2023 مع ارتفاع مؤشر ستاندرد آند بوزر 500 بأكثر من 26%، وفي الربع الأول من عام 2024 واصلت الأسهم زخمها حيث ارتفع المؤشر بأكثر من 10%.
وبدا أن المستثمرين يستجيبون بشكل إيجابي للاقتصاد الأمريكي القوي بشكل مدهش والاتجاهات الإيجابية لأرباح الشركات، ومع ذلك، لا يزال المستثمرون يتأثرون بسياسة سعر الفائدة الفيدرالية، إن التوقعات بتخفيض أسعار الفائدة في المستقبل من قبل البنك الاحتياطي يمكن أن يكون عاملاً مساهماً في بيئة الأسهم "الصاعدة" الحالية.
يهيمن على أداء مؤشر ستاندرد آند بورز 500 في الأسابيع الأولى من عام 2024 نفس النطاق الضيق من الأسهم الموجهة نحو التكنولوجيا والتي تفوقت على السوق الأوسع في عام 2023، ويمثل هذا القطاع من السوق الشركات التي قد لا تعتمد بشكل كبير على إصدار الديون وتكبد تكاليف فائدة أعلى.
كيف من المحتمل أن تؤثر أسعار الفائدة على سوق الأسهم على مدار عام 2024؟
استجابة للارتفاع التضخمي الذي بدأ عام 2021 رفع بنك الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة 11 مرة، من قرب الصفر في المائة إلى نطاق 5.25% إلى 5.50%، وكان آخر رفع لسعر الفائدة في يوليو 2023.
كانت استراتيجية البنك الاحتياطي الفيدرالي تتلخص في إبطاء النمو الاقتصادي وتشغيل العمالة للتخفيف من تهديد التضخم، في فبراير 2024 بلغ التضخم على مدى الأشهر الاثني عشر الماضية 3.2% وهو أقل بكثير من ذروته التي بلغها في منتصف عام 2022 عند 9.1%، لكنه لم ينخفض بعد إلى هدف بنك الاحتياطي الفيدرالي البالغ 2%.
يقول كبير مسؤولي الاستثمار في إدارة الثروات في بنك الولايات المتحدة "اريك فريدمان": يركز البنك الاحتياطي الفيدرالي بشكل كبير على تحقيق هدف التضخم على المدى الطويل بنسبة 2%.
يقول كبير مديري استراتيجية الاستثمار في إدارة الثروات في بنك الولايات المتحدة "روب هارووث": قد ينظر المستثمرون اليوم إلى البنك الاحتياطي الفيدرالي باعتباره عاملاً إيجابيًا للأسواق، وأضاف يبدو أننا الآن في مرحلة حيث لا يوجد أي زيادات أخرى في أسعار الفائدة لذلك يشعر المستثمرون أن بإمكانهم الاحتماء من ذلك، حيث يتوقعون أن الخطوة التالية للبنك الاحتياطي ستكون خفض أسعار الفائدة، يقول هاوورث إن السؤال الأكبر في هذه المرحلة هو توقيت مثل هذه التخفيضات في أسعار الفائدة.
التأثير المتنوع لأسعار الفائدة المرتفعة
يمكن أن تعني بيئة أسعار الفائدة المرتفعة اليوم أشياء مختلفة لأنواع مختلفة من الشركات، فعندما ارتفعت أسعار الفائدة لأول مرة في عام 2022 كان لها أكبر أثر على الأسهم ذات التقييمات المرتفعة بالفعل، وشمل ذلك أسهم التكنولوجيا الموجهة نحو النمو والتي ازدهرت في بيئة أسعار الفائدة المنخفضة.
في عام 2023 عندما بدا أن أسعار الفائدة تقترب من مستويات الذروة لهذه الدورة تغير التأثير، ينصب التركيز الآن على كيفية تأثير أسعار الفائدة على الشؤون المالية للشركة وهذا يؤثر سلبًا على شريحة مختلفة من سوق الأسهم وتحديداً الأسهم الصغيرة، تميل الشركات الصغيرة إلى الاعتماد بشكل أكبر على إصدار الديون، وبالتالي فإن تكلفة التمويل بأسعار فائدة أعلى تشكل مصدر قلق أكبر مما هو الحال بالنسبة للعديد من الشركات الكبرى، التي لديها المزيد من النقد وغالبا ما تصدر ديونا طويلة الأجل، وبدا أن الأسواق أدركت هذه الحقيقة، نتيجة لذلك، بعد أداء ضعيف للأسهم ذات رأس المال الصغير في عام 2022 تجاوزت أسهم النمو ذات رأس المال الكبير بكثير الأسهم الصغيرة في عام 2023 وبدأت عام 2024 في نفس الوضع المميز.
