يشرفني ويطيب لي أن أخاطب جمعكم الكريم هذا اليوم، واسمحوا لي بداية أن أتوجه بالشكر الجزيل إلى الصديق العزيز ذي القيادة الحكيمة والرؤية الإنسانية فخامة السيد غوروديف سري سري شانكار وذلك تقديراً لجهوده في إعداد وتنظيم المهرجان الثقافي العالمي في نسخته العاشرة في العاصمة الهندية نيودلهي، مدينة الفنون والألوان.
فقد أبرز الكُتّاب والمسافرين على حد سواء جمال وروح هذه المدينة القديمة. وقد أظهرت مدينة نيودلهي تنوعها الثقافي والاجتماعي وجوهرها الثمين للعالم بأكمله. وتقدم الهند مجموعة متنوعة من الثقافات واللغات والأديان والأطعمة والفنون ابتداءً من ولاية براديش وصولاً إلى ولاية سورات غوجارات. وهذا التنوع الثقافي يتردد صداه في أماكن كثيرة ابتداءً من جزيرة موريشيوس، حيث يتقاسم الملايين التراث الهندي الممزوج بالعادات والتقاليد المحلية، مروراً بجزر الهند الغربية، وعبوراً بقارتي أوروبا وأفريقيا، حيث تجد الملايين من الرجال والنساء ينحدرون من الأصول الهندية العريقة.
وفي ضوء ذلك، ندرك ونتفهم المكانة البارزة والمرموقة لهذا البلد المدهش في جميع أنحاء العالم. لذا، لا غرابة أو عجب وراء مشاركة الملايين في هذا الاحتفال الرائع طوال عشر سنوات! حيث يعد الاحتفال بالذكرى السنوية العاشرة في كل مؤسسة مرحلة حاسمة ومفصلية كما أنها تمثل فرصة سانحة للتفكير في تجاربنا السابقة، ولكن الأهم من ذلك هو التخطيط جيداً لتحقيق مساعينا الحالية والمستقبلية، ولا يوجد سراً نخفيه وراء نجاح هذا الاحتفال الذي سيواصل تألقه ونجاحه في السنوات القادمة، وبعيداً عن البعد الثقافي، فقد ساهم مهرجان الثقافة العالمي في توحيد الشعوب من خلال إبراز القيم الإنسانية، وترسيخ مفهوم الإيمان والتفاهم والاحترام المتبادل.
إني فخور كذلك باحتفال برنامج الأمم المتحدة لتحالف الحضارات بالذكرى العاشرة لتأسيسه هذا العام. وخلال تلك السنوات العشر، عملنا جاهدين لخلق عالم أكثر سلاماً وأكثر شمولية اجتماعية. ومن خلال هذا الاحتفال، تتشارك فعاليات مؤسسة فن الحياة وبرنامج الأمم المتحدة لتحالف الحضارات بغرض ترسيخ مفهوم الاحترام المتبادل بين الشعوب ذوي الهويات الثقافية والدينية المختلفة. وتتمثل مهمتنا الأساسية في تسليط الضوء على إرادة الغالبية العظمي من البشر الهادفة إلى نبذ كل أشكال التطرف والعنف والاضطهاد والراغبة في احتضان التنوع والتناغم الثقافي والتعددية الفكرية.
كم هو رائع هذا الحشد العظيم وتلك القوى الإيجابية التي جاءت بها الثقافات والديانات المتنوعة في العالم. لا شك أنه بمجرد أن نفهم قدرة بعضنا البعض على جلب السعادة والتضامن سيسود السلام. ويقع على عاتقنا جميعًا، كأفراد وكجزء من المجتمع الدولي، مسؤولية المساهمة في الدعوة إلى مجتمعات سلمية ومستقرة وآمنة.
ما هي أفضل طريقة للاحتفال بالسلام العالمي والإنسانية؟
يمكننا تحقيق حلمنا بالعيش في مجتمعات مندمجة ومتحدة فقط من خلال تثقيف أنفسنا، ومن خلال بذل كل ما بوسعنا لمد يد العون لجيراننا لزيادة مساهماتهم في عالمنا وتعزيز القواسم المشتركة بيننا من خلال التفاهم الثقافي.
ومن خلال تمثيل 3.5 مليون رجل ومرأة من الأجيال الصغيرة والكبيرة يقفون جنبًا إلى جنب للاحتفال بالتنوّع اللامحدود الذي تتكون منه الأسرة البشرية.
وكذلك من خلال إدراك أهمية تعزيز مبادئ ونماذج التآزر والشراكة والتعاون، ولا سيما في عالم أكثر تواصلا وتباينًا في آن واحد من حيث الاندماج الاجتماعي والاقتصادي. وهذا كفيل بتحقيق التفاهم والتواؤم الحقيقي بين الشعوب.
إنني أؤمن بقوة أن الهدف من مهرجان الثقافة العالمي هو الترويج لهذه المبادئ. ويمكننا أن نلمس الانسجام في كثير من الأماكن والأنشطة في حياتنا، وخاصة في مجال الفنون. وتساهم الفنون والثقافة بشكل كبير في بناء السلام. فالفنون هي أداة قوية لتجاوز الخلافات والتوسط في الصراعات. إن الموسيقى والرقص وكافة أشكال الفنون تشكل جميعًا جزءً لا يتجزأ من النسيج البشري. كما أن الفنون لديها القدرة على تجاوز الاختلافات الثقافية وإحلال السلام.
