وقع الاختيار على مدينة القاهرة للمشاركة في مبادرة «المدينة الأيقونية» التي انطلقت عام ٢٠١٥ كمعرض سنوي مرافق لفعاليات «أسبوع دبي للتصميم» يعنى باستشكاف مشهدي الثقافة والتصميم في إحدى مدن الشرق الأوسط كل عام.
وفي هذا الإطار يشكل معرض «القاهرة الآن! مدينة غير مكتملة» مظلة لتتبع مشهد التصميم الراهن في العاصمة المصرية، ويحتفي بالابتكار والمواهب الشابة في قطاعات تصميم المنتج والغرافيك والأثاث والخطّ، بالإضافة للعمارة.
ويشرف محمد الشاهد، وهو معماري وكاتب وباحث مستقل مقيم في القاهرة، على تقييم المعرض الذي يستقي فكرته من مراحل الإنجاز المختلفة للمساكن المشيّدة بالطوب الأحمر، ويقدمها عبر أعمال ما يزيد على الـ ٦٥ مهندس معماري ومصمم ورائد أعمال وفنان مصريّ.
وتعكس فكرة عدم الاكتمال التي يطرحها المعرض الحالة الراهنة للمدينة: نظام مواصلات غير مترابط، أبنية تاريخية تحت الترميم، التوسع نحو الصحراء على شاكلة مدن مؤقتة غير منجزة، مدينيّة تخيّلية حيث تترك المباني غير منجزة لتجنب الضرائب، وتوّجه واضح لترك دعامات الأبنية بارزة عند السطح أملاً بإضافة أدوار أخرى في المستقبل.
وبالإضافة إلى معرض «القاهرة الآن! مدينة غير مكتملة» يتولى محمد الشاهد تقييم «مشروع مصر الحديثة» في المتحف البريطاني، علاوةً على تأسيسه في العام ٢٠١١ لمدونة «مشاهد القاهرة» بالإضافة لمجلة تحمل نفس الاسم، كما ويُدرس تاريخ العمارة في الجامعة الأمريكية بالقاهرة. وفي تعليقه على المعرض يقول: يسلط معرض «القاهرة الآن! مدينة غير مكتملة» الضوء على المصممين الناشئين في المدينة والذين- على الرغم من ضعف السوق المحلية والبنية التحتية الداعمة لممارساتهم- يواصلون إبداعهم في تحويل نفايات المدينة إلى منتجات جديدة، وإحياء التقاليد المهددة بالزوال عبر منجز معاصر؛ هم اللذين يتقبلون عيوب القاهرة ويجعلون منها مصدر إمتاع وإلهام لإبداعاتهم، لتتجسد روح المدينة في مقارباتهم الساخرة لتلك العبيثة التي تشكّل القاهرة المعاصرة».
وبدوره علّق محمد سعيد الشحي، الرئيس التنفيذي للعمليات في «حي دبي للتصميم» (الشريك الإستراتيجي لأسبوع دبي للتصميم)، على المعرض بالقول: «إنه لامتياز كبير، بعد النجاح الهام الذي حققته بيروت كـ«مدينة أيقونية» في العام المنصرم، أن نتمكّن من استكشاف مدينة عظيمة أخرى من الشرق الأوسط: القاهرة. لقد عمل «حي دبي للتصميم» (d3) عن قرب مع بعض روّاد المشهد الإبداعي في القاهرة، ومن بينهم مصمم المجوهرات عزّام فهمي، ونحن في غاية السرور أن معرض «المدينة الأيقونية» لهذا العام سيزيح الستار عن مكنونات أخرى لهذه المدينة».
إضاءات على المعرض
تصميم الأثاث
تعكس مجموعة الأثاث التي تمّ اختيارها للمشاركة في معرض «القاهرة الآن! مدينة غير مكتملة» جميع الحقب في التاريخ المصري. فـ«كرسي مصر الجديدة» لإيمان شريف من «استديو نوس للتصميم» مستوحى من جدارية فرعونية قديمة، ويوائم بين الحرف المحليّة والأحجام المعاصرة. أما المرمر المتواجد بكثرة في الكنوز الفرعونية، والذي بات مرتبطاً في أيامنا هذه بالحلي المبتذلة التي يجمعها السيّاح، فقد صيغ بحرفية غاية في الأناقة ليشكل «طاولات قهوة» من إبداع لينا العرابي.
