استثمار المملكة في تحلية المياه يصل إلى 80 مليار دولار بحلول 2025
جدّدت المملكة العربية السعودية التزامها بتلبية الطلب المتزايد على المياه في البلاد، وذلك بالتزامن مع التحضيرات النهائية لانطلاقة أعمال القمة العالمية للمياه المرتقب انعقادها الشهر الجاري في العاصمة الإماراتية أبوظبي. ومن المنتظر أن يستضيف هذا المحفل الدولي البارز والمهم لقطاع المياه العالمي جلسة متخصصة تتناول أحدث التطورات الحاصلة في هذا القطاع بالمملكة.
وساهم النمو السكاني السريع الذي يُتوقع أن يصل بعدد سكان البلاد إلى 38.5 مليون نسمة بحلول العام 2030، ومعدل الاستهلاك المرتفع من المياه، الذي يقرب من 1,600 لتر للفرد يومياً، في تحفيز جهود المملكة الرامية إلى تعزيز الإنتاج المستدام للمياه والحد من الارتفاع الشديد في الطلب عليها. وكانت وزارة المياه والطاقة أعلنت حديثاً، في إطار تلك الجهود، عن زيادة بنسبة 50 بالمائة في تعرفة المياه للمكاتب الحكومية والشركات التجارية في المملكة، التي تعتبر أكبر منتج للمياه المحلاّة في العالم.
وتخطط المؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة، التي تديرها الدولة، لاستثمار 80 مليار دولار بحلول العام 2025 من أجل زيادة إنتاج المياه المحلاة إلى 8.5 ملايين متر مكعب يومياً، بحسب تقارير اقتصادية. وتنتج المؤسسة حالياً 3.6 ملايين متر مكعب يومياً من المياه المحلاة، وهو الرقم الذي سوف يتضاعف ليبلغ 8.5 ملايين بحلول نهاية العام 2025 بُغية مواكبة الطلب المتزايد، وفق ما ذكرت شركة الأبحاث المتخصصة في قطاع الإنشاءات "فنتشرز أون سايت".
وفي هذا السياق، قال الدكتور عبدالله الشيخ، الرئيس التنفيذي لشركة تقنية المياه المتقدمة، التابعة لمجموعة "تقنية" للتقنية والاستثمار السعودية، إن من الضروري اتباع نهج شامل قائم على الابتكار لإدارة المياه، من أجل تحقيق الاستدامة الحقيقية في البلاد، لافتاً إلى أن التقنية تلعب دوراً محورياً في حل التحدي المائي المتمثل بزيادة الطلب وتناقص المعروض في المملكة.
وذكّر الدكتور الشيخ، الذي سيتحدث في جلسة خاصة تسلّط الضوء على الوضع المائي في المملكة العربية السعودية خلال القمة العالمية للمياه ، بأن إتاحة الحلول تكمن في "جمع التقنيات المطبقة على امتداد سلسلة القيمة في قطاع المياه، من الإنتاج وحتى الاستهلاك"، موضحاً بأنه ينبغي تجنب اتباع النهج القائم على مبدأ "حل واحد يناسب الجميع"، وداعياً في الوقت نفسه إلى "التحرك على جميع الجبهات في وقت واحد".
ويُعتبر استخدام مصادر الطاقة النظيفة في تشغيل محطات تحلية المياه ومحطات معالجة المياه العادمة مثالاً حياً على مثل هذه التقنيات المبتكرة، وفقاً لروبرتو دي دييغو أروزمينا، الرئيس التنفيذي لشركة عبداللطيف جميل للطاقة والخدمات البيئية، إحدى الجهات الراعية الرئيسية للقمة العالمية لطاقة المستقبل 2016، والذي يرى أن التحسين المستمر في طرق إنتاج المياه وتنقيتها، وكيفية تطوير استخدام الطاقة "أمور أساسية في تحقيق الاستدامة".
وقال أروزمينا: "العمليات الجديدة الخاصة بما قبل المعالجة، وعمليات الترشيح بتقنيات النانو، والتحلية الكهروكيميائية، إما أنه يجري استكشافها وتطويرها أو أنها باتت قيد الاستخدام في مراحل نشر مختلفة، بل إن بعض التقنيات الجديدة واعد للغاية من ناحية متطلبات الكفاءة والطاقة، إلاّ أن جدواها التجارية وقابليتها للتوسع ما تزال بحاجة إلى إثبات".
وتواصل المؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة مساعيها الرامية إلى مضاعفة كفاءة استهلاك الطاقة من المستوى الحالي الذي يتراوح بين 26 و27 بالمئة إلى مستوى ما بين 54 و55 بالمئة، كما أنها تزيد من تطلعاتها إلى الاستفادة من مصادر الطاقة المتجددة لتحقيق هذا الهدف، وفقاً لتقرير "فنتشرز أون سايت".
وكانت المملكة قد أعلنت في إطار الجهود الدؤوبة التي تبذلها من أجل تطوير أساليب مستدامة لإنتاج مياه الشرب، عن تدشين عدد من المشاريع الكبرى، من بينها محطة تحلية المياه في الخفجي، وهي أول محطة لتحلية المياه بالطاقة الشمسية في العالم. وتبلغ قيمة المحطة العاملة بتقنية الألواح الكهروضوئية (فوتوفولتيك) 130 مليون دولار، وهي مشروع مشترك بين شركتي تقنية المياه المتقدمة و"أبينغوا"، ومن المقرر الانتهاء من تشييدها في العام 2017. وسوف تنتج المحطة 60 ألف متر مكعب من المياه وتمدّ بها مدينة الخفجي الواقعة في شمال شرق المملكة لضمان استمرار إمدادات المياه للمدينة على مدار العام.
وتبشّر التطورات التقنية المتواