تزخر دولة الإمارات العربية المتحدة بعناصر تراثية وثقافية تجسد رسوخ الهوية والثقافة الأصيلة، وتحرص على إحياء هذا التراث الشعبي ضمن المساعي الحثيثة لإثراء الحياة الثقافية. وتواكب هيئة الثقافة والفنون في دبي "دبي للثقافة" توجهات الحكومة الرشيدة نحو توثيق التراث الوطني، والحفاظ على الموروث الإماراتي والاحتفاء به في مختلف المحافل، وتعريف المجتمع بكل تفاصيله، حيث تترك بصمات واضحة في إبقاء صور الحياة القديمة حاضرةً في أذهان أفراد مجتمع الإمارات من خلال إدارتها لبعض المواقع التراثية ومتاحف الإمارة، إلى جانب إقامة العديد من المهرجانات والفعاليات والمبادرات على مدار العام. ويأتي ذلك أيضاً تماشياً مع رؤية "دبي للثقافة" لجعل دبي مركزاً عالمياً للثقافة وملتقى للمبدعين وحاضنة للمواهب، عن طريق إثراء المشهد الثقافي والتراثي والفني للمدينة، وتعزيز التنوع الثقافي والتلاحم الاجتماعي فيها.
تدير الهيئة مجموعة من المواقع التراثية والتاريخية في إمارة دبي، والتي تعكس جوهر المدينة الغني وتراثها العريق، وتبرز نمط الحياة التقليدية الذي كان سائداً فيها. من أبرز تلك المواقع حي الفهيدي التاريخي، حيث المباني ذات البراجيل الشامخة، والمشيدة بمواد البناء التقليدية من الحجر المرجاني، والجص، وخشب الساج، وخشب الشندل، وسعف وجذوع النخل؛ متراصة بشكل تلقائي تفصل بينها الأزقة والسكيك والساحات العامة، التي تضفي عليها تنوعاً جمالياً طبيعياً. فضلاً عن حي الراس التاريخي ببيوته التراثية وأسواقه التقليدية ذات التصاميم الاستثنائية بحواريه وأزقته المتقاربة التي تفوح بروائح البخور والعطور وتتزين بألوان التوابل والمنسوجات، وتغمرها أجواء شعبية تعكس عراقة المدينة.
وتقدم مجموعة مميزة من المتاحف التي تتولها دبي للثقافة إدارتها تجارب ثقافية تحتفي بالموروث الشعبي وتستعرضه بطرق تفاعلية في ظل استخدام أحدث التقنيات. إلى جانب تنظيم باقة من الورش التخصصية. وزيارة لمتحف الشندغة تعدك بإعادة اكتشاف تاريخ إمارة دبي العريق وكنوزها التراثية.
وعلى صعيد المبادرات هناك "مهرجان دبي وتراثنا الحي" الذي تنظمه الهيئة سنوياً في القرية العالمية بدبي، سعياً منها لإبقاء التراث حياً في أذهان الجيل الناشئ، وإطلاع أكبر عدد من زوار القرية العالمية على مفردات الموروث الإماراتي، خاصة وأنها أصبحت ملتقى للعالم، حيث تجمع السياح من مختلف بقاع الأرض. ويوثق هذا المهرجان تفاصيل التراث والحياة في الماضي، ليوصل رسالة التلاقح الثقافي والتواصل الإنساني بين الشعوب من مختلف الثقافات والجنسيات، وذلك عبر إحياء باقة من عناصر التراث المحلي التي تركز على الحرف التقليدية؛ مثل سف الخوص (السعفيات(، قرض البراقع، الدخون والعطور، صياغة الفضة، صناعة القهوة الإماراتية. وضمن مساعيها لإحياء صناعة الأجداد نظمت الهيئة "مهرجان الفخار الثقافي" في حي الفهيدي التاريخي بدبي، وذلك حفاظاً على مهنة صناعة الفخار من الاندثار، وهو يعد من الأحداث المهمة على الأجندة الفنية التي يترقبها عشاق الفن والثقافة. ويشكل المهرجان إطلالة على عالم من الجماليات المصنوعة من الطين، التي تبدأ من الأواني الخاصة بالمياه لتصل إلى الأوعية المستخدمة للشرب أو تناول الطعام أو المبخرة. ويتماشى تنظيم فعالية "ليالي حتا الثقافية" مع مهمة "دبي للثقافة" للحفاظ على الموروث الوطني ونقله للأجيال القادمة، كون إبراز الحرف التقليدية تعد نتاجاً طبيعياً لمظاهر الحضارة، وجاءت أمسيات الشعر النبطي كإحدى وسائل التواصل الملهمة للتعبير عن ثقافة المجتمع.
