٢٣ جمادى الأولى ١٤٤٦هـ - ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤م
الاشتراك في النشرة البريدية
عين الرياض
الثقافة والتعليم | الخميس 18 مايو, 2017 2:46 مساءً |
مشاركة:

باريس تحتفي بـ "شاعر المليون" و "أمير الشعراء"

استضافت منظمة اليونسكو اليوم الخميس ندوة بعنوان " دور الإعلام في عملية إحياء الشعر "، بتنظيم من جمعية الصحافة الأوروبية للعالم العربي، وذلك بمشاركة كل من الكاتب والمخرج معالي فريديريك ميتران وزير الثقافة الأسبق في الجمهورية الفرنسية، وسعادة د.علي بن تميم مدير عام شركة أبوظبي للإعلام والأمين العام لجائزة الشيخ زايد للكتاب، والسيد عيسى سيف المزروعي نائب رئيس لجنة إدارة المهرجانات والبرامج الثقافية والتراثية بأبوظبي، والأستاذ سلطان العميمي مدير أكاديمية الشعر في اللجنة، وأدار الندوة السيد باسكال ايرولت كبير صحافيي جريدةopinion الفرنسية.

 

- وقد أشاد معالي فريديريك ميتران بالدور الثقافي الكبير الذي تلعبه أبوظبي على مستوى العالم، وبأهمية برنامجي شاعر المليون وأمير الشعراء ودورهم التثقيفي للجيل الجديد والمساهمة في تعزيز الاهتمام بالشعر أحد عناصر التراث الثقافي للبشرية. - فيما بادرت جمعية الصحافة الأوروبية ممثلة برئيسها السيد نضال شقير بإهداء دروع تذكارية لسعادة سفير الإمارات وللمشاركين في الندوة.

 

- كما ألقى سعادة السفير عبدالله علي مصبح النعيمي مندوب دولة الإمارات الدائم لدى منظمة اليونسكو كلمة ترحيبية بالحضور المُحتفين بالثقافة الإماراتية، حيث هنأ سعادته المنظمين على هذه المبادرة للاحتفاء بكبار مثقفي دولة الإمارات. واستشهد بعبارة للمغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان – طيّب الله ثراه – قال فيها "إنّ الهدف الأول والأخير للمعركة الحضارية هو الإنسان، والشعر أحد هذه الأسلحة لمعانيه ودلالاته وجمالياته"، ولعلّ هذه العبارة تفسّر الأهمية القصوى التي تحصدها برامجنا الثقافية والفكرية التي بلورت دور الإمارات في المشهد المعرفي العربي والعالمي. ونحن على العهد الثقافي باقون، نواجه التشوّه في الفكر وانسداد الأفق بالتطرف ونبذ الآخر، بالعلم والشعر والتنمية وريادة آفاق الرقي والحداثة.

 

- وقال د.علي بن تميم مدير عام شركة أبوظبي للإعلام وعضو لجنة تحكيم برنامج "أمير الشعراء"، إنّ العلاقة بين الشعر والإعلام، لاسيما حين نتحدث عن الشعر العربي، ليست بالعلاقة الجديدة أو الطارئة، ولعلنا نتوقف هنا عند ظاهرة سوق عكاظ والمعلقات الشعرية في مرحلة ما قبل الإسلام. لقد كان الشعر في ذلك الوقت هو صانع الخطاب العام والمعبّر عن ضمير الجماعة وأحوالها وثقافتها وتاريخها، وفي كثير من الأحيان كنا نرى الشاعر يتنكّب دور حكيم القبيلة، وقد احتاج ذلك الشاعر إلى منبر يوصل من خلاله شعره، ويكون نقطة الانطلاق إلى أماكن وفضاءات أوسع، بل إنه يبدأ في اتخاذ حيزه في الذاكرة الجمعية من خلال تلك المنابر.

 

فالمنبر الشعري – كما ذكر د.علي - كان منذ القدم وعبر مختلف المراحل جزءاً من العملية الشعرية، ونلحظ أنه كان هناك دوماً منبران للشعر في الحياة العربية العامة: منبر شعبي يتخذ مكانه في الأسواق على وجه الخصوص، ومنبر نخبوي يتجلى في مجالس الأشراف أو في بلاطات الملوك. وفي الحالين برز شعراء اشتهروا بقدرتهم على الإلقاء والتأثير في الجمهور وبات لهم حفظة لشعرهم يرافقونهم في المحافل والمناسبات أو يجوبون الآفاق ويوصلون تلك الأشعار إلى الأماكن البعيدة. وتحفل كتب التراث العربي بالأمثلة والمشاهد عن شعراء يقفون ويلقون الشعر بأوصاف تأخذ في الحسبان شكل الشاعر وملابسه وطريقة وقوفه وقدرته الإلقائية على لمس شغاف القلوب والتأثير في الحاضرين، بما يعني أن فن إلقاء الشعر هو تاريخياً جزء تكويني من الشعر العربي.

