أصدرت "بي دبليو سي"، إحدى أكبر شركات الخدمات المهنية العالمية في المنطقة، أول تقرير محلي لها حول التوجهات الكبرى بعنوان "التوجهات الكبرى في الشرق الأوسط: إعادة تشكيل المنطقة"، والذي يتناول التغيرات الجذرية التي تسهم في عرقلة وإعادة تشكيل الاقتصاد والمجتمع والصناعات على مستوى المنطقة التي تتزامن مع هبوط أسعار النفط. ويسلط التقرير الذي يعتمد على محادثات بي دبليو سي مع عملائها في جميع أنحاء المنطقة الضوء على خمسة تحولات عالمية أو توجهات كبرى أفادت الشركات بأنها بدأت تؤثر بشكل كبير على منطقة الشرق الأوسط، وتعتقد أن تأثيرها سيستمر على مرّ العقود المقبلة. ويهدف التقرير إلى تشجيع الحوار بين روّاد الفكر والتجارة والحكومات في المنطقة حول دور هذه التوجهات الرئيسية في إعادة تشكيل المشهد الاقتصادي والتجاري في الشرق الأوسط وإجراء مناقشات حول ما يمكن القيام به لنقل هذه التغيرات التحويلية بنجاح في السنوات المقبلة.
ووفقاً لـ "بي دبليو سي"، يعتبر استيعاب هذه التوجهات الهيكلية الرئيسية أمراً ضرورياً لاكتساب مفهوم واضح وجماعي حول طريقة التعامل مع التحديات التي تواجهها منطقة الشرق الأوسط بنجاح والكشف عن الفرص التي لم يُنظر إليها في الماضي:
• أدت التغيرات الديموغرافية والاجتماعية إلى ازدهار معظم أنحاء المنطقة وزعزعة استقرارها، حيث ساهم النمو السكاني في تعزيز الاقتصادات من جهة وشح الموارد وظهور شبح البطالة بين صفوف الشباب من جهة أخرى. وتصدرت منطقة الشرق الأوسط الأسواق الناشئة من حيث النمو السكاني في السنوات العشر الماضية. وهذا يشير إلى أن المنطقة تحتضن نسبة كبيرة من الشباب، وتبلغ نسبة سكان المنطقة الذين لم يتجاوزا الخامسة والعشرين من العمر 40%، ولكنها أيضاً من أكثر المناطق في العالم التي يعاني شبابها من البطالة بنسبة 28%. ومن المتوقع أن يرتفع هذا المعدل في الشرق الأوسط إلى 50% خلال السنوات الخمسة والعشرين المقبلة وهذا المعدل يتجاوز سرعة النمو في الهند، إلا أن هرم الأعمار سيتحول بحلول العام 2050، حيث سيرتفع معدل المواطنين المسنين في دول مجلس التعاون إلى 20%، وهو أكثر من المعدل المتوقع (16%). ولذلك أصبحت الاستفادة من الطاقة والقدرات الذهنية لدى العقول الشابة تشكل أهمية كبيرة لتحقيق الازدهار الاقتصادي.
• ساهم التحول الذي طرأ على قوى الاقتصاد العالمي في ترسيخ مكانة الشرق الأوسط ضمن أسرع الأسواق نمواً في العالم، مما عزز مكانة دبي على وجه الخصوص للتحول إلى محطة عالمية للطيران والسياحة والخدمات اللوجستية. ومن مطار دبي الدولي، تحولت المدينة إلى حلقة وصل تربط الاقتصادات ببعضها من الشرق والغرب، ووضعت دولة الإمارات العربية المتحدة في قائمة رحلات الطيران التي لا تتجاوز مدتها الأربع ساعات إلى 40% من سكان العالم.
• يسهم التوسع الحضري المتزايد في إعادة تشكيل البلدان على مستوى العالم، إلا أن منطقة الشرق الأوسط من بين أكثر المناطق تحضراً في العالم. ومع مشاريع بناء المزيد من المدن الجديدة، سيستمر هذا المعدل في الارتفاع، لتصبح مهمة شاقة تتطلب تطوير بنية تحتية كافية لاستيعاب هذا التوسع السكاني الكبير. ومع ذلك، تجاوزنا سنوات التوسع السكاني تقريباً مع تركيز التحركات على تشغيل المساحات الحضرية بنحو أمثل، ونرى ذلك في تطوير وسائل النقل العام في دبي أو مشاريع تطوير المدن الجديدة مثل مدينة الملك عبدالله الاقتصادية في المملكة العربية السعودية وخطط بناء عاصمة جديدة شرق القاهرة. ووفقاً لـ "بي دبليو سي"، يعكس هذا فرص المشاريع المخططة لها أو التي يجري إنشائها حالياً في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والتي تبلغ قيمتها 4 تريليونات دولار.
