تحت مظلة "دبي عاصمة الاقتصاد العالمي" منتدى فقه الاقتصاد الإسلامي بدبي يختتم أعماله بتوصيات ملزمة
اختتم منتدى فقه الاقتصاد الإسلامي بدبي فعالياته أمس بعد نقاشات مطولة على مدار ثلاثة أيام شهدتها أروقته بين علماء في شتى اختصاصات الاقتصاد الإسلامي من علماء شرعيين ومختصين في الحقل الاقتصادي وعدد من المفكرين والباحثين. أقر خلالها المنتدى عدداً من التوصيات التي سيسعى إلى أن تكون ملزمة في المؤسسات المالية الإسلامية في مختلف أنحاء العالم.
وجاء عقد منتدى فقه الاقتصاد الإسلامي في إمارة دبي تحت مظلة مبادرة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي "رعاه الله"، "دبي عاصمة الاقتصاد الإسلامي العالمي"، ورعاية كريمة من سمو الشيخ حمدان بن محمد آل مكتوم، ولي عهد دبي، رئيس المجلس التنفيذي للإمارة. ونُظم المنتدى من قبل دائرة الشؤون الإسلامية والعمل الخيري بدبي، وبالتعاون مع مركز دبي لتطوير الاقتصاد الإسلامي.
86 بحثاً و20 دولة شهدت أعمال المنتدى تقديم 49 بحثاً، جرى طرح منها 32 بحثاً تناولت العديد من المواضيع الحيوية التي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بأعمال المنتدى، وبلورة نظرة أكثر عمقاً للاقتصاد الإسلامي في ظل التغيرات الكبيرة التي طرأت على الاقتصاد العالمي لا سيما في السنوات القليلة الماضية التي شهدت تحولاً دراماتيكاً في بنية الاقتصاد العالمي ككل، الأمر الذي يتطلب، وفقاً للمتحدثين في المؤتمر، ضرورة إعادة النظر في العديد من المفاهيم المستجدة ووضع رؤى جديدة تسهم في ابتكار أدوات فقهية ترسي أسس عمل اقتصادي إسلامي مستدام. كما شهد المنتدى مشاركة 20 دولة كمصر والسودان وسوريا وماليزيا وفرنسا وبريطانيا والسنغال وغيرها.
أصل الاقتصاد الإسلامي الحرية الاقتصادية لفتت البحوث المقدمة في المنتدى إلى أن الأصل في الإسلام هو الحرية الاقتصادية، إذ ناقش المجتمعون ورقة بحث بعنوان: "حرية التصرفات المالية في الإسلام"، جرى خلالها التأكيد على القيمة الأعظم في تاريخ الاقتصاد الإسلامي، وأساس نظام التصرفات المالية وهي رعاية حق التملك، وبكلمات أخرى الحرية الاقتصادية، إذ أنها تعتبر أصل طبيعي وشرعي يستمد قوته من النصوص القرآنية الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة. ولا يحق لأي أحد الانتقاص منها أو تقييدها إلا لولي الأمر وفي حالات معدودة وفقاً لما تقتضيه المصلحة العامة وحاجة المجتمع الاقتصادية والأمنية والأخلاقية وغيرها مما يراه ولي الأمر ضرورياً لاستقرار البلاد وسلامة العباد. وكان لبحثٍ آخر في مجال التأصيل الاقتصادي الإسلامي بعنوان: "نظرات قرآنية حول أثرة الزكاة"، انعكاس كبير على تشكيل فهم أعمق لتشريع الزكاة في المجتمع الإسلامي، نظراً لأنها تشكل نظام اقتصادي ذو أبعاد تنموية عميقة تتفاعل مع القوانين الحاكمة لسلوك الوحدات الاقتصادية. وتناول البحث أيضاً قدرة الزكاة على إحداث الأثر الاقتصادي المطلوب عبر أثرها في التنمية والتخلص من المفاسد الاقتصادية وغرس القيم الصحيحة، وعلاج مشكلة الفقر، وتحقيق التنمية الاقتصادية ومحاربة الاكتناز وتنشيط الاقتصاد وعلاج البطالة وتنمية الفرد المسلم. وتطرق النقاش إلى أن شعيرة الزكاة تضطلع بدور حيوي وهام في تعزيز السلم الاجتماعي بوصفه أداة تحقق أسس التكافل الاجتماعي وتقوية أواصر المحبة والتواصل بين مختلف طبقات المجتمع. كما ناقش المنتدى جملة من القضايا التي تصب في صالح إحلال التنمية القائمة على الموارد الطبيعية فقط إلى تنمية قائمة على تنويع اقتصادي، مما يتطلب تشجيع القطاع المحلي الخاص لتحقيق التنمية المستدامة والاستقرار الاقتصادي في عالم اليوم الذي أكثر ما يوصف بعدم الاستقرار المالي والاقتصادي. وشدد المؤتمرون على ضرورة توظيف الأدوات المتوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية، للاستفادة من ارتفاع الطلب على المنتجات الإسلامية القائمة على المعايير الأخلاقية محلياً ودولياً، الأمر الذي من شأنه تعزيز الارتباط بين القنوات التمويلية الإسلامية وبالتالي توفير الحماية الضرورية والضمانات الفعلية للإدخارات والاستثمارات في القطاعات التي تحقق الرفاهية المجتمعية وتقضي على مواطن الضعف في الاقتصاد الإسلامي. كما عمدت أحد البحوث المعروضة أمام المنتدى إلى تحليل مدى إمكانية استفادة الصناعة المالية الإسلامية من صناديق الثروة السيادية وخاصة الخليجية التي تراكمت لديها على مدار السنوات الأخيرة فوائض مالية كبيرة تبحث عن استثمارات آمنة، وما الذي يمكن أن تقدمه للصناعة المالية الإسلامية الناشئة، الأمر الذي يجعل من الأبحاث منصة شاملة تناولت كافة هموم الاقتصاد الإسلامي والمعوقات التي تقف حائلاً دون تحقيق أهدافه، والسبل الكفيلة بتحقيق الاستدامة الاقتصادية الإسلامية.
