متلك دولة الإمارات مسيرة حافلة في العمل من أجل المناخ على المستويين المحلي والعالمي، حيث تتعدد الجهود التي تبذلها الدولة لمواجهة تداعيات التغير المناخي والتكيف مع تأثيراته المحتملة على النظم البيئية والقطاعات الاقتصادية، وتبنت الدولة في سياق هذه الجهود مجموعة من السياسات والمبادرات التي تسهم في الوصول إلى هدفها المتمثل في تحقيق الحياد المناخي بحلول 2050.
وتعمل وزارة التغير المناخي والبيئة، بالتعاون مع شركائها في القطاعين الحكومي والخاص، على تعزيز الجهود المبذولة للتعامل مع قضية التغير المناخي، حيث أطلقت في هذا الإطار عدداً من المبادرات لتعزيز التعاون والتنسيق مع كافة القطاعات لرفع مستوى طموحاتهم المناخية، وإشراكهم بشكل فعال في تحقيق الحياد المناخي، ودعم جهود الحد من الانبعاثات الكربونية.
وتعد مبادرة "تعهد الشركات المسؤولة مناخياً"، التي أطلقتها وزارة التغير المناخي والبيئة، من أبرز مبادرات دولة الإمارات للإيفاء بالتزاماتها المناخية العالمية، حيث يهدف التعهد إلى تعزيز مشاركة مؤسسات القطاع الخاص في توجهات الدولة لخفض الانبعاثات الكربونية، ومواكبة مستهدفات مبادرة الإمارات الاستراتيجية للسعي نحو تحقيق الحياد المناخي بحلول 2050، كما يمثل نواة لتحالف مستقبلي بين القطاع الخاص ومنظمات النفع العام والمنظمات الدولية ومن أهمها جمعية الإمارات للطبيعة بالتعاون مع الصندوق العالمي للطبيعة كشريك استراتيجي في تطبيق التعهد ودعم شركات القطاع الخاص في سعيها لتنفيذ خطط الحياد المناخي.
ويأتي التعهد ضمن استجابة دولة الإمارات إلى ميثاق غلاسكو للمناخ الذي يمثل المُخرج الرئيس لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ "COP26" الذي عقد في المملكة المتحدة في نوفمبر 2021، حيث دعا الميثاق إلى ضرورة رفع الدول طموحها المناخي لتعزيز قدرات مواجهة تحديات التغير المناخي.
وتعتبر قضية الحد من الانبعاثات الكربونية من أبرز القضايا التي تشغل اهتمام دول العالم، وفي هذا الإطار يحمل مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ "COP28" الذي يُعقد خلال الفترة من 30 نوفمبر إلى 12 ديسمبر من العام الجاري في مدينة إكسبو دبي، آمالاً وتطلعات طموحة من أجل تنفيذ التعهدات الدولية لخفض الانبعاثات، إضافة إلى تسهيل تحول العالم نحو نموذج الاقتصاد الأخضر منخفض الكربون، والخروج بحلول مبتكرة لمواجهة التغيرات المناخية والحد من تأثيراتها.
كما يبرز محور "الطريق نحو تحقيق الحياد المناخي" ضمن حملة "استدامة وطنية" التي تم إطلاقها مؤخراً تزامناً مع الاستعدادات لمؤتمر “COP28"، جهود دولة الإمارات في مواجهة التغير المناخي من أجل تحقيق أهداف الحياد المناخي بما يتماشى مع التوجهات الوطنية للدولة وخططها الاستراتيجية.
( خطط عملية طموحة )
تم إطلاق "تعهد الشركات المسؤولة مناخياً" العام الماضي خلال النسخة الرابعة من الحوار الوطني للطموح المناخي، حيث وقعت على التعهد حينها 21 مؤسسة من مختلف القطاعات، مثل الإسمنت والحديد والألومنيوم.
وتسهم مبادرة "تعهد الشركات المسؤولة مناخياً" في مواءمة جهود كافة القطاعات والمؤسسات في العمل المناخي مع التوجهات العامة لدولة الإمارات وتحقيق مستهدفاتها، كما يعتبر التعهد خطوة مهمة نحو ترسيخ قطاع صناعي مستدام يحافظ على البيئة ويواجه التغير المناخي، ويدعم النمو الاقتصادي المستدام.
وتلتزم المؤسسات الموقعة على التعهد بقياس انبعاثات غازات الدفيئة الناتجة عن أعمالها والإبلاغ عنها بشفافية تامة، ووضع خطط عملية طموحة لتقليل بصمتها الكربونية، ومشاركة هذه الخطط مع الجهات الحكومية المختصة للمساهمة في تحقيق الهدف الوطني للسعي نحو تحقيق الحياد المناخي بحلول 2050.
كما تلتزم بإدارة التخفيف من تداعيات التغير المناخي والتكيف معها ضمن القيم والمبادئ الأساسية لأعمالها ونماذج تشغيلها، واعتماد نهج شامل لإشراك الشباب والنساء والفئات الأكثر تأثراً من المجتمع في تطوير خططها للسعي لتحقيق الحياد المناخي.