 

ولعلّ من المفيد التوقف هنا عند الغناء بوصفه منبراً إضافياً أو وسيطاً أساسياً من منابر ووسائط إيصال الشعر في التراث العربي. وليس غريباً أن يحمل أحد أمهات الكتب التراثية العربية عنوان "الأغاني"، وهو تحفة أبي الفرج الأصفهاني المعروفة، حيث توصف الأغنية بكلمة "صوت"، وهو الاسم الذي ظلّ مستخدماً حتى مطلع القرن العشرين، في عملية تماه بين القصيدة وإلقائها، فصوت القصيدة في كثير من الأحيان هو القصيدة نفسها، وفي كثير من الأحيان وجدنا أنه يكون أكثر حضوراً من القصيدة نفسها وما يستوقفني شخصياً في هذه المسألة هو تلك العلاقة المبكرة بين المرسل (الشاعر) المتلقي، وكم من مؤلفات وضعت لشرح هذه العلاقة وخصائصها وفنونها وأدواتها، بما يعكس ثقلها الجلي في الوعي العربي العام عبر العصور.

 

في العصر الحديث بدأ الشعر العربي يفقد تدريجياً هذه الخاصية المهمة، أي الأداء، بل وجدنا أن كلمة "منبر" في حدّ ذاتها تحولت سبباً للانتقاص من الشعر أو من شعراء معينين، وهذه مسؤولية مشتركة بين الشعراء وجمهور الشعر على السواء. فمن جانب الشعراء وجدنا القصيدة تنحو أكثر فأكثر نحو الإنشائية والصراخ والبرانية والموسيقى اللفظية والإيقاعات الحماسية، وفقدت الكثير من العمق الذي كان يميزها في السابق، فبات شعر المنبر يوازي لدى الكثيرين انعدام اللمعة الشعرية والموهبة واستغلال الشعر في خطابات سياسية أو أخلاقية لا تمتّ للإبداع الشعري بصلة. أما من جهة جمهور الشعر فوجدنا أنه بات أيضاً غير متطلب وغير نقدي كما كان في مراحل سابقة، فبات الاستسهال سمة والتكرار عنصراً متكرراً.

 

لقد شهد القرن العشرين العديد من الشعراء الكبار ينزعون إلى الجمع بين اللمعة الشعرية والخطابية، نذكر منهم الجواهري والرصافي وسعيد عقل ونزار قباني ومحمود درويش وغيرهم، ممن اشتهروا بفنهم في إلقاء الشعر وشكل أداؤهم أمام الجمهور حضوراً موازياً لنصهم الشعري المتداول عبر الدواوين الشعرية أو المجلات والصحف. لكننا في الوقت نفسه شهدنا، وللأسباب آنفة الذكر، نوعاً من الانصراف عن فن إلقاء الشعر، أي عن حضور جسد القصيدة في صوت الشاعر، أو جسد الشاعر في صوت القصيدة، وقد ارتكبت الحداثة الشعرية العربية خطأ فادحاً حين صورت وجود تناقض بين الشعر أو القصيدة وإلقائها، وبتنا نجد شعراء يتفاخرون بأنهم لا يكتبون لأحد ولا يريدون لقصيدتهم أن تصل لأحد. ومع التفهم التام لهذا الاتجاه الحداثي، فإنه يبقى مرتبطاً بشعراء بعينهم يعيشون العزلة بوصفها فضائهم الإبداعي الطبيعي، وهذا رأيناه أيضاً في الغرب، لكن المشكلة الحقيقية حين يتحول إلى اتجاه عام ويصبح جزءاً أو حتى شرطاً من الخطاب الشعري.

 

وقد رأينا في الغرب عموماً أن العلاقة بين الشاعر والجمهور استمرت مع التيارات الحداثية، ورأيناها تظهر على المسرح أو في الفنون الأدائية أو في مقاطع الفيديو، إلخ، وكلها تهدف إلى تحقيق الغرض نفسه وهو إقامة علاقة مع المتلقي، بحيث يكون التفاعل معه جزءاً من حياة القصيدة وتطورها، وحتى الشعراء الشباب اليوم يجتهدون في إيجاد صيغ تطويرية لإيصال القصيدة إلى الناس، خصوصاً وأن الانكفاء عن عملية إيصال الشعر، أدى في النهاية إلى عزلة الشعر نفسه، وفقدانه أهميته وتأثيره وحضوره، فبدأنا نرى مجدداً أشكال الإلقاء تعود بقوة، خصوصاً بين الشباب، حيث رأوا أن الشعر لا يستطيع الاستمرار في الانكفاء وتجنب اختبار الاحتكاك المباشر بالجمهور.

