توقع مختصون نفطيون أن تتواصل مسيرة نمو أسعار الخام في الأسواق الدولية خلال الأسبوع الجارى بعد أن كسب الخامان القياسيان نحو 10 في المائة خلال الأسبوع الماضي.
وعزا المختصون استمرار مسيرة التعافي إلى اقتراب الموعد المنتظر لاجتماع كبار منتجي النفط في العالم في منظمة "أوبك" وخارجها لبحث سبل تحقيق الاستقرار في السوق وبحث فكرة تجميد الإنتاج دعما للأسعار وبلورة رؤى مشتركة وتطوير العمل الجماعي للسيطرة على فائض المعروض النفطي في الأسواق.
وأوضح جون واتسون رئيس شركة "شيفرون" العالمية أن المرحلة الراهنة تمثل أبرز التحديات لصناعة الطاقة في العالم، مشيرا إلى ضرورة العمل بشكل جاد ومستمر نحو اكتشاف وتطوير وقود المستقبل وتقديم المحروقات اللازمة لتلبية الطلب العالمي، مؤكدا أنه من المتوقع أن يزيد الطلب على الطاقة بنحو 40 في المائة على مدى السنوات الـ 20 المقبلة.
وقال واتسون – في تقرير دوري للشركة – "إنه من أجل تلبية الطلب العالمي المتزايد، فسنحتاج إلى جميع أشكال وموارد الطاقة بما في ذلك النفط والغاز الطبيعي والفحم والطاقة النووية والمتجددة والوقود البديل".
وأضاف واتسون أن "التوقعات تشير إلى أن النفط والغاز والفحم ما زالت وسيتظل تمثل نحو 75-80 في المائة من مزيج الطاقة في العالم حتى عام 2035"، لافتاً إلى أن مزيج الطاقة اليوم يتضمن بالفعل مصادر الطاقة المتجددة التي أثبتت جدواها الاقتصادية مثل الطاقة الحرارية الأرضية والطاقة المائية وطاقة الرياح والطاقة الشمسية والوقود الحيوي، وبالفعل يوجد بعض التقدم الجيد في تطوير مصادر الطاقة المتجددة.
ويرى واتسون أن الاستثمارات النفطية، رغم الصعوبات التي تعانيها حاليا بسبب ضعف الأسعار، إلا أن عليها ضمان الالتزام بسياسات وأنظمة لا تخنق التقدم في تطوير وتحسين النماذج الموجودة من الطاقة في الداخل والخارج.
وشدد واتسون على الحاجة إلى سياسات تساعد القطاع على الاستفادة من الموارد المتاحة باستخدام الابتكارات التكنولوجية التي غيرت منظومة الطاقة الأمريكية على مدى العقد الماضي وجعلت محور المناقشات يتغير "حيث كنا نناقش من قبل مشكلة ندرة الطاقة وأصبحنا الآن نواجه ونناقش مشكلة عكسية وهي وفرة الطاقة".
وأشار واتسون إلى أن سياسات الطاقة في العالم يجب أن تقوم على عدة محاور أساسية أولها ضرورة الحفاظ على بقاء الطاقة متوافرة بأسعار معقولة، لأن الاقتصاديات لن تتحسن ومستويات المعيشة لن تتقدم دون توافر طاقة بأسعار جيدة ومناسبة وثانيها ضرورة الحصول على طاقة آمنة وموثوق بها ولن يتحقق ذلك دون توافر موارد ومصادر متنوعة للطاقة وفي نفس الوقت قابلة للتطور والتفاعل الجيد مع مستويات الطلب.
وبحسب رئيس "شيفرون" الأمريكية فإن الولايات المتحدة تعتبر حاليا ثاني أكبر منتج للطاقة في العالم وتقف على قدم المساواة مع السعودية وروسيا، حيث تتمتع بإنتاج مزدهر من الغاز الطبيعي، كما أنها جزء من منظومة النفط والغاز في أمريكا الشمالية ولديها 25 في المائة من موارد الطاقة في العالم خاصة الفحم والطاقة النووية ومصادر الطاقة المتجددة، والأخيرة تسهم بشكل كبير في مزيج الطاقة الأمريكي.