وبدوره عمل عبد الله رجب من«استديو عين للتصميم» على إعادة تفسير عنصر «المقرنص» الشائع في العمارة الإسلامية عبر مزجه مع المفهوم الدنماركي للخزانة الجانبية، لتكون النتيجة وحدة تخزين متكأة على دعامات بعنوان «الخزانة الطائرة»، وهي قطعة أثاث جاهزة للتركيب ولا تحتاج إلى مسامير أو براغي أو مواد لاصقة. أما «بلوك بي للأثاث» فقد أعاد إنتاج «كرسي لويس فاروق» (كناية عن الملك فاروق)، أيقونة الديكور الداخلي عند الطبقة الوسطى، معتمداً على البلاستيك وتنجيد من جلد البقر ومجموعة لونية ساطعة.
أما قطع الأثاث التي يقدمها «استديو ميم» فتلقي الضوء على الحياة القاهرية المعاصرة: فمجموعة «من الجريد» تطرح مقاربة أخرى لأقفاص الجريد المتواضعة المصنوعة من ألياف النخل، والتي تستخدم في نقل الدجاج والخضروات والفواكه؛ أما طاولات «قهوة سادة» فهي مستمدة من مقاهي القاهرة التقليدية؛ في حين تستقي «طاولة الديلسيوزا الخارقة» فكرتها من أوراق نبات زينة شائع الاستخدام في المنازل المصرية.
وبدوره يقدم «استديو ريفورم» مادة «بلاستيكس» وهي عبارة نوع من الأقمشة التي أنتجت عبر تحويل الأكياس البلاستيكية والقطن معاد التدوير إلى خيوط ومن ثمّ غزلها يدوياً باستخدام النول لتشكيل المادة النهائية. وفي هذا السياق يقدم الاستديو قطعتين من «مجموعة غرامي» المستلهمة من حقبة الستينيات في القرن الماضي، وقطعتين من «مجموعة التصميم الفوضوي» والتي تحتفي ببراعة المصريين في إعادة تدوير الكراسي المكسورة.
تصميم المنتج
تجسد «دراجات العين» الابتكار والعطاء المصري في أقصى حدوده، فهي دراجات هوائية ذات ألوان زاهية وبناقل حركة أحادي يتمّ تصنيعها حسب الطلب في ورشة خاصة حيث تزوَّد بهياكل من السوق المحلية ومقاعد من جلد الجمل لأحد ورشات الصياغة قرب الأهرامات.
أما «استديو إنكود» فيستخدم برمجيات الرسومات «كاد» و«كام» لإبداع أثاث داخلي وخارجي مستوحى من حرفة صناعة السفن التقليدية في الإسكندرية. فنظام العزل الجداري من مجموعة «موازي» التركيبية يتتبع تموجات السطح المائي عبر ١٠ تصاميم مختلفة منفذّة على الخشب أو الخرسانة المسلحة بالألياف الزجاجية.
ومن جهة أخرى، تتعدد وحدات الإنارة التي يقدمها معرض «القاهرة الآن! مدينة غير مكتملة» بين الأنيق كما في مجموعة «خام» لسلسبيل أمين التي توظّف الرخام والنحاس ووحدة «الضوء ثلاثي الأبعاد» لـ«استديو ألترا ديزاين»، والغريب كما في «الدولاب المضيئ» لمحمد نبيل لبيب المصنوع من قطع الدراجات الهوائية المرمية وقطع ديانا نجيب المصنوعة من الأنابيب معادة التدوير وآلات فرم اللحم.
ويبقى محور إعادة التدوير حاضراً أيضاً لدى «استديو آب فيوز» عبر مجموعته من حقائب الظهر والقماش والبحر ومحفظات جواز السفر المصنوعة من الأكياس البلاستيكية، بالإضافة للأدوات ذات الاستخدام اليومي بألوان قوس قزح من تقدمة مدحت بنزهير.