 

في هذا السياق برز على سبيل المثال برنامجا أمير الشعراء وشاعر المليون في أبوظبي عاصمة دولة الإمارات العربية المتحدة، ومن المهم الإشارة هنا إلى أن بروز هذين البرنامجين التلفزيونيين جاء بالتوازي مع إطلاق دولة الإمارات عموماً وأبوظبي خصوصاً العديد من البادرات الثقافية والفنية، إدراكاً من قيادة الدولة، وعلى وجه الخصوص صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، إلى أهمية مثل هذه البادرات في النهوض الحضاري والتنموي، وفي مواجهة التيارات المتشددة والمتطرفة التي تتمسّح بمسوح الدين، ولمنح الشباب بيئة خصبة للتعبير عن أنفسهم وتطوير قدراتهم ومهاراتهم، وهو ما توّج قبل فترة قصيرة بتأسيس مجلس القوة الناعمة الإماراتية الذي يهدف إلى الاستثمار في الإنسان والمعرفة وسيلة للتطوير والنهوض نحو المستقبل.

 

وبصفتي عضواً في لجنة تحكيم برنامج أمير الشعراء منذ تأسيسه قبل نحو تسع سنوات، فقد شهدت ذلك الإقبال الكبير، سواء من هواة الشعر أنفسهم أو من الجمهور على متابعة البرنامج، إذ جاء ليملأ ثغرة كبيرة في الواقع الإعلامي العربي وليعيد الاعتبار إلى الشعر وفنون إلقائه أمام الجمهور، وعاماً بعد الآخر، يزداد حضور هذا الجمهور وتتسع رقعته، كما يطور البرنامج نفسه ليصل إلى شرائح أوسع، وليقدم محتوى إعلامياً وفنياً أفضل شكلاً ومضموناً. والأمر نفسه ينطبق على شاعر المليون للشعر النبطي، أو المحكي الخليجي، وفي الحالين فإن تجربة حضور الشعر في الإعلام الجماهيري على وجه الخصوص، أي التلفزيون، قد أثبتت نجاعتها، بل ضرورتها، وهو ما يعني أن كل الدعاوى السابقة حول عزل الشعر لا يمكن ولا يجب تعميمها.

 

وفي ختام كلمته ذكر د.علي بن تميم أنّه ربما تختلف الرؤى والمقاربات حول حضور الثقافة عموماً والشعر خصوصاً في وسائل الإعلام الجماهيرية، لكنّ هذا الاختلاف لا يجب أن يمنع أو يحجب ضرورة هذا الحضور، أما الكلام الذرائعي الدائم عن أن الجمهور غير مهتم بالثقافة، فهو كلام غير صحيح، وهو مسؤولية الوسائط الإعلامية في المقام الأول المطالبة بأن ترفع جرعة الابتكار والتجديد وتقديم الأفكار الجديدة التي تدفع الجمهور، لاسيما جمهور الشباب إلى التفاعل معها، وهو دور الحكومات والمؤسسات أن تسعى إلى إلغاء مثل هذه الحواجز، وعدم التذرع بذرائع واهية من قبيل السوق، وعدم تحقيق البرامج الثقافية للربحية المطلوبة، ذلك أنه ولو سلمنا جدلاً بصحة ذلك، وهو أمر غير صحيح بالمطلق، فإن الربح الأعظم يتحقق على المدى المتوسط والبعيد، ويتجسد في تطور الذائقة والارتقاء بالوعي الثقافي والإنساني، وتعزيز قيم الحوار والتسامح، وخلق فضاءات للتعبير الشبابي، وهو ما يحمي أيّ أمة من الأمم من التحجر والسقوط في فخّ الخطابات المتشنجة والمتطرفة والعنيفة.

 

- من جهته قال السيد عيسى سيف المزروعي نائب رئيس لجنة إدارة المهرجانات والبرامج الثقافية والتراثية بأبوظبي: "ونحن نلتقي بكم اليوم في باريس -الملتقى التاريخي للثقافة والفن في العالم-، فإنّما نفتح أفقاً جديداً لبناء أخلاقيات المحبة والتفاعل الثقافي بين البشر، وبفضل ذلك بقينا منذ آلاف السنين، وبها سنبقى.. وها هي الآن أبوظبي: جسرٌ لثقافتنا وثقافتكم جميعاً".