إن مصدر القلق الرئيسي الآن هو متى تصل قوة السوق إلى نطاق أوسع من سوق الأسهم، والتي لا تزال حاليًا مركزة على الأسهم الموجهة نحو التكنولوجيا، فالأسهم الدورية التي تستجيب عادة بشكل جيد لاقتصاد أقوى لم تشهد بعد دوران السوق، لا يزال هناك مجال كبير لتوسيع قوة السوق لتشمل المزيد من القطاعات، على سبيل المثال: قطاعات المرافق والعقارات حساسة للغاية لأسعار الفائدة، ومن المرجح أن تستفيد بمجرد أن تبدأ أسعار الفائدة في الانخفاض.
الاقتصاد الأمريكي يعزز الأسهم
في حين أن اتجاهات أسعار الفائدة يمكن أن يكون لها تأثير على سوق الأسهم، فإن الأداء يرتبط أيضًا ارتباطًا وثيقًا بقوة الاقتصاد الأمريكي، يقول "إريك فريدمان" كبير مسؤولي الاستثمار في إدارة الثروات في بنك الولايات المتحدة: مع قيام البنك الاحتياطي الفيدرالي برفع أسعار الفائدة، نتوقع عادةً تباطؤ النمو الاقتصادي، ولكن من المثير للدهشة أن الناتج المحلي الإجمالي نما بسرعة أكبر في عام 2023 (بنحو 2.5%) عما كان عليه في عام 2022 (1.9%)، وكان النمو الاقتصادي المستمر في مواجهة ارتفاع أسعار الفائدة يرجع في جزء كبير منه إلى الإنفاق الاستهلاكي القوي الذي يغذيه نمو الأجور فوق المتوسط.
ويشير فريدمان إلى أن النمو المتواضع في أرباح الشركات حدث في الربعين الأخيرين من عام 2023، وقال: إذا افترضنا أن أسعار الفائدة تقترب من الذروة للدورة الحالية، فمن المرجح أن يكون للاتجاهات الاقتصادية واعتبارات الشركة المحددة تأثير أكبر على أداء الأسهم في المستقبل، ويضيف قائلًا: إنه من المرجح أن يركز المستثمرون بشكل أكبر على عوامل مثل مدى سرعة نمو الشركات وما إذا كانت تشهد نموًا كافيًا في الأرباح.
ومع ذلك، لا تزال أسعار الفائدة أحد الاعتبارات بالنسبة لمستثمري الأسهم، تميل أسعار الأسهم إلى التتبع مع اتجاهات عوائد السندات على مدار عام 2023، فعندما ارتفعت أسعار الفائدة تراجعت أسعار الأسهم وعندما انخفضت الأسعار كان رد فعل الأسهم إيجابيا، لا يزال يتوقع الكثيرون استمرار نوع تقلبات السوق التي كانت موجودة منذ منتصف عام 2023، ينتظر السوق المزيد من الأخبار فيما يتعلق بتوقيت ومدى تخفيضات أسعار الفائدة الفيدرالية في عام 2024.
الطريق إلى الأمام
لا يزال السوق يركز بشكل كبير على قرارات البنك الاحتياطي الفيدرالي القادمة بشأن أسعار الفائدة، حافظ البنك الاحتياطي الفيدرالي على أسعار الفائدة بعد آخر رفع لأسعار الفائدة في يوليو 2023، وبعد اجتماعه في مارس 2024 أشار رئيس البنك الاحتياطي الفيدرالي "جيروم باول" إلى أن تخفيضات سعر الفائدة الفيدرالية من المرجح أن تكون في عام 2024، لكن توقيت هذه التخفيضات يظل علامة استفهام، حيث يركز الاحتياطي الفيدرالي بشكل كبير على تحقيق هدف التضخم على المدى الطويل بنسبة 2% (لا يزال أقل من المعدل الحالي البالغ 3.2%).