دبي حاضنة السياحة العائلية الأولى في العالم وتناولت ورقة بحثية بعنوان السياحة العائلية أهمية السياحة في نسيج الاقتصاد الإسلامي، لا سيما السياحة العائلية التي باتت تشكل عاملاً محورياً في نمو الاقتصاد الإسلامي، حيث تتحدث تقارير عالمية صادرة عن شركة طومشون رويترز أن السياحة العائلية تمثل 12.5% من سوق السياحة العالمية بقيمة إجمالية وصلت إلى 1.07 تريليون دولار أمريكي في عام 2012، ووصفت التقارير أن حجم وإمكانات سوق السياحة العائلية بأنها أكبر من سوق الولايات المتحدة الأمريكية، الذي يعتبر بدوره أهم سوق في السياحة التقليدية، بنسبة استحواذ تقدر بـ 11.4% فقط من حجم السوق العالمية. وتشير التقديرات العالمية إلى أن حجم هذا القطاع من المتوقع أن يصل إلى 238 مليار دولار أمريكي عام 2019. وسلط التقرير الضوء على الإمكانات الهائلة التي تجعل دبي المرشح الأول والأبرز في دعم السياحة العائلية، حيث احتلت الإمارات المرتبة الأولى في فئة السياحة ضمن مؤشر التنافسية لمنظمة التعاون الإسلامي في 2013. ونوّه البحث بالخطوات الأولى التي اتخذتها دبي في سبيل الوصول إلى غايتها في الرقم واحد على صعيد السياحة العائلية عالمياً، حيث أطلقت ومنذ العام 2001 إدارة متخصصة بأمن السياح وتوفير الخدمات الأمنية لهم وهي إدارة الأمن السياحي. إلى جانب تنويع وجهات الجذب السياحي، فمن المتاحف التي تعج بها الإمارة، إلى الشواطئ الرملية الساحرة، مروراً بالمهرجانات التي انضمت دبي إلى قائمة أفضل 6 مدن لإقامة المهرجانات والفعاليات على مستوى العالم، وفي هذا السياق لفت البحث إلى إدراك وعي دبي المبكر لهذا القطاع، حيث حمل مهرجان دبي للتسوق في دورة عام 2000 شعار "عالم واحد عائلة واحدة"، والذي يُعد بدوره أكبر وأطول حدث من نوعه على مستوى العالم، بواقع 56 مليون زائر وإجمالي إنفاق 145 مليار درهم منذ انطلاقته للمرة الأولى. وشدد البحث على دلالات احتضان دبي لفعاليات اجتماعات صندوق النقد والبنك الدوليين، الأمر الذي يمثل اعترافاً دولياً صريحاً بالمكانة الاستثنائية لهذه الإمارة على مختلف الصُعد بما فيها السياحية وتنظيم المؤتمرات والفعاليات، حيث صرح وقتها جميس وولفنسون، رئيس البنك الدولي، في نهاية الاجتماعات أنها الأنجح على الإطلاق وأن غرفة العمليات لم يشاهد مثلها حتى في واشنطن، لافتاً إلى أن دبي من أرقى الأماكن التي تم عقد اجتماعات الصندوق والبنك فيها! وتناول البحث جزئية في غاية الأهمية على صعيد السياحة العائلية وهي الحدائق، إذ عُرفت إمارة دبي بحدائقها التي تتميز كل واحدة، بأجواء استثنائية خلابة، حيث تطول القائمة التي تضم: الصفاء، الممزر، مشرف، زعبيل، الخور، شاطئ الجميرا، حيث تغطي هذه الحدائق مساحة 30 مليون متر مربع من المساحات الخضراء. ولفت البحث إلى أن البنية السياحية التحتية لإمارة دبي تؤهلها لأن تكون وجهة السياحة العائلية الأولى عالمياً، إذ تضم دبي أكثر من 92 ألف غرفة فندقية، فضلاً عن قائمة المقومات التي لا حصر لها مثل: برج خليفة، نافورة دبي، مركز دبي التجاري العالمي، جزر دبي، طيران الإمارات، الموانئ، القرية العالمية،مدن دبي التخصصية، ميدان، مترو دبي، دبي مول، إكسبو 2020، يُضاف إلى هذه القائمة عدداً من المشاريع التي سترى النور قريباً مثل: مول العالم والذي يعد، عند اكتماله، معجزة أخرى تثبت أن لا حدود لطموح الإنسان، إذ يستوعب 180 مليون زائر سنوياً، وهو أكبر مركز تسوق وأول مدينة مكيفة بالكامل في العالم، بمساحة إجمالية تتجاوز 48 مليون قدم مربع وأكبر حديقة ألعاب داخلية في العالم .. إلخ. وخلص البحث إلى أن دبي مؤهلة الآن وليس تالياً إلى أن تقود دفة السياحة والسياحة العائلية في العالم، لتكون أولى الخطوات نحو ريادة الاقتصاد الإسلامي في العالم.