 

وأكد أنّ تأسيس أبوظبي لمشاريعها الثقافية يُجسّد مواكبة لاستراتيجيتها المستقبلية 2030، وبما يشكل متابعة لتنفيذ رؤية المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان مؤسس دولة الإمارات العربية المتحدة، في الحفاظ على هوية وثقافة شعب الإمارات وتعزيزها. ونحن نفخر اليوم ونعتز، وبعد مرور 10 سنوات على انطلاق تلك المشاريع الرائدة، بأن عاصمة الدولة تحوّلت إلى مركز ثقافي إنساني رائد، يحظى باهتمام المؤسسات الدولية والإعلام العالمي.

 

وأوضح المزروعي أنّ أجندة أبوظبي الثقافية تنطلق من إدراك المخاطر التي تواجه الثقافة، وحفظها في عالم يتغير بسرعة هائلة تهدد الهوية التراثية للشعوب بالاضمحلال. فصون التراث الثقافي يواجه اليوم تحديات عولمة الثقافة التي تفرض نمطاً واحداً يسبب تآكل الشخصية الثقافية الوطنية. ويضطلع تخطيطنا الاستراتيجي بمهمة حماية وحفظ وتشجيع الثقافة والتراث بالتوافق مع الاستراتيجية الشاملة لحكومة أبوظبي، وضمن المحاور والتوجهات والأولويات للأجندة الحكومية، وخاصة فيما يتعلق ببناء قطاع حكومي يتميز بالمهارة والكفاءة وفاعلية الأداء، ودعم وتشجيع الروح الإبداعية في ميادين الأدب والفن والموسيقا والسينما والمسرح، وفي الوقت نفسه تعزيز التفاعل بين المُبدعين الشباب في إمارة أبوظبي وسائر المبدعين في العالم.

 

واليوم فإنّ دولة الإمارات تفتح أبوابها لتحتضن على أرضها الطيبة جميع المواهب الأدبية والعلمية من مختلف أنحاء العالم، لأنّ العلم والثقافة هما المعيار الحقيقي الذي يعكس صورة أية أمة، وبدون عقول المُبدعين وقلوبهم لا يمكننا الخروج بالصورة التي عزمنا على رسمها. وهو ما ينسجم مع "برنامج تنمية المواهب" الذي أطلقه مؤخراً سمو الشيخ هزاع بن زايد آل نهيان نائب رئيس المجلس التنفيذي لإمارة أبوظبي، بتوجيهات ومتابعة من صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة. وتهدف هذه المبادرة الرائدة إلى اكتشاف مواهب الناشئة، وإطلاق الطاقات القادرة على المُساهمة في الإنتاج الثقافي والفني، وبما يتناسب مع الصورة الحضارية المشرقة لأبوظبي ودولة الإمارات.

 

ولقد شهدت البرامج الشعرية الفريدة التي أطلقتها أبوظبي خلال 10 سنوات نجاحا منقطع النظير، وتابعها مشاهدون بالملايين من مختلف أنحاء العالم، ووصل الشعر إلى كل بيت عربي. وتمكّن الأدب العربي من خلال برنامج "شاعر المليون" و "أمير الشعراء" من استعادة مجده والمحافظة على مكانته، وبذلك أدخلت البرامج التلفزيونية الشعر التقليدي عصر الإعلام الحديث وأعادته إلى زمنه الذهبي. وقد نال الشعراء ما يستحقونه من اهتمام إعلامي غير مسبوق، وتابعتهم أيضاً الصحافة بشكل ملفت. وذلك في ظل هيمنة البرامج غير الهادفة على عدد كبير من الفضائيات العربية.

 

واليوم فإنّ، 521 شاعرا (تراوحت أعمارهم ما بين 18-45 سنة)- لم تتوفر لهم من قبل منابر إعلامية مناسبة تُتيح ظهورهم - استطاعت أبوظبي تقديهم لعشاق الشعر العربي وأضحوا نجوما في سماء الإعلام، منهم 336 شاعرا من 17 دولة عربية في برنامج شاعر المليون منذ عام 2006، و 185 شاعراً من 21 دولة في برنامج أمير الشعراء منذ عام 2007. ومن بين هؤلاء الشعراء الموهوبين 50 شاعراً مُبدعاً من دولة الإمارات (42 شاعراً إماراتياً في برنامج شاعر المليون، و 8 شعراء إماراتيين في برنامج أمير الشعراء)، ونحن نفخر في أبوظبي أننا كنا الوسيلة التي عملت على اكتشافهم.