أما في الملبوسات، فيقدم المعرض موضة الشارع من خلال القمصان المزركشة بعبارات من اللهجة العاميّة والأمثال والإشارات الطرقية من إبداع «استديو زفير»، إضافةً إلى الإكسسوارات التي يقدمها «استديو صدفة» عبر منتجاته من حقائب اليد المصنوعة من صناديق الصدف التقليدية أو حقائب اليد الصغيرة التي زيّنت مشابكها بالأحجار. فيما يضفي «استديو كوجاك» لمسة خاصة في مجال تصميم الأزياء النسائية عبر مجموعة من الأثواب المصممة خصيصاً للمعرض والمستوحاة من منظر القاهرة كما يبدو من استديو المصمم مهند كوجاك في جاردنز سيتي. أما متجر «تومبوكّا» الإلكتروني فيقدم مجموعة من القمصان والحقائب القماشية وحافظات الهواتف الجوالة والمساند والساعات التي أبدعها مصممون محليّون.
هذا ويحتفي المعرض أيضاً بصناعة الفخار التقليديّ في مصر عبر مشاركة مدرسة الفيوم للفخار؛ بالإضافة للبلاط الإسمنتي من إنتاج «شركة النيل»؛ وأواني الطبخ ذات الطلاء المعاصر من إنتاج «استديو من بلدها»؛ والسجاد يدوي الصنع من إنتاج مؤسسة «كليم» المجتمعية. وبدورها تقدم نيفين ألتمان مجموعة من المساند والحقائب والشالات المزركشة بزينة تقليدية، فيما يقدم «استديو فيل» مجموعة من المفكرات السنوية يدوية الصنع، بالإضافة لمجموعة ورق اللعب التي أبدعها وائل عزّام بعنوان «كوتشينة شعبي» المستوحاة من الثقافة الشعبية المصرية.
وفي سياق متصل، يعيد الفنان ابراهيم أحمد النظر في الطوب الأحمر، أحد أكثر مواد البناء استخداماً وأوسعها انتشاراً في مصر، ويقدمه كعمل نحتي خالص، لتتبدى كل طوبة على حدة بنفس القساوة الظاهرية للطوب الأصلي مع فرق بسيط ألا وهو أن كلاً منها صُنِع باستخدام ما يقارب المئة طبقة من الأقمشة العالمية المتواجدة في السوق المحليّة. هذا وستعرض تسع صور للطوب المنجز إلى جانب طوبة أصلية ضمن المعرض.
تصميم الغرافيك
هناك نقص حاد في الخطوط العربية الأصيلة المتقنة والمثيرة للاهتمام، فعلى سبيل المثال حمّل ١٤ مليون مستخدم خطّ «القاهرة» (عربي/لاتيني) والذي أطلقه محمد جابر مؤسس خطّ «كيف» في ربيع العام ٢٠١٦. وعليه، عيّن محمد الشاهد القيّم الفني لمعرض «القاهرة الآن! مدينة غير مكتملة» المصمم أحمد حمود، الذي يتولى تصميم مجلة «مشاهد القاهرة»، بغية إنجاز مطبوعات المعرض.
أما الخرائط التي تقدمها «مواصلة القاهرة» وفاليري عارف وغادة والي، فتشرح بوضوح كيف يمكن لتصميم غرافيكي محكم أن يعقلن شبكة الطرقات الفوضوية في مدينة ما، وينظم نظام النقل العمومي المعقد. وتُستكمل الخرائط بمجموعة من الملصقات البصرية التي تقدم توليفة فريدة عن كل الأشياء التي يمكن مصادفتها بدءاً بالتعليقات السياسية والمعارض الفنية وصولاً إلى الحفاظ على الخطوط التي استخدمتها المحلات القديمة لكتابة يافطاتها في وسط مدينة القاهرة.