( 106 شركات توقع على التعهد )
وتوالى انضمام شركات ومؤسسات القطاع الخاص إلى مبادرة "تعهد الشركات المسؤولة مناخياً" انطلاقاً من إدراك القطاع الخاص بمدى خطورة التحديات التي يفرضها تغير المناخ على البيئة وتنوعها البيولوجي ومواردها الطبيعية وقضايا الأمن الغذائي والمائي والصحة العامة.
وضمن أعمال الحوار الوطني العاشر للطموح المناخي الذي عقد في مايو الماضي، تعهدت 28 شركة عاملة في القطاع الصناعي في دولة الإمارات بتنفيذ أهداف لخفض الانبعاثات الكربونية، واتباع سبل أكثر استدامة في إدارة عملياتها، ليصل إجمالي الشركات التي وقعت على "تعهد الشركات المسؤولة مناخياً" حتى الآن 106 شركات من مختلف القطاعات في الدولة.
( تحالف الإمارات للعمل المناخي )
وفي خطوة مهمة لدعم المؤسسات التي شاركت في "تعهد الشركات المسؤولة مناخياً"، أطلقت جمعية الإمارات للطبيعة بالتعاون مع الصندوق العالمي للطبيعة ائتلاف "تحالف الإمارات للعمل المناخي"، الذي يتألف من الأطراف المؤثرة غير الحكومية، حيث يساهم التحالف في دعم الشركات الموقعة على التعهد وذلك من خلال رفع مستوى وعيهم وتقديم الأدوات اللازمة لتنفيذ وتحقيق أهداف الحياد المناخي.
ويهدف تحالف الإمارات للعمل المناخي إلى دعم مبادرة الإمارات الاستراتيجية لتحقيق الحياد المناخي وتشجيع العمل الجماعي بما يتماشى مع الأبحاث العلمية واتفاقية باريس للمناخ.
( التعهد المناخي للقطاع العقاري )
بمبادرة مشتركة بين وزارة التغير المناخي والبيئة وشركة الدار العقارية، تم إطلاق التعهد المناخي للقطاع العقاري والذي يعد مكمّلاً لـ"تعهد الشركات المسؤولة مناخياً"، كما يعزز أوجه التعاون المشترك بين حكومة الإمارات والشركات والمؤسسات، التي تتطلع إلى تقديم مساهمات فاعلة في تحقيق الحياد المناخي.
ووقعت 29 شركة عاملة في نشاطات مختلفة في قطاع العقارات والإنشاءات من جميع أنحاء دولة الإمارات على التعهد المناخي للقطاع العقاري، حيث يدعم الموقعون على هذا التعهد جهود مبادرة الإمارات الاستراتيجية لتحقيق الحياد المناخي بحلول عام 2050، وذلك من خلال الالتزام بنشر أهدافهم لخفض معدلات الكربون قبل انعقاد مؤتمر " COP28 " في دبي.
وتختص الشركات الـ 29 الموقعّة على التعهد بمجالات التصميم والاستشارات، والهندسة، والتصنيع، والبناء، وخدمات الطاقة، وخدمات المرافق؛ وبالإضافة إلى التزامها بالإعلان عن أهدافها لخفض معدلات الكربون، ستعمل هذه الشركات أيضاً على تبادل الخبرات وأفضل الممارسات بهدف استكشاف الطرق الأنسب لخفض الانبعاثات الكربونية عبر سلسلة القيمة لقطاع البناء والتشييد، فضلاً عن تشارك البيانات للمساعدة في تحسين آليات احتساب الانبعاثات الكربونية والإبلاغ عنها على امتداد دورة حياة الأصول العقارية.
يذكر أن تقرير "تعزيز رأس المال الطبيعي .. أولوية ملحة أمام الشرق الأوسط" الذي أصدرته مؤسسة القمة العالمية للحكومات مؤخراً؛ أكد ضرورة تضمين الشركات في القطاع الخاص والمؤسسات المالية في الشرق الأوسط تقاريرها قدراً أكبر من المعلومات المتعلقة بتأثير أعمالها على الطبيعة، ومدى اعتمادها عليها.
وأشار التقرير إلى أهمية تعزيز التعاون والشراكات بين الحكومات والمؤسسات الرائدة في القطاع الخاص، بما يضمن تحقيق الأهداف وتعزيز المسؤولية المشتركة لإيجاد حلول سريعة للتحديات المتعلقة بالطبيعة، بالتركيز على التغير المناخي والتصدي لها.
وقال التقرير إنّ إسهامات القطاع الخاص في منطقة الشرق الأوسط في معالجة الخسائر المتعلقة بالطبيعة قليلة، مشيراً إلى أنه رغم ذلك، فإنّ اعتماد الأطر والعوامل الداعمة المناسبة قد يُعزز دور القطاع الخاص بشكل ملموس، كما اتضح من جهوده في معالجة تحديات التغير المناخي.
المصدر : وام