 

وأكد أنّ هذه البرامج تمنح الفرصة لأي مُبدع للمشاركة على أساس موهبته الفردية، كما تعطي المشاهدين الحق في التصويت الأمر الذي يعني تطوراً جذرياً في التقاليد الجماهيرية العربية. ولم يكن لهذا النجاح المُبهر أن يتحقق لولا الدعم اللامحدود للشعر والأدب والثقافة من قبل الحكومة لتقديم كل وسائل الدعم للثقافة والأدب والشعر، في إطار استراتيجية إمارة أبوظبي لحماية هويتها الوطنية. هذا بالإضافة إلى العوامل المرتبطة بالجانب الإعلامي والترويجي، والطريقة الإخراجية والتقنية التي يتم بها تنفيذ البرامج، علاوة على متانة الأسس التي تقوم عليها من الناحية الفنية والعلمية الموضوعية، ووجود لجان تحكيم خبيرة تتمتع بمصداقية كبيرة في العالم العربي.

 

وقد رأى باحثون جامعيون بأنّ هذه البرامج التلفزيونية الثقافية يجب أن تستمر ويتم دعمها كونها تعمل على تأصيل ثقافتنا وموروثنا الأدبي في نفوس المراهقين والمراهقات، حتى لا ينشغلوا بمتابعة برامج مُستنسخة لا تحمل أيّ مضمون ثقافي.

 

واعتبر المزروعي أنّ الثقافة بمفوهمها الواسع هي خير حافظ للهوية الوطنية، والتفاعل مع الثقافات الأخرى يزيدنا تمسكاً بتراثنا وصوناً له، وعلى عاتقنا جميعاً تقع مسؤولية حماية التراث الإنساني وتعزيزه. وفي عام الخير الذي اتخذته دولة الإمارات شعاراً لها لسنة 2017، تبقى دار زايد بلد المحبة والتسامح والسلام، ورمز العطاء والتآخي الإنساني وحوار الحضارات والثقافات.

 

وفي الختام، توجّه بخالص الشكر والتقدير لمنظمة اليونسكو خير مُعبّر عن هذه الرؤى التي تجمعنا، فهي منذ تأسيسها كمنظمة وكمفهوم دأبت على العناية بتكثيف الحوار بين الحضارات والثقافات، وبالدفاع عن التعددية الثقافية والبعد عن الأحادية في التفكير واللغة والهوية. كما شكر كافة المُشاركين والحضور في هذه الندوة من معهد العالم العربي وجامعة السوربون ومنظمة الفرانكفونية، ووسائل الإعلام المختلفة.

 

وأكد أنّ الثقافة تعشق الارتحال عبر الزمن بين الشعوب والمُدن، وحيثما تجدون أن الثقافة تنبت جذورها، فهذا دليل على أنها تجد التربة الإنسانية المناسبة، وها نحن اليوم في باريس نحتفي معاً بالأدب وبالتراث الثقافي الإنساني المشترك.

 

- وبدوره أكد الأستاذ سلطان العميمي مدير أكاديمية الشعر بأبوظبي، أنّ دولة الإمارات أخذت على عاتقها تنفيذ العديد من أهم المشروعات التي نجحت خلال عقد من الزمان في إعادة الحراك للمشهد الثقافي الإماراتي والعربي، وتندرج في إطار التنمية الثقافية التي تحافظ على ثقافتنا المحلية وتمنحها بُعدها العربي والدولي، وضمن هذا السياق تمّ منذ عام 2006 إطلاق برنامج شاعر المليون، وبرنامج أمير الشعراء، وجائزة الشيخ زايد للكتاب، ومشروع كلمة للترجمة، وإحداث تطوير جذري في برنامج فعاليات معرض أبوظبي الدولي للكتاب، وغيرها من المشاريع الثقافية ذات البُعد الإقليمي والدولي. ويلاحظ في تلك المشاريع أنّ إمارة أبوظبي ماضية في مشروعها الأدبي المُشرق الساعي إلى خدمة الأدب والثقافة العربية بشكل عام، والشعر بشكل خاص، وهي في مشروعها هذا، إنما تُبرز للعالم الرسالة الإنسانية للشعر الداعية لنشر الحب والسلام والتسامح.

 

وأشار إلى تأسيس أبوظبي لأكاديمية الشعر في عام 2007م، الأولى من نوعها في العالم العربي، والتي نحتفل هذه الأيام بمرور عشر سنوات على إطلاقها، وقد نجحت الأكاديمية خلالها في المحافظة على الموروثين الشعبي والعربي، وتعزيز مكانة الشعر النبطي والفصيح أكاديمياً وفق معايير بحثية وعلمية دقيقة. وكشف أنّ عدد خريجي الأكاديمية خلال المواسم الدراسية السابقة بلغ (250) خريجا التحقوا بالدراسة من داخل وخارج الدولة. اليوم، كما تفخر أكاديمية الشعر بإصدارها ما يزيد عن (160) إصدارا مُتخصّصاً رفدت بها المكتبة العربية، من دواوين شعر فصيح ونبطي، وبحوث مُختصّة ودراسات أدبية نقدية وتحليلية.

