منذ أن استخدم غاليليو التلسكوب للتحديق في النجوم من على قمة جبل في إيطاليا، وإلى يومنا هذا لم تدخل تغييرات رئيسية على طريقة عمل تلك الأداة التي يستخدمها علماء الفلك لرؤية الفضاء من على بُعد مليارات الأميال، ولا تزال تحافظ على تصميمها العام حتى الآن.
في الواقع، حتى لو كنت تنظر إلى النجوم باستخدام خلايا الضوء الحساسة الموجودة في عينيك، تتم عملية تشكيل الصورة بالطريقة نفسها. حيث تجمع الطريقتان الضوء من جسم معين ومن ثم تعكسه إلى شكل الصورة. وكما تستخدم الأرصاد الفلكية ومختبرات العلوم التلسكوب لرؤية الصور بوضوح، يستخدم القمر الصناعي التلسكوب لهذه الغاية أيضاً. وهكذا نحصل على صور الخرائط ونتعرف على الأرصاد الجوية، ومن المرجح أنكم سمعتم عن أن أشهر هذه العدسات التي يتم استخدامها في الفضاء البعيد وهي "مرصد هابل الفضائي".
وفي الفضاء تبرز ضرورة أخذ صور عالية الدقة لرصد الأجسام البعيدة بشكل جيد مما يتطلب تلسكوبات بحجم كبير جداً لدرجة أن عناصر حجم ووزن وقوة التلسكوب قد تحتاج إلى نظام متكامل. كما أن وضع تلسكوبات ثقيلة وكبيرة الحجم في الفضاء يعتبر عملية مكلفة جداً.
وقال دانيل وشنيش، عالم البحوث في مركز التقنيات المتقدمة لدى لوكهيد مارتن في بالو ألتو، كاليفورنيا: "يمكننا تغيير حجم ووزن التلسكوب بشكل كبير، وذلك قبل أن يصبح إطلاقه في الفضاء الخارجي غير عملي. كما أن طريقة عمل العينين هي ليست الطريقة الوحيدة لتحليل ورصد صور العالم من حولنا."
عدسات سبايدر: القوة تكمن في العدد
ومن أجل تقليل وزن تلسكوبات المستقبل، يعمل العلماء لدى لوكهيد مارتن على الاستعانة بطرق جديدة لتحليل ومعالجة الصور باستخدام تقنية يطلق عليها اسم "التداخل"، والتي يتم فيها تجميع الكم الضوئي بالاستعانة بمجموعة من العدسات الصغيرة تحل مكان تلك الكبيرة والمرايا الضخمة أو العدسات المستخدمة في التلسكوبات التقليدية. وتستخدم تقنيات التداخل ذات النطاق الواسع والموجودة في المراصد في مختلف أنحاء العالم لتجميع البيانات على مراحل زمنية طويلة من أجل تشكيل صور فائقة الدقة والوضوح من الفضاء.
وتعكس تقنية "سبايدر" هذا المفهوم حيث تبدأ بالتحديق من الفضاء وتستبدل التلسكوبات الضخمة والتقنيات البصرية المعقدة باستخدام مئات بل آلاف العدسات الصغيرة لتغذية رقائق الدوائر الضوئية المتكاملة المصنوعة من السيليكون وجمع التداخل الضوئي بأشكال ثنائية لتشكيل أهداب التداخل.
يتم قياس حجم أهداب التداخل والمرحلة التي تمر فيها واستخدامها لتكوين الصورة الرقمية. وهذا يوفر زيادة في دقة الوضوح ويسهم في الوقت نفسه في الحفاظ على حجم رقيق. وتعتبر هذه الفكرة الثورية شبيهة بتلك التي ساعدت على استبدال التلفزيون الضخم القديم بآخر شاشته فائقة الرقة ويمكن تعليقه على حائط غرفة الجلوس. كما أنها نفس الطريقة التي تقوم فيها تقنية التصوير من "لوكهيد مارتن" والتي يطلق عليها اسم "Segmented Planer Imaging Detector for Electro-optical Reconnaissance" "كاشف الصور المقطّع المستوي للاستطلاع الكهرو بصري"، أو "سبايدر"، بتقليص الحجم والوزن والقوة اللازمة للتلسكوب بمقدار 10 على 100. ويمكن أن يُحدث هذا المفهوم الجديد فارقاً كبيراً ومؤثراً بالنسبة للأقمار الصناعية التجارية والحكومية على حد سواء.