• يعتبر تغير المناخ وندرة الموارد اليوم من أكثر القضايا إلحاحاً في الشرق الأوسط. وعند تغيير طريقة استخدام الناس للموارد الطبيعية، سوف تكون دول مجلس التعاون الأكثر تأثراً كونها تعتبر من بين أكثر المناطق استهلاكاً للطاقة والمياه في العالم من ناحية نصيب الفرد. وستشكل المياه على وجه الخصوص تحدياً كبيراً في السنوات العشر المقبلة، حيث تعتمد دول مجلس التعاون حالياً على تحلية المياه بنسبة 70% ومن المتوقع أن ينمو معدل استهلاك المياه بمقدار الثلث بحلول عام 2020.
• الابتكار التكنولوجي والذي من شأنه أن يوفر جزءاً من حلول هذه القضايا، ولكن العرقلة التي يسببها العصر الرقمي للشركات في يومنا هذا تتطلب مهارات جديدة غير متوفرة بشكلٍ كافٍ في منطقة الشرق الأوسط. وتملك منطقة الشرق الأوسط العديد من المقومات المناسبة للاستفادة من التقنيات الحديثة، حيث أن هناك عدد كبير من الشباب المولعين بالتكنولوجيا الحديثة في المنطقة، على سبيل المثال تحتل السعودية المرتبة الرابعة عالمياً بمعدل الاستخدام النشط لصفحات موقع توتير الإلكتروني وبلغ معدل انتشار الهاتف الذكي في دولة الإمارات نسبة 78%. ومع ذلك، فإن معظم الشركات والجهات الحكومية تواجه بعض التحديات في وضع الاستراتيجيات الرقمية ومازالت متأخرة من ناحية الابتكار الرقمي والبحث والتطوير للتقنيات الحديثة. ويعتبر الإنفاق على البحث والتطوير في السعودية ودولة الإمارات على سبيل المثال أقل من 1% من الناتج المحلي الإجمالي، وهذا يشير إلى أنها متأخرة بالمقارنة مع المعدلات الأوروبية وبفارق كبير مقارنة مع أكثر الدول في العالم التي تنفق أموالاً طائلة على البحث والتطوير مثل كوريا الجنوبية .
وتعليقاً على نتائج التقرير قال هاني الأشقر، الشريك المسؤول في بي دبليو سي الشرق الأوسط: "يأتي هذا التقرير المبتكر في وقت يعد بمنتهى الأهمية تزامناً مع مرور المنطقة بتغيرات مستمرة. وتتمركز منطقة الشرق الأوسط اليوم بموقع حساس يشهد هذه التوجهات الكبرى التي تعيد تشكيل عالمنا، وذلك في عصر "الواقع الجديد" الذي يواجه هبوط في أسعار النفط وتدني في السيولة، مما أدى إلى اتخاذ خطوات عاجلة وهذا ما نرجو أن يتضح عبر تقريرنا ".
وأضاف: "وفي حين تعد الحاجة الملحة للتحول في الوقت الحالي رد فعل للانخفاض الحاد في عائدات النفط، تعتبر توجهات التغيير و تعقيداته استجابة حتمية للقوى العالمية المتعددة. ومن خلال مساعدة شركائنا في القطاعات الحكومية والخاصة على حد سواء في فهم هذا السياق الأوسع، يمكننا ضمان تسليحهم بجميع الأدوات اللازمة لإنجاح هذا التحول".
وفي هذا السياق، يقول ستيفان أندرسون، الشريك المسؤول عن العملاء والأسواق في الشرق الأوسط: "إن الحكومات على يقين بأنه من الضروري العمل على خفض الإعانات وتوسيع القاعدة المالية واستقطاب الاستثمارات الخاصة والممارسات التجارية إلى كيانات الدولة. ولكنها تدرك أيضاً ضرورة الاستمرار في بناء البنية التحتية وتفعيل دور التكنولوجيا والابتكار. ويمكن للحكومات والشركات على حد سواء تحويل هذه التوجهات الكبرى إلى مبادئ توجيهية عملية للخطط المستقبلية، ونأمل من خلال هذا التقرير أن تتمكن من تحقيق ذلك".
وفي ختام كلمته قال: " يمكن لتغيرات بهذا الحجم سواء في قطاع النقل، الطاقة، الرعاية الصحية أو التصنيع، أن تكشف عن تهديدات وتحديات غير مترقبة. ومن خلال تبني مفهوم عميق للتيارات الخفية التي تشكل المجتمع والأعمال في الشرق الأوسط، تقدم "بي دبليو سي" الدعم إلى الشركاء في القطاعات الحكومية والخاصة لإدارة هذه التغيرات واغتنام الفرصة التي قد تنجم عنها".