من المهم بداية الإشارة إلى أنَّ ضريبة القيمة المضافة هي: ضريبة غير مباشرة تخضع لها السلع والخدمات عند بيعها أو استيرادها، وتسمى ضريبة غير مباشرة؛ لأنَّ السلطة الضريبية تكلف بها من يحصلها وليس من يدفعها؛ بمعنى أنَّ المكلَّف في ضريبة القيمة المضافة هو من يحصِّل الضريبة من المكلَّف الفعلي الذي سيدفع هذه الضريبة.
إنَّ عملية تحصيل الضريبة تتم عند بيع السلعة أو الخدمة محلياَ، وهي تحصل عند استيراد السلعة أو الخدمة من خارج البلاد، ولعلَّ من السهل تطبيق هذا المبدأ عندما سيتعلق الأمر بالسلع ولكنَّه سيكون أكثر تعقيداً عند التعامل مع الخدمات.
قد ينشأ التعقيد في تحصيل الضريبة على الخدمة من نقطتين: الأولى وهي تعريف الخدمة؛ ذلك أنَّ الخدمة قد تكون ملموسة كخدمة الإعلان في صحيفة، وقد تكون غير ملموسة كمنفعة يؤديها مؤدي الخدمة للمستفيد منها كما في براءة الاختراع، وقد تترافق الخدمة مع سلعة كخدمة الطعام والشراب وهكذا.
أما النقطة الثانية: فهي في مكان تأدية الخدمة ومكان الاستفادة منها ومكان المستفيد من الخدمة، إذ قد لا تتساوى في كثير من الأحيان، فمثلا: "قد يشتري مقيم في الدولة (أ) خدمة البرمجيات من مقيم في الدولة (ب) حيث تجهز الخدمة في تلك الدولة فيما يطلب المشتري أن ترسل الخدمة للشركة التي يمتلكها في الدولة (ج) لتطبق هناك؛ فالدولة (أ) هي مكان المستفيد الذي قد ترسل الفاتورة إليه والدولة (ب) هي مكان أداء الخدمة فيما تعتبر الدولة (ج) هي مكان الاستفادة من الخدمة.
فإذا اعتمد النظام الضريبي مكان أداء الخدمة وتنفيذها مناطاً لخضوع الخدمة لضريبة القيمة المضافة؛ فإنَّ الخدمة ستكون خاضعة للضريبة في الدولة (ب)؛ وإذا ما كان مكان المستفيد من الخدمة هو مناط الإخضاع للضريبة؛ فستخضع الخدمة للضريبة في الدولة (أ)، أمَّا إذا كان مكان الاستفادة من الخدمة هو مناط الإخضاع للضريبة؛ فستخضع الخدمة للضريبة في الدولة (ج)، وإذا ما اختلف مناط الإخضاع للضريبة من دولة لأخرى؛ فستكون الخدمة دافعة للضريبة مرتين أو ثلاث مرات.
ويجدر الإشارة : أنَّ مكان الاستفادة من الخدمة لا يعني بالضرورة مكان تأدية الخدمة ولا مكان المستفيد منها؛ لكنَّه المكان الذي يجري فيه استهلاك الخدمة، وتفعيلها للاستفادة منها وليس المكان الذي ستتم فيه الاستفادة من حصيلة الخدمة، فمثلا: إذا أعلنت شركة سعودية في إحدى الصحف في دولة أخرى عن حاجتها لموظفين من هذه الدولة ، حيث تعتبر هذه الدولة التي أعلن فيها هو مكان الاستفادة من خدمة الإعلان لأنَّ هدفها الذي يستفاد منه هو إبلاغ مواطني هذه الدولة عن حاجة الشركة السعودية، رغم أنَّ المستفيد من الخدمة هو الشركة السعودية والمقيمة في المملكة العربية السعودية، ولما كان مكان الاستفادة من الخدمة خارج حدود المملكة العربية السعودية فمن الممكن أن يعتبر أنه تم الاستفادة من الخدمة خارج النطاق الضريبي السعودي؛ وبالتالي: فإنَّ كان النظام الضريبي يعتمد مكان الاستفادة من الخدمة مناطاً للإخضاع لضريبة القيمة المضافة فستكون هذه الخدمة غير خاضعة لها رغم أنها قد تكون خاضعة في نفس الوقت لضريبة الدخل المقتطعة على الخدمات المشتراة من خارج المملكة.
إن تحديد النظام الضريبي للمكان الذي يعتبر مناطاً أو سبباً للتكليف بالضريبة والإخضاع لها مهم جداً؛ ذلك أنَّ الخدمة تخضع للضريبة عندما تتحقق فيها شروط أن تكون خاضعة بطبيعتها فإذا أعفت المملكة خدمات التعليم من ضريبة القيمة المضافة وكانت الخدمة خدمة تعليمية؛ فلا ينظر لباقي الشروط وتبقى الخدمة معفاة من الضريبة، كذلك فيجب أن تكون الخدمة مباعة لخاضع للضريبة؛ فإذا أعفى القانون الضريبي مشتريات الوزارات والدوائر الحكومية فعندها تعتبر الخدمة المباعة لوزارة معينة معفاة من الضريبة ولا ينظر لباقي الشروط، أما الشرط الأخير والمهم: فهو المكان الذي يعتبره النظام مناطاً للتكليف بالضريبة والإخضاع لها؛ فإذا كان مكان الاستفادة من الخدمة هو مكان الإخضاع لها فعندها تعتبر الخدمة التي يستفاد منها داخل أراضي المملكة خدمة خاضعة للضريبة على القيمة المضافة، فإذا كان مؤدي الخدمة مقيماً في المملكة فتعتبر الخدمة محلية ويكلف هذا المقيم بتحصيل الضريبة وتوريدها، أما إن كان مؤدي الخدمة غير مقيم في المملكة؛ فتعتبر الخدمة مستوردة للمملكة وعلى المستفيد منها التصريح عنها ودفع الضريبة عليها، فإذا كان مكان الاستفادة منها خارج حدود المملكة ومكان أدائها هو داخل المملكة فتعتبر خدمة مصدرة، فإن كان كلاً من الاستفادة ومكان التأدية قد تما خارج حدود المملكة فعندها تعتبر الخدمة خارج النطاق الضريبي ولا تخضع للضريبة على القيمة المضافة.
وفي هذا السياق يشير الأستاذ رفعت عبيدات مدير تنفيذي في قسم الضرائب والزكاة في كي بي إم جي في السعودية إلى أنَّ : الحلول الأكثر منطقية هو اعتبار مكان الاستفادة من الخدمة هو مكان الإخضاع لضريبة القيمة المضافة؛ ذلك أنه المكان الذي يتم فيه استهلاك الخدمة؛ وبالتالي فهو المكان الأوضح والأكثر عدلاً وانسجاماً مع مبدأ ضريبة القيمة المضافة كضريبة على الاستهلاك، إلا أنَّ مكان الاستفادة من الخدمة قد لا يكون واضحا كما في خدمة البريد السريع مثلا، فعندها يعتمد مكان المستفيد من الخدمة، والذي يمكن أن يتعدى حدود المملكة؛ فعندها يعتبر مكان الاستفادة هو الذي تتم الاستفادة فيه بنسبة غالبة، كما في خدمات النقل والاتصالات الدولية والتأمين مثلا، أو يمكن تجزئة الإخضاع للخدمة بحيث يحتسب الخاضع منها ما تتم الاستفادة منه في أراضي المملكة.