 

وقد جاء إطلاق أكاديمية الشعر لتكون إلى جانب الشعر والشعراء، ولتعمل على تطبيق استراتيجية أبوظبي في التأسيس لبنية حاضنة للثقافة بشكل عام وللشعر بشكل خاص، مساهمةً في الارتقاء بالمنجز الشعري العربي، وتقديم الدعم لشعراء النبط والفصيح من خلال مساندتهم للظهور أمام ملايين المشاهدين في أنحاء العالم، وإبراز الإمارات كدولة تحافظ على تراثها وعاداتها وتقاليدها وتساهم بفعالية في التنمية الثقافية العربية وعلى مستوى العالم.

 

وتقع إصدارات أكاديمية الشعر في إطار الكتب ذات القيمة الأدبية والثقافية والتاريخية والعلمية، كون مادتها ترصد ما أنتجه الأدب الإماراتي بشكل خاص، والعربي بشكل خاص، وتوثقه وتحلله وتدرسه من مختلف جوانبه الشعرية والأدبية والاجتماعية والتراثية والإنسانية.، وفق معايير توثيقية وبحصية رصينة، وهي تعمل بشكل كبير منذ إطلاقها على مواصلة جمعها وتوثيقها التراث الأدبي الشفاهي وحفظه من الضياع.

 

ويمكننا استعراض هذه الإصدارات على النحو الآتي: ثمانون ديواناً في الشعر النبطي.     سبعة وأربعون ديواناً فصيحاً. أربعة وعشرون إصداراً متخصصاً في دراسات الشعر بنوعيه الفصيح والنبطي، منها سبعة عشر إصداراً في دراسات الشعر النبطي.  ستة اصدارات نثرية في الأدب الشعبي والثقافة المحلية الإماراتية إضافة إلى اصدارين صوتيين.  بلغ عدد الدواوين الشعرية لشعراء الإمارات واحداً وخمسين ديواناً منها واحد وأربعون ديواناً في الشعر النبطي. وبلغ عدد المؤلفات التوثيقية والبحثية والنثرية عن الشعر في دولة الإمارات مائةً وثمانية إصدارات. واستقطبت الأكاديمية خمسة وثلاثين مؤلفاً ليصدروا باكورة أعمالهم من خلالها وبلغ عدد الإصدارات التي طبعت أكثر من مرة عشرين إصداراً ووصل عدد طبعات بعضها إلى أربع طبعات كما بلغ عدد المؤلفين الإماراتيين الذين أصدرت الأكاديمية أعمالهم خمسة وعشرين مؤلفاً. وبلغ نصيب التجارب الشعرية النبطية والفصيحة القديمة خمسة وخمسين إصدارا من مجموع الإصدارات. فيما بلغ عدد الأعمال المشتركة لأكثر من مؤلف خمسة وعشرين إصداراً.أما فيما يتعلق بمسابقتي شاعر المليون وأمير الشعراء فقد صدر حول مسابقة شاعر المليون واحد وثلاثون إصداراً فيها اثنان وعشرون ديواناً لشعراء من المسابقة نفسها، بينما صدر عن مسابقة أمير الشعراء أربعون إصداراً فيها تسعة وعشرون ديواناً لشعراء المسابقة نفسها كما بلغ عدد نسخ الإصدارات التي رفدت الأكاديمية بها أرفف المكتبات العربية، بكافة طبعاتها مليوناً ومئةَ ألفِ نسخة.

 

وأكد العميمي أنّ للشعر النبطي مكانة مرموقة في الدول العربية، وفي منطقة الخليج العربي على وجه الخصوص، وهو اللون الأدبي الشائع إلى جانب شعر الفصحى لدى أهل المنطقة منذ القرن الرابع الهجري، وشكّل منذ ذلك الحين خير وسيلة لتوثيق الحياة البدوية الأصيلة بكل تفاصيلها وجمالياتها، مُعبراً عن اهتمامات الناس وقضاياهم ومشاعرهم.واليوم، وبعد ما يزيد عن 1000 عام على النشأة الافتراضية للشعر النبطي، يواصل هذا اللون الأدبي المميز تألقه واستقطابه للملايين من متذوقي الشعر النبطي الأصيل، وبشكل خاص بعدما أحدثه إطلاق برنامج "شاعر المليون" من تغيير جذري في المشهد الثقافي الإقليمي والعربي منذ عام 2006.. بل إنّ بعض الباحثين والأكاديميين باتوا يؤرخون للشعر النبطي في مرحلتين أساسيتين: المرحلة الأولى عمرها ألف عام، أما المرحلة الثانية فعمرها ما يُقارب العشرة أعوام فقط هي عمر مُسابقة شاعر المليون.