من جهته قال سيفين شيميل مدير شركة "في جي آندستري" الألمانية، "إن فكرة تجميد الإنتاج يمكن أن تنجح وتلقى قبولا واسعا بين المنتجين وهو ما سيتضح عقب الاجتماع المقبل في موسكو الذي يضم 15 منتجا"، مشيرا إلى أن خروج هذا العدد الكبير بتوافق تام حول سياسات الإنتاج سيمثل رسالة قوية للأسواق وستكون لها انعكاسات واسعة على الأسعار يقدرها البعض بالعودة إلى مستوى 50 دولارا للبرميل.
وأضاف شيميل أن "حدوث الإجماع المنتظر سيجعل إيران في موقف لا تحسد عليه ويؤكد خروجها عن الإجماع الدولي إذا لم تستجب إلى نداءات التعاون والالتزام التي أطلقتها روسيا وفنزويلا وبقية المنتجين".
وأشار شيميل إلى أن السعودية تسير وفق سياسات نفطية جيدة وعلى قناعة تامة باستبعاد فكرة خفض الإنتاج في المرحلة الراهنة، وهو ما أكده المهندس على النعيمي وزير البترول والثروة المعدنية السعودي في الولايات المتحدة، كما شدد عليه أيضاً عادل الجبير وزير الخارجية في باريس أخيرا، موضحا أن هذه القناعة تجيء انطلاقا من ضرورة الحفاظ على الحصص السوقية وفي نفس الوقت ضرورة أن يلتزم بقية المنتجين بوقف السباق الإنتاجي.
إلى ذلك، أشار ردولف هوبر الباحث والمختص في شؤون الطاقة، إلى أن تراجع منصات الحفر العاملة في الولايات المتحدة للأسبوع الحادي عشر على التوالي الذي تزامن مع صدور بيانات أمريكية إيجابية بشأن الوظائف، دفع أسعار النفط إلى الارتفاع، ومن المتوقع أن يستمر نمو الأسعار بقوة خلال الأسبوع الجاري.
وبحسب هوبر فإن التقدم في ملف تعاون المنتجين بشأن إنهاء حالة فائض المعروض النفطي في الأسواق سيكون داعما أكبر للأسعار خاصة إذا جاء متواكبا مع تحسن ملموس في مؤشرات النمو الاقتصادي في دول الاستهلاك وبخاصة الصين التي تتبنى خططا مستمرة لتحفيز الاقتصاد وتجاوز حالة الانكماش والتباطؤ الاقتصادي خاصة في مجال الصناعات التحويلية.
وأشار هوبر إلى أن هبوط الأسعار في الفترة الماضية كانت له جوانب إيجابية تمثلت في تطوير عملية التسويق وتحسين سياسات التسعير لمبيعات الخام وهو ما جعل المنافسة تشتد بين المنتجين في أغلب أسواق العالم، فلم تعد "أوبك" قاصرة على الأسواق الآسيوية، بل أصبحت تنافس بقوة في الأسواق الأوروبية، والعكس صحيح بالنسبة إلى روسيا التي ضعف وجودها في بعض الأسواق الأوروبية مثل بولندا والسويد، بينما نجحت في تعزيز صادراتها في آسيا.
ويرى هوبر أنه وفقاً لآليات العرض والطلب فقط فإن أسعار النفط مرشحة للبقاء منخفضة لفترة طويلة وهو ما أكدت عليه وكالة "موديز" الدولية للتصنيف الائتماني في أحدث تقاريرها وذلك ما أدركه جيدا كبار المنتجين، ومن ثم جاء التحرك نحو تجميد الإنتاج الذي ما زال كثيرون يشككون في جديته لكن فرص نجاحه كبيرة وسيكون لها مردود إيجابي واسع على مستوى الأسعار.