أما الوسم الدعائي فهو ممثل بسلسلة من الشعارات التي أبدعها إسلام حسن لـ متجر «كوتون بول» الإلكتروني وهابي جرجس لـ «شركة النيل» وسلمى شامل لمركز السينما البديلة «سينماتيك» في وسط مدينة القاهرة. بالإضافة لعمل رقمي لماجد السكري حيث يصوّر المدن في بورتريهات تحمل قسمات معمارية، وسلسلة الرواية الخيالية المصورة بعنوان «الشبكة الشمسية» لجنزير والتي تبرز المواهب المحلية في حقل الرسوم التوضيحية. كما وقد أبدعت فنانة الشارع أغنيس ميتشالزيك الملقبة بـ«مزّة» واجهة خاصة لفضاء «معرض القاهرة الآن! مدينة غير مكتملة»، وهو عبارة عن كولاج رقمي بالأبيض والأسود لنساء متواجدات في أماكن مخصصة للرجال.
التصميم المدينيّ والبحث
جمع محمد الشاهد توليفة كبيرة من المعماريين والمصورين والمخططين المدينيّين والأكادميين الذين يعملون في القاهرة على توثيق ومناقشة تاريخ وتطور التصميم والعمارة في البيئة المدينيّة.
تتضمن المجلدات الفوتوغرافية المشاركة كتاباً بعنوان «خط موجود» لنهى زايد وبسمة حمدي اللتان عملتا على تسجيل الخطوط المستخدمة في واجهات المحلات والمنازل والشاحنات والقوارب والمدارس. فيما يؤرشف «استديو ميم» الأثاث المعاد تصنيعه الذي يميّز شوارع القاهرة عبر كتاب بعنوان «صالون الرصيف: ألف كرسي شارع وكرسي من القاهرة». وتعرض الفنانة رنا النمر فيديو بعنوان «التحريك العقلي» الذي يتناول تصميم الشرفات في مصر.
وفي الحقل الرقمي، يركزّ أحمد حمود على الثقافة البصرية عبر أرشيفه مفتوح المصدر والمتاح على شبكة الانترنت (www.samaklaban.net)، بينما يعكف الباحث المدينيّ عمر أبو طويلة والمصورة الفوتوغرافية سندس سيف الدين على توثيق ما بقي من الإعلانات المكتوبة بخط اليد والتي تغطي واجهات بعض المباني لمشروعهما «جدران ميتة» (www.facebook.com/deadwallsegy).
كما وسيضم المعرض مساحة للمبادرات التي تحاكي وتهدف للحفاظ على فضاء القاهرة العمومي، حيث سيعرض «استديو ٣٩» تصاميم لواجهات المحلات في أحد الشوارع الرئيسية وسط القاهرة، بالإضافة لإعادة تصميم «ممر كوداك» من قبل «مختبر عمران القاهرة» (كلستر). وللقضايا الاجتماعية حضور في المعرض أيضاً عبر التصميم الذي يقدمه «استديو تكوين» لمساحة لعب مخصصة للاجئين السوريين في ضواحي المدينة الصحراوية. وتشكل المشاركة المجتمعية صلب المنصة التعاونية التي يطرحها أحمد ظاظا بعنوان «مدّ» والتي تتيح الفرصة لسكان مثلث ماسبيرو النقاش حول المخطط الرئيس الذي وضعه نورمان فوستر وما يطرحه من اسبتدال النسيج المدينيّ القديم بآخر حديث قائم على الأبراج والمساحات التجارية.
العمارة
ستعرض ثلاث صور وفيديو وثيقة الصلة بثيمة المعرض عن فيلات فخمة مهجورة تطّل على أهرامات الجيزة للمعمارية المعاصرة شهيرة فهمي. كانت فهمي من بين روّاد العمارة في مصر، ولكنّ حياتها المهنية كمعمارية سرعان ما تدهورت بعد قرار المستثمرين الانسحاب من السوق المصرية على خلفية الانتفاضة الشعبية في العام ٢٠١١، ما دفعها لترك العمارة والتركيز على مهنة التمثيل.
وبدوره يقدم المعماري سمير الخوري، الذي بات معروفاً باستخدامه المواد غير التقليدية والحلول المكانية، آخر إبداعاته بعنوان «بيت الألعاب الرياضية».