في حين أن أسعار الفائدة قد تتقلب صعودا وهبوطا على المدى القريب، إلا أنها ليست العامل الوحيد الذي يجب على المستثمرين في الأسهم أخذه في الاعتبار، أحد المتغيرات التي يجب أن نراقبها هو ما إذا كان انخفاض معدل التضخم يؤدي إلى أن تقييمات أسهم تبدو أكثر معقولية، وهذا يشير إلى أنه إذا انخفض التضخم عن المستويات الحالية فإن ذلك سيفيد تقييمات الأسهم بشكل عام.
ومع ذلك، قد تظل الأسهم عرضة للتقلبات على المدى القريب، من أجل رفع أسعار الأسهم يحتاج المستثمرون إلى الاعتقاد بأن الأرباح ستنمو بشكل أسرع مما تشير إليه التوقعات الحالية وتولد إمكانات نمو أكثر جاذبية من العوائد المرتفعة الحالية على أدوات الدخل الثابت.
السيناريوهات الاقتصادية
وبالنظر إلى المستقبل، هناك سيناريوهات مختلفة يمكن أن تحدث هذا العام:
1 .الهبوط الناعم: (الانكماش السريع):
ينخفض التضخم بشكل أسرع مما يعتقده الإجماع ويتباطأ النمو إلى وتيرة أقل من الاتجاه في عام 2024، وترتفع البطالة قليلا، ولكن الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي لا ينكمش، من الممكن حدوث انكماش مؤقت في أرباح الشركات لكنه لن يكون ذا معنى.
ومع ذلك، فإن اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة مضطرة إلى تخفيف السياسة مع اقتراب التضخم من هدف 2% لتجنب الارتفاع الحاد في أسعار الفائدة الحقيقية قصيرة الأجل، قد يبدأ الاحتياطي الفيدرالي في خفض أسعار الفائدة في شهر يونيو القادم، ويصل سعر الفائدة على الأموال الفيدرالية في النهاية إلى أدنى مستوياتها في نهاية عام 2025 عند حوالي 2.5% وهو مستوى أقل مما يخفضه السوق حاليًا، ومن المحتمل أن يكون هذا سيناريو إيجابيًا لأسواق الأسهم.
2 .الركود المعتدل: (تباطؤ التضخم السريع مع انخفاض معتدل في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي):
يعاني الاقتصاد من انكماش هذا العام تماشيا مع فترات الركود المعتدل السابقة (أوائل التسعينيات والعقد الأول من القرن الحادي والعشرين)، وهذا يفرض المزيد من الضغوط الهبوطية على التضخم الذي يقل عن هدف البنك الاحتياطي الفيدرالي البالغ 2% في وقت ما من عام 2024.
وقد يخفض الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة قصيرة الأجل ابتداء من الربع الثاني، وسواء كان التأثير على أسواق الأسهم سيكون إيجابيا أو سلبيا، فسوف يعتمد على مدى عمق الركود ومدى سرعة رد فعل الاحتياطي الفيدرالي.
3 .التضخم الثابت والركود: (التضخم الثابت والاقتصاد مرن في البداية ثم ركود عميق):
يظل الاقتصاد مرنًا أمام تشديد الظروف النقدية على مدى الأشهر الستة المقبلة، في حين يستقر تضخم الأجور والأسعار بمعدلات لا تتفق مع هدف التضخم الذي يحدده الاحتياطي الفيدرالي.
تستجيب اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة برفع سعر الفائدة على الأموال الفيدرالية بمقدار 50 نقطة أساس أخرى في النصف الأول من عام 2024 وإبقائها بالقرب من 6% لبقية العام، وتتسع فروق الائتمان المحفوفة بالمخاطر بشكل حاد مع توقع المستثمرين هبوطا اقتصاديا أكثر صعوبة والذي سيحدث في أواخر عام 2024 وأوائل عام 2025.
وفي نهاية المطاف، يتجه البنك الاحتياطي الفيدرالي إلى التيسير، ولكن بتردد فقط بسبب التضخم المرتفع العنيد، لن يكون لهذا السيناريو نتيجة إيجابية بالنسبة للأصول الخطرة، ومع ذلك، نعتقد أن السيناريو الأول أو الثاني من المرجح أن يحدث في عام 2024.