على مدى أكثر من ثلاثة عقود لعبت المعارض والمؤتمرات والفعاليات العالمية المقامة في دبي دورًا حيويًا ومحوريًا في تقديم دبي للعالم كمركز للتجارة العالمية، وفي تعريف العالم بها وبإمكاناتها الكبيرة كمدينة عالمية رائدة في صناعة الفعاليات. وقد أسهمت المعارض التجارية الكبرى والمؤتمرات الدولية والفعاليات العالمية بقوة في كتابة تاريخ دبي الحديث، وذلك مع بدء تنظيم مختلف أنواع المعارض التي ازداد عددها ونما حجمها، وارتفع عدد المشاركين فيها من شركات عالمية عارضة مصنّعة للمنتجات ومقدّمة للخدمات، كما تضاعف عدد زوارها من كبار التجار ورجال الأعمال والمستثمرين، وأصحاب القرار، والتنفيذيين والخبراء والمختصين من الشركات العالمية، والمسؤولين الحكوميين من جميع أنحاء العالم، الذين تخطى عددهم حاجز الـ 2.6 مليون زائر عام 2015.
تحتل دبي موقعًا جغرافيًا استراتيجيًا بين ثلاثة قارات، وقد شغل القطاع التجاري فيها مركزاً متميزاً في قلب النشاط الاقتصادي، إلا أن مكانة الإمارة الصغيرة تعززت كثيرًا لتصبح حاليًا واحدة من أهم المدن العالمية في استضافة الفعاليات، وفازت بجدارة بحق استضافة معرض أكسبو العالمي عام 2020، بالرغم من أنها لم تكن قبل نحو 35 عام تعرف نشاط الفعاليات بعد، ولم يكن يُقام على أرضها سوى عدد محدود من المعارض الصغيرة التي كانت تحتضنها قاعة الفعاليات الوحيدة في الطابق الأرضي في برج الشيخ راشد، التي شهدت انطلاق معرض جيتكس للتقنية عام 1981.
أُقيمت الدورة الأولى لمعرض جيتكس على مساحة 820 مترًا مربعًا واجتذبت 3,038 زائر، وشارك بها 46 شركة عارضة فقط، وكانت هذه هي اللبنة الأولى لمعرض جيتكس الذي تضاعف حجمه بأكثر من 148 مرة خلال 35 عامًا ليصبح أكبر معرض للتقنية على المستوى الإقليمي والثالث على مستوى العالم، ويشارك به حاليًا حوالي 4,000 شركة عارضة، ويجتذب نحو 140,000 زائر، ويشغل جميع قاعات الفعاليات في مركز دبي الدولي للمؤتمرات والمعارض البالغ عددها 21 قاعة تزيد مساحتها الإجمالية على 122 ألف مترًا مربعًا.
شهدت دبي مع تطور البنية التحتية للمعارض والمؤتمرات إقامة مختلف الفعاليات التجارية والترفيهية العالمية والإقليمية والمحلية، وصاحبها طفرة تطويرية كبيرة شملت مختلف المجالات من طرق ومواصلات، واتصالات وموانئ حديثة وطيران وفنادق ومرافق لوجستية، دعمت نمو وتطور صناعة المعارض في دبي التي حققت مكانة كبيرة وذاع شهرتها كثيرًا لتصبح حاليًا إحدى أهم المدن في العالم في تنظيم واستضافة الفعاليات العالمية.
وقد أسهم دعم القيادة السياسية والرؤية الحكيمة لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، في تعزيز مكانة دبي كثيرًا في صناعة الفعاليات على المستوى العالمي، إذ يولي سموه هذا القطاع اهتمامًا كبيرًا ويحرص على زيارة الفعاليات الكبرى خاصة التي تُقام في مركز دبي التجاري العالمي وفي جميع أنحاء الإمارة.
مع بداية عام 2002 شهد مجمّع مركز دبي التجاري العالمي، المركز الأكبر للفعاليات على مستوى المنطقة، استكمال مرافقه من قاعات المؤتمرات والمعارض وغرف الاجتماعات، لاستضافة اجتماعات صندوق النقد والبنك الدوليين عام 2003، وتم دعم المجمّع بإنشاء مجموعة من المرافق المتكاملة شملت فروع للبنوك ومركز للبريد ومطاعم ومحال تجارية لبيع الهدايا، والذهب والمجوهرات، وتأجير السيارات والشحن والطباعة، وحجز تذاكر الطيران، وتقديم مختلف الخدمات، كما تم بناء فندقي أيبس ونوفوتيل ضمن مجمع مركز دبي التجاري العالمي، وذلك لخدمة آلاف الشخصيات المهمة من المسؤولين والخبراء في المؤسسات المصرفية والمالية والاستثمارية والاعلامية العالمية ممن لهم ثقل كبير على المستوى الدولي، وكذلك لخدمة زوّار المركز من كبار رجال الأعمال والتجار.
