هبطت بحدة القيمة الإجمالية للعقود التي تمت ترسيتها خلال الربع الثاني من عام ٢٠١٦ بمعدل ٢٧٪ مقارنة مع الربع الأول من العام. وإن قيمة العقود التي تمت ترسيتها خلال الربع الثاني من عام ٢٠١٦، والتي بلغت ٢٠.٣ مليار ريال، قد جاءت معاكسة للتوجه الذي شهدناه عبر السنوات الماضية المنتهية بعام ٢٠١٥، مسجلة أدنى قيمة ربع سنوية للعقود التي تتم ترسيتها خلال هذه الفترة. ويُعزى هذا الانخفاض أساساً للتراجع في ترسية عقود المشاريع الضخمة، نتيجة لإعادة الهيكلة المالية من قبل الحكومة. بيد أنه هناك زيادة كبيرة في ترسية عقود المشاريع الأصغر التي تركز على تعزيز البنى التحتية للمملكة. وبعد أن بلغت قيمة العقود التي تمت ترسيتها ٩.٣ مليار ريال في شهر أبريل، هبطت إلى ٣.١ مليار ريال في شهر مايو، مسجلة واحدة من أدنى قراءات قيمة العقود التي تمت ترسيتها منذ شهر أبريل من عام ٢٠١٠. وفي حين أن مشاريع المترو العملاقة ستتوقف في كلٍ من جدة والمدينة المنورة والدمام خلال عام ٢٠١٦، لا يزال الاستثمار في مشاريع قطاع النفط والغاز مستمراً، كما هو الحال أيضاً في قطاع الكهرباء. وكانت أكثر القطاعات مساهمة في قيمة العقود التي تمت ترسيتها خلال الربع الثاني من عام ٢٠١٦ قطاع النفط والغاز الذي حاز على حوالي ٣٢٪ من القيمة الإجمالية للعقود التي تمت ترسيتها بقيمة ٦.٥ مليار ريال، يليه قطاع البتروكيماويات بحصة ٥.٦ مليار ريال (٢٨٪)؛ ثم قطاع العقار السكني بحصة ٢.٩ مليار ريال (١٥٪). وشهد قطاع الكهرباء ارتفاعاً في قيمة العقود التي تمت ترسيتها مقارنة بالربع السابق من العام الحالي مسجلة ٢.٤ مليار ريال (١٢٪). وشكلت القطاعات الأخرى ١٣٪ من القيمة الإجمالية للعقود التي تمت ترسيتها.
خفتت وتيرة قيمة العقود التي تمت ترسيتها خلال النصف الأول من عام ٢٠١٦، وجاء الهبوط الحاد في نشاط ترسية العقود في أعقاب إنهيار أسعار النفط، مع لجوء الحكومة لتقليص الإنفاق وتأجيل بعض خططها الإنفاقية. وقد تمت ترسية ما قيمته حوالي ٤٨.٢ مليار ريال من العقود خلال النصف الأول من عام ٢٠١٦، مقارنة مع ١١٦.٩ مليار ريال للعقود التي تمت ترسيتها خلال نفس الفترة من عام ٢٠١٥. وستكون ترسية العقود خلال النصف الثاني من العام وعام ٢٠١٧ رهينة للخطة الحكومية الجاري تطبيقها حالياً والتي ترمي لتقليص حجم المشاريع وتنفيذها حسب أولويات معينة. وإذا شهدنا توجه تصاعد لأسعار النفط، فمن شأنه أن يخفف وطأة الأوضاع، غير أن هذا السيناريو مستبعد؛ وعليه، يبدو أن المزيد من الانخفاض في نشاط ترسية العقود هو الناتج المتوقع.
وهبط مؤشر عقود الإنشاء خلال شهرين متعاقبين من مستوى ١٢٥.٨ نقطة لشهر أبريل إلى ١٠٩.٤ نقطة لشهر مايو. إلا أن المؤشر ارتفع إلى ١١٧.٥ نقطة في شهر يونيو. وكان التراجع الكبير في ترسية عقود المشاريع العملاقة خلال الربع الثاني من العام هو العامل الرئيسي في هبوط المؤشر، الذي أبدى أداءً متأرجحاً منذ الربع الأول من عام ٢٠١٦. وسجل مؤشر عقود الإنشاء التي تمت ترسيتها انخفاضاً بنسبة ٦٦٪ بنهاية الربع الثاني من عام ٢٠١٦، مقارنة مع نفس الفترة من عام ٢٠١٥ حينما سجل المؤشر٢٨٥.١ نقطة.