للاطلاع على الرسم البياني الكامل حول طريقة عمل "سبايدر".
وقال آلان دونكان، زميل آخر لدى لوكهيد مارتن: "تعد القدرة على بناء مصفوفات متداخلة تحتوي على العدد نفسه من القنوات كالكاميرا الرقمية خطوة في غاية الأهمية. حيث يمكن التقاط صورة سريعة ومعالجتها والحصول على الصور على الفور. وباختصار هي عملية تتطلب معاملة مصفوفات التداخل وكأنها كاميرا تعمل بنظام التصويب والالتقاط."
لا تتطلب الدوائر الضوئية المتكاملة المدمجة في "سبايدر" توافقية معقدة ودقيقة من العدسات الكبيرة والمرايا. وهذا سيقلل من أثر المخاطر على المدار الفضائي. ويمكن إعادة ترتيب عدساتها الكثيرة بعدة تشكيلات، ما يتيح إمكانية توفير خيارات مرنة. وعادةً تكون التلسكوبات اسطوانية الشكل، ولكن "سبايدر" سيبدأ حقبة جديدة تضم أشكالاً مختلفة تحدق في السماء، وقد تأتي مربعة الشكل أو سداسية أو حتى بمفهوم مختلف كلياً.
يعمل فريق دونكان الذي يضم وشنيتش على تطوير هذه القدرات بمركز التكنولوجيا المتقدمة الذي يقع في قلب منطقة سيليكون فالي في كاليفورنيا، والذي يضم أيضاً مركز الحمولة البصرية للتميز، مما يجمع خبرات المتخصصين في المراقبة الفضائية لدى لوكهيد مارتن. فقد قام آلان وعلماء آخرون بتشكيل قاعدة البحث للمركز، من أجل أن تتاح في يوم من الأيام إمكانية تصنيع مركبة فضائية بتقنيات متطورة مثل "سبايدر".
المستقبل يبدو مشرقاً (ومضيئاً)
يجري العمل على تطوير "سبايدر" بتمويل من وكالة الدفاع لمشاريع البحث المتقدمة، ولا تزال عملية التصميم في مراحلها الأولى. وتستخدم هذه التقنية العديد من العدسات التي ترتبط بالميكرو كونترولر الذي عمل على تطويره شركاء لوكهيد مارتن في جامعة كاليفورنيا، دافيس. وعلى الرغم من التقدم التكنولوجي، إلا أن دونكان يتوقع أن قدرات "سبايدر" لا تزال بحاجة من 5 إلى 10 سنوات لتصبح ناضجة ومتكاملة.
ومع ذلك، يرى الفريق مستقبلاً يمكن فيه تعديل حجم ووزن التلسكوب لتقديم قدرات مماثلة للتلسكوبات التي تقوم حالياً بتصوير الكوكب، وبأقل قدر من الكلفة. في الواقع، يمكن لـ "سبايدر" العمل من على متن مركبة فضائية كحمولة إضافية، حيث يمكن ببساطة تحميله ووضعه على جانب المركبة بأقل قدر ممكن من تأثيرات الحجم والوزن والقوة.
وقال دونكان: "تتيح تقنية سبايدر إمكانيات استكشاف رائعة من خلال إضافة نظم التصوير عالية الدقة ضمن مدارات نظام الكواكب الخارجية مثل كوكب زحل والمشتري. وستحدث القدرة على تصغير الحجم وتقليل الوزن وكمية استهلاك الطاقة نقلة نوعية. والآن مع دقة بمقدار 10 إلى 100 مرة مقارنة مع التلسكوبات التقليدية، تخيل ماذا الذي يمكن أن يستكشفه "سبايدر"."