وبهدف نشر الثقافة التراثية، وصون التراث وحمايته ليبقى حياً بين أجيال المستقبل، أسست "دبي للثقافة"، مراكز للتنمية التراثية بمدارس دبي الحكومية، وجامعة زايد في دبي، لتكون منبراً تعليمياً تثقيفياً لتراث دولة الإمارات الأصيل ليجسد حياة الأجداد بشكل ملموس ويرسخ القيم في نفوس الطلبة وينمي مهاراتهم من خلال المحاضرات وجلسات السنع والورش والندوات، والعديد من الأنشطة التراثية.
وتحت عنوان "نحو بناء القدرات المؤسسية لصون الحرف اليدوية التقليدية" نظمت الهيئة أيضاً منتدى صون التراث الثقافي الإماراتي، أطلقت خلاله استراتيجية الحرف اليدوية التقليدية في دبي. وجاء المنتدى لتعزيز جهود الهيئة الهادفة إلى تسجيل عدد من ركائز التراث الوطني في القائمة التمثيلية للتراث الثقافي بمنظمة اليونسكو، انطلاقاً من ترشيح حرفة التلي كبادرة أولى من نوعها في الحفاظ على تقاليد المرأة الإماراتية على المستوى الإقليمي.
يحمل يوم التراث العالمي هذا العام شعار "الثقافات المشتركة، التراث المشترك، المسؤولية المشتركة"، ولأول مرة منذ إقراره عام 1972، يأتي في وقت قررت فيه حكومات دول العالم غلق أبواب المتاحف والمواقع الأثرية أمام الزائرين، تماشياً مع الإجراءات الاحترازية لضمان صحة وسلامة المجتمع، وللحد من انتشار فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19). وفي ظل التباعد الاجتماعي الحالي، فإن ملايين الأشخاص حول العالم يبحثون عن الثقافة للتغلب على عزلتهم. وفي محاولة من "دبي للثقافة" لإيجاد طرق مثلى تمكّن كل فرد في مجتمع الإمارات من الحفاظ على صلته بالتراث والثقافة المحليين اللذين يشكلان بعداً جوهرياً لإنسانيته، فإنها تعمل على توفير جميع المعلومات الخاصة بالفعاليات التراثية لأفراد المجتمع عبر المقالات الصحفية، ومن خلال وسائل التواصل الاجتماعي التي تستثمرها للحفاظ على تفاعل الجمهور مع برامجها، وتزويده بمعلومات ثقافية وتراثية على نحو مستمر.
في إطار حرص الهيئة على إبقاء الجمهور على اطلاع دائم على المحتوى الثقافي والتراثي عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي والتقنيات الحديثة، وذلك نظراً للإغلاق المؤقت لهذه المتاحف والمواقع التراثية، بادرت الهيئة بالتعاون مع "دبي 360"، أكبر جولة تفاعلية عبر شبكة الإنترنت لاستكشاف المدن في العالم، إلى استعراض بعض المواقع التراثية والثقافية التابعة لها من خلال موقع "دبي 360" الإلكتروني.
التراث ثروة خلفها الأجداد كي تكون منبعاً يستقي منه الأبناء العبر ويستلهموا نهجاً يكون أساساً لعبورهم من الحاضر إلى المستقبل. انطلاقاً من ذلك، فإن الحفاظ على الموروث التراثي الإماراتي هو من أولويات "دبي للثقافة"، وسيبقى إحياؤه وترسيخه في ذاكرة ووجدان أبنائها هدفاً تسعى إلى تحقيقه بكل الوسائل الممكنة ومهما كانت الظروف والتحديات.