وقد دعمت هذه الخطوة من مكانة دبي ومركز دبي التجاري العالمي، الذي أصبح قبلة للمعارض التجارية الكبرى والمؤتمرات الدولية والفعاليات العالمية على اختلافها، خاصة بعد النجاح الكبير الذي حققه المركز في استضافة اجتماعات صندوق النقد والبنك الدوليين، والإشادة العالمية التي حصل عليها.
بنت دبي سمعتها كمدينة عالمية للتجارة، والفعاليات استنادًا على تاريخها الممتد على مر العصور كمركز تجاري قديم في المنطقة، وكبوابة لدخول أسواق منطقة الخليج والأسواق الناشئة في جنوب أسيا وشمال أفريقيا، واليوم تُعدّ دبي مدينة رائدة على مستوى المنطقة في صناعة المعارض والمؤتمرات العالمية، يدعمها موقعها الاستراتيجي، وقربها من ثلثي سكان العالم بنحو 4 ساعات طيران فقط.
هدفت الإمارة من خلال الفعاليات التي نظّمتها واستضافتها إلى جذب مستثمرين من شتى بقاع الأرض ونجحت في ذلك، كما أتاحت لهم خلال فترة زيارتهم مشاهدة وتجربة بنيتها التحتية الراقية التي أنفقت عليها مليارات الدراهم، وشملت الطرق والموانئ والمطارات والاتصالات والمواصلات، والفنادق وأبراج المكاتب والسكن، كما منحتهم الفرصة للاطلاع على ما توفّره من تسهيلات لإقامة الأعمال وتأسيس الشركات، بالإضافة إلى التطوير الهائل الذي شهدته الخدمات الحكومية التي يتم تقديمها للمستثمرين، ما أسهم في اتخاذ العديد منهم القرار بتوسعة أعمالهم أو فتح فروع جديدة لشركاتهم، كما قامت شركات عالمية آخري بنقل مراكز أعمالها الرئيسية إلى دبي، وفتح مقراتها بها.
ومع نمو المعارض التجارية العالمية المتخصصة في مختلف الصناعات من تقنية المعلومات والاتصالات، إلى الأغذية والرعاية الصحية مرورًا بالسياحة، والزراعة والتصنيع وصولًا إلى التشييد والبناء والمال والاقتصاد، ومع المستوى الرفيع للزوار القادمين من جميع مناطق العالم والمنطقة المحيطة، امتد النمو إلى مختلف القطاعات الاقتصادية، وبدأت دبي تركّز جهودها وتتوسع في قطاعات أخرى تمتلك فيها ميزات نسبية، فأصبحت مع بناء سلاسل الفنادق العالمية والمنتجعات والوجهات الترفيهية وجهة لسياحة الأعمال والسياحة الترفيهية، كما عززت مكانتها كوجهة تجارية متميزة مع الاستثمارات الضخمة التي تم ضخها في تطوير أكبر وأرقى المراكز التجارية على مستوى العالم، وذلك مع التركيز على أن تكون دبي مركزًا ماليًا عالميًا، يجمع كبرى المؤسسات المالية الدولية والبنوك والشركات العالمية والصناديق الاستثمارية، كما تسعى حاليًا وخلال سنوات معدودة لأن تكون عاصمة للاقتصاد الإسلامي.
أنشأت دبي مدنًا متخصصة في الإعلام والانترنت والاستديوهات، وغيرها من المناطق الحرة التي تضم حاليًا آلاف الشركات، وتمنح التسهيلات للمستثمرين لإقامة شركات جديدة. وقد صُمِّمت المناطق الحرة باعتبارها خطوة تُكمل وتُسهم في تحقيق النمو والتطور في دبي وتسهيل الاستثمار، وهو ما حققته بالفعل المناطق الحرة في كل من جبل علي، ومطار دبي، ومدينة دبي الطبية، ومدينة دبي للإعلام، ومدينة دبي للإنترنت، وواحة دبي للسيليكون، وأخيرًا المنطقة الحرة التابعة لسلطة مركز دبي التجاري العالمي، التي اجتذبت مجموعة كبيرة من الشركات العالمية.
لقد شهدت دبي كلها، وخاصة المنطقة المحيطة بمركز دبي التجاري العالمي المطل على شارع الشيخ زايد تغييرًا كليًا، فأصبحت مع نمو الطلب على المعارض التجارية والفعاليات الكبرى، قلب دبي الناض بالحياة وأهم منطقة تجارية فيها، وانتشرت بها وعلى جانبي شارع الشيخ زايد ناطحات السحاب العملاقة والفنادق العالمية الفخمة وأبراج المكاتب الراقية التي تضم مقرات وفروع مئات الشركات الأجنبية والإقليمية والمحلية في مختلف القطاعات الاقتصادية.
يُمثّل زوار المعارض والمؤتمرات العالميين القادمين من خارج الدولة هدفًا لكل من الفنادق ومراكز التسوق التي تتنافس على اجتذابهم، وتخصص لهم حافلات خاصة لنقلهم مجانًا من وإلى موقع إقامة الفعاليات في مركز دبي التجاري العالمي الذي يشهد سنويًا توقيع أكبر الصفقات حجمًا، ولهذا حديث آخر.