ويتضح من التوزيع الجغرافي لعقود الإنشاء التي تمت ترسيتها أن المنطقة الشرقية لا تزال تحرز أكبر حصة من قيمة العقود التي تمت ترسيتها. وحصلت المنطقة الشرقية على حوالي ٤٨٪ من قيمة العقود التي تمت ترسيتها خلال الربع الثاني من عام ٢٠١٦ بفضل إستثمارات مكثفة من قبل شركة أرامكو السعودية في قطاع النفط والغاز. وجاءت منطقة مكة المكرمة في المرتبة الثانية بحصة ٢١٪، تعود في معظمها لمشاريع ضخمة في قطاع البتروكيماويات. وشهدت منطقة الرياض ترسية عدد من العقود لتحصل على حصة ١٧٪ من إجمالي قيمة العقود التي تمت ترسيتها، وذلك بفضل عدد من العقود في قطاعي العقار السكني والتنمية الحضرية. ونالت منطقة القصيم حصة ٨٪ من القيمة الكلية للعقود التي تمت ترسيتها عقب ترسية عقد ضخم في قطاع العقار السكني من قبل كلية سليمان الراجحي (الرسم البياني ٣).
الآفـاق المسـتقبلية
أبدى النصف الأول من عام ٢٠١٦ انخفاضاً حاداً في قيمة العقود التي تمت ترسيتها، ومن المرجح أن يتواصل هذا التوجه فيما تبقى من العام وامتداداً لعام ٢٠١٧. وعقب إعلان وزارة المالية عن حسم الإنفاق على البنى التحتية بما يقارب ٦٠٪، لينخفض من ٦٣ مليار ريال في عام ٢٠١٥ إلى ٢٣.٩ مليار ريال في عام ٢٠١٦، اتسم النمو في سوق المشاريع بالمملكة بالبطء. وإن القرار الصادر بشأن أيقاف مشروع توسعة الحرم النبوي الشريف يدل على توجه لتخفيض الإنفاق على مشاريع المترو، أو حتى تأجيلها. وفي غضون ذلك، استمرت ترسية العقود في قطاعات النفط والغاز، والبتروكيماويات، والطاقة، مساهمة بحصةٍ كبيرةٍ في قيمة العقود التي تمت ترسيتها خلال النصف الأول من العام الجاري. وعلى المديين القصير والمتوسط، سيتزايد اعتماد سوق المشاريع بالمملكة على القطاع الخاص. بيد أن المضي قّدماً سيقتضي بعض الوقت، حيث يستلزم الأمر اعتماد تشريعات ولوائح جديدة. وفيما يبدو أن الشراكة بين القطاعين العام والخاص هي صيغة التمويل الأكثر ترجيحاً لمشاريع البنى التحتية القادمة.
وعلى ضوء الدور الحيوي الذي يؤديه سوق المشاريع في استدامة نمو الاقتصاد، فإن المزيد من تعليق ترسية العقود سيكون له بالتأكيد تأثير سلبي على قطاع الإنشاء. وتتوفر دلائل قوية على أن ذلك ما يحدث الآن بالفعل، حيث أُعتبر الآلاف من العمال فائض عمالة، كما أن كبار المقاولين يؤجلون ويجدولون سداد مديونياتهم لدى البنوك. إضافة إلى ذلك، فقد سجل الناتج المحلي لقطاع الإنشاء تراجع بمعدل -١.٨٩٪ على أساس سنوي في الربع الأول من عام ٢٠١٦. وعلى أية حال، ولولا القيمة الكبيرة للمشاريع التي تمت ترسيتها خلال السنوات القليلة الماضية والتي تجاوزت ١.٠ تريليون ريال، ويجري تنفيذ معظمها حالياً، لشهد الناتج المحلي لقطاع الإنشاء هبوطاً أكثر حدة. وبالنظر إلى الوتيرة الراهنة لترسية العقود وفقاً لما شهدناه في النصف الأول من العام، فإن الناتج المحلي لقطاع الإنشاء سيواصل تسجيل معدل نمو سالب، ساحباً قطاعات أخرى للأسفل معه.