 

وقد عمل البرنامج منذ انطلاق نسخته الأولى وحتى نسخته السابعة على منح ثلاثمائة وستة وثلاثين شاعراً من سبع عشرة دولة عربية اهتماماً إعلامياً غير مسبوق، وهم الذين كانوا في غالبيتهم العظمى مُغيبين إعلامياً عن الساحة الشعرية، وذلك على الرغم من مقدرتهم الأدبية المُبدعة. ومن بين الثلاثمائةٍ وستةٍ وثلاثين شاعراً فقد شارك مائة واثنان وثلاثون شاعراً من السعودية، وستة وخمسون شاعراً من الكويت، واثنان وأربعون شاعراً من الإمارات، وأربعة وعشرون من الأردن، وواحد وعشرون شاعراً من سلطنة عُمان، خمسة عشر من قطر، وثلاثة عشر من اليمن، وتسعة من البحرين، وثمانية من سوريا، وخمسة من العراق، وثلاثة شعراء من السودان، وشاعران من كلٍ من مصر وفلسطين، وشاعر واحد من كل من موريتانيا وتونس وليبيا والصومال. وقد حصل على اللقب وجائزة الـ (5 مليون درهم إماراتي) شعراء من الإمارات والسعودية والكويت وقطر.

 

اليوم، ومن خلال هذه المسابقة الفريدة التي تبثها قناة أبوظبي الفضائية وقناة بينونة، فقد أصبح هؤلاء الشعراء، وما زالوا، موضع اهتمام الجمهور الواسع في العالم العربي الذي تعرّف على إبداعهم واستمع لأشعارهم، خاصة وأن أكثر من ثمانية عشر مليون مشاهد يتابع كل أمسية من أمسيات شاعر المليون، حتى بات حلم كل شاعر في المنطقة دخول قائمة الثمانية والأربعين شاعراً بغض النظر عن الفوز باللقب من عدمه، بل إن كثيرين باتوا يتوقون لدخول قائمة المائة شاعر التي أصبحت بمثابة شهادة اعتراف بالمقدرة الإبداعية للشاعر الذي يدخل هذه القائمة من بين آلاف المتقدمين خلال الجولة الخليجية العربية السنوية للجنة التحكيم المتخصصة، ذات المعايير لنقدية الصارمة، ونذكر على سبيل المثال أنّنا قابلنا في الموسم السابع 2015-2016 أكثر من ألف وثلاثمائة شاعر ينتمون إلى ثمان عشرة جنسيةً عربية وغير عربية، تأهل منهم مائة شاعر إلى مرحلة جديدة خضعوا فيها لاختبارات تحريرية وشفوية ذات معايير دقيقة.

 

ولو تأملنا في الشرائح التي تابعت برنامج شاعر المليون لوجدنا أنّ متابعته لم تقتصر على الكبار فقط، بل حتى الصغار والمراهقين والشباب وكافة أفراد الأسرة، حتى أن كثيراً منهم صار يحفظ أبياتاً شعرية لبعض الشعراء، وقد ردّد تلك الأبيات حتى الصغار. وكان من المُلفت مُشاركة بعض الشعراء في الموسم الأخير ممن كانوا في عمر الطفولة عند إطلاق البرنامج في موسمه الأول.

 

أما بالنسبة لبرنامج "أمير الشعراء" فقد نجح منذ عام 2007 حيث انطلق موسمه الأول، ولغاية الموسم السابع الأخير الذي انتهى في إبريل 2017، بتقديم مائة وخمسةٍ وثمانين شاعراً من إحدى وعشرين دولة، هم: عشرون شاعراً من مصر، وثمانية عشر شاعراً من السعودية، وثمانية عشر شاعراً من العراق، وسبعة عشر من الأردن، وخمسة عشر من موريتانيا، وأربعة عشر من سوريا، واثنا عشر من فلسطين، وأحدى عشر من الجزائر، وأحدى عشر من سلطنة عُمان، وثمانية من الإمارات، وثمانية من المغرب، وسبعة من اليمن، وستة من تونس، وخمسة من السودان، وأربعة من لبنان، وثلاثة من ليبيا، واثنان من الكويت، واثنان من البحرين، وشاعر واحد من كل من قطر، الهند، مالي، بوركينا فاسو. وقد حصل على لقب أمير الشعراء وبردة الشعر وخاتم الإمارة وجائزة المليون درهم إماراتي، شعراء من الإمارات، موريتانيا، سوريا، اليمن، مصر، والسعودية.