وهذا هو السبب الذي دعاني إلى إضافة الموسيقى والرقص إلى جعبة تحالف الأمم المتحدة للحضارات. وهناك أمثلة عظيمة لفنانين خاطروا بحياتهم من أجل نشر السلام وتحقيق الوحدة. إذ تُثمّن الأمم المتحدة بنحو كبير جهود الفنانين والعاملين في مجال الثقافة الذين استثمروا وقتهم وطاقتهم في توحيد المجتمعات المنقسمة حيث ندعوهم برسل السلام. ولتحقيق التفاهم والسلام الثقافي للعالم، فإننا بحاجة إلى الاستفادة من دور الفنانين المحفّزين بأهداف نكران الذات من أجل بناء عالم يسوده الوئام عبر التغيير والشمولية الاجتماعية. كما تسهم أيضاً الرياضات والوساطات والصلوات في تحقيق الوئام بين الأديان.
واليوم نحتفل بثقافات العالم بقدر ما نحتفل بأديانه. ومنذ أسابيع قليلة احتفلنا بالنسخة الخامسة لأسبوع الوئام العالمي بين الأديان في مكتبي بالأمم المتحدة الذي تشرف باستضافة هذه الفعالية على مدار يوم كامل. وافتخر عند القول بأننا نقدّر في الأمم المتحدة قوة الوئام بين الأديان وتأثيرها وفعاليتها. ولغاية هذا اليوم، لا يوجد أدنى شك بمساهمات القيادات الدينية في مجالات الوساطات، والأعمال الإنسانية، وبناء المجتمع، ومعالجة التطرّف، والأعمال الإرهابية.
وقد مثّل أسبوع الوئام بين الأديان فرصة فريدة للدعوة إلى نشر ثقافة السلام عبر توحيد قوى جميع الأديان. واليوم يقدّم مهرجان الثقافة العالمي فرصة عظيمة أخرى في إيصال ثقافة السلام وهو ما سيجعل تأثيرنا منقطع النظير، فنحن عبارة عن ملايين الناس التي اجتمعت من 155 بلداً لنشر السلام. ولإثراء الهدف من هذا اليوم، يتعين على كل فرد فينا التشجيع على تنوّع الأسرة البشرية.
وبالنهاية، سنرجع إلى بلداننا ومجمعاتنا ونُعمّم الخبرة الرائعة التي اكتسبناها. ودعونا نُعلّم إخواننا وأخواتنا وأباءنا وأطفالنا على أهمية العيش سوياً. ولذلك فإن أضع ثقتي بالكامل في أمانة الدعاة الرئيسيين لبناء الجسور بين الأديان وهم القيادات الدينية.
وسأجعل الاستثمار في المؤسسات الدينية والقيادات الدينية في مقدمة أولياتي كونهم يمثلون الداعم الأكبر والحيوي لرسالتنا الهادفة إلى تحقيق السلام والوحدة والمساهمة في الوساطات، والأعمال الإنسانية، وبناء المجتمع. وتساعد القيادات الدينية على الوصول إلى أكثر المجتمعات حرماناً، وقد رأينا تأثيرها في توصيل الثقة والتفاهم.
وقد تمت الإشارة إلى القدرة على توصيل الثقة والتفاهم في شهر أبريل الفائت 2015 عندما عقدتُ حوراً عالي المستوى حول "نشر التسامح والتصالح ودعم المجتمعات المسالمة والمتضامنة ومكافحة التطرّف" بحضور الأمين العام للأمم المتحدة ورئيس الجمعية العامة حيث شدد الأمين العام للأمم المتحدة على ثقته في القيادات الدينية خلال شهر يناير 2016.
وتعطي خطته لمنع ومكافحة التطرف العنيف فرصة كبيرة للقيادات الدينية في قيادة دفة عملية التغيير، لا سيّما عندما يتعلق الأمر بتعزيز الحوار بين الأديان، وتقوية الشبكات الإقليمية من أجل تحقيق السلام، وتوفير التوجيه اللازم للشباب والنساء ومنظمات المجتمع المدني.
إنني لفخور بما بذله برنامج الأمم المتحدة لتحالف الحضارات من جهود في هذا الإطار من أجل إنشاء مجلس استشاري يضم القيادات الدينية والسياسية. والجدير بالذكر أن المجلس يجتمع بصورة دورية من أجل تقديم التوجيه لتحالف الحضارات وبعثته على حد سواء من أجل تعزيز انسجام المجتمعات.
الحضور الكريم
السيدات والسادة
إنه لمن دواعي سروري وأنا أتحدث عن "العيش في انسجام"، أن أدعوكم جميعا لحضور المنتدى العالمي السابع لتحالف الحضارات الأممي المقرر إقامته في باكو في أذربيجان في الفترة ما بين 25-27 أبريل 2016 تحت عنوان "العيش معا في مجتمعات منسجمة: التحديات والأهداف". ولقد آليت على نفسي الالتزام بتعزيز المجتمعات الشمولية وآمل مساهمتكم في هذا الجانب بما تتمتعون به من خبرات ورؤى وحرص على السلام.
إنه لمن دواعي سروري أن نختم هذا الاحتفال بالموسيقي؛ إذ وقع اختيار تحالف الحضارات على السيد دانييل بارينبويم من أوركسترا الديوان الغربي الشرقي باعتباره من المناصرين العالميين للتحالف بين الحضارات. إن كل مقطوعة موسيقية تعد بمثابة شهادة تؤكد على القوة التي تتمتع بها الموسيقى في كسر الحواجز وتعزيز التفاهم الثقافي وبناء الجسور بين المجتمعات. وأناشدكم جميعا أن نحذو حذو السيد دانييل بارينبويم في هذا الجانب ومناصرة الوحدة والاندماج بين الشعوب.