 

وقد جاء إطلاق برنامج "أمير الشعراء" انعكاساً لأهمية الشعر وارتباطه بالذاكرة والتاريخ والأصالة في المنطقة، وقد نجحنا من خلال المسابقة في تحقيق جملة من الأهداف الثقافية السامية من ضمنها تشجيع الأجيال الجديدة على تنمية مواهبهم الشعرية، وإتاحة الفرصة لهم للاحتكاك مع شعراء متميزين، والتعرف على الأوزان والقوافي والمدارس الشعرية المختلفة.

 

ويحظى البرنامج بمعدلات مشاهدة مرتفعة ويشكل ظاهرة إعلامية واجتماعية بكل معنى الكلمة، سيّما أنّ المتسابقين يطرحون في قصائدهم شؤون الوطن والمجتمع والانتماء والقيم الأصيلة والولاء، ويلهبون مشاعر الجماهير، ليعود الشعر ليصبح الشغل الشاغل للمجتمع، كما كان في العصور الغابرة.

 

ومن أصل خمسمائةٍ وواحدٍ وعشرين شاعراً تم تقديمهم في برنامجي شاعر المليون وأمير الشعراء، بلغ عدد الشاعرات في المسابقتين اثنتين وخمسين شاعرة، منهن أربع عشرة شاعرة في شاعر المليون، وثمانٍ وثلاثين شاعرة في أمير الشعراء، وقد تمكن عدد منهن من الوصول إلى المراحل النهائية من المسابقتين.

 

لقد باتت هذه البرامج تمثل ركيزة أساسية من ركائز الثقافة العربية عموماً، فهو ديوان العرب في كل المجالات، وتواصل دولة الإمارات جهودها المُخلصة للمحافظة عليها والاحتفاء بمنجزها العربي الحضاري، والذي يمثل الشعر أحد أصدق تجلياته ثقافياً وإبداعياً، وذلك لأن الشعر تعبير عن ذات الإنسان، وبالتالي فإن الاهتمام به من خلال جمعه وتوثيقه ودراسته ونشره يقع في المقام الأول في صلب الاهتمام بالإنسان والحفاظ على ذاكرته الوجدانية والتاريخية. وقد أصبحت هذه البرامج التلفزيونية الشعرية محط أنظار طلبة الجامعات وموضوع رسائل بحثهم الجامعية العليا، هذا إضافة إلى ما أبدته كبرى الدوريات الأدبية الأجنبية من اهتمام بترجمة عدد من أهم القصائد التي نظمها شعراء البرنامجين.

 

وذكرت دراسات أكاديمية أنّه لو نظرنا لهذه البرامج من الناحية الإعلامية والبُعد الاجتماعي الذي تحقق، لوجدنا بأنها استطاعت أن تحظى بالانتشار الإعلامي والاهتمام الجماهيري بشكل غير عادي، وقد حققت أهدافاً تربوية نبيلة. فهذه البرامج الجيدة غرست في الجيل الجديد حب الموروث الأدبي الذي ينبع من تراث الأجداد، وأضافت لمعلوماتهم وثقافتهم ثقافة جديدة في مجال الشعر من خلال الأنماط المقدمة وبحور الشعر المختلفة التي يتناولها المتسابقون، إضافة للمعلومات الثرية التي تقدم من خلال التقارير التي يسردها أعضاء لجنة التحكيم، ودليل ذلك النجاح محاولة كثير من القنوات التلفزيونية تقليد هذه البرامج لكنها لم تتمكن من الاستمرار في ظلّ التطوّر المتواصل للبرامج التي أطلقتها أبوظبي.

 

- وشدّد نضال شقير، رئيس جمعية الصحافة الأوروبية للعالم العربي في باريس، على أهمية هذه الندوة، مُعتبراً أنها نموذج يحتذى به للتعاون والتبادل الثقافي بين الإمارات وأوروبا. كما شدد على أهمية موضوع الندوة خاصة وأنها تأتي في وقت بدأ الإعلام يفقد دوره الهادف والتثقيفي في الحياة العامة، مشيراً إلى أن هذه الندوة هي فرصة لتسليط الضوء على الدور التثفيفي الهام الذي تلعبه بعض البرامج التلفزيونية الناجحة وفي مقدمتها «أمير الشعراء» و«شاعر المليون»، ومشيداً بالدور الكبيرالذي تلعبه لجنة إدارة المهرجانات والبرامج الثقافية والتراثية بأبوظبي في هذا الإطار.

 

مشاركة:
طباعة
اكتب تعليقك
إضافة إلى عين الرياض
أخبار متعلقة
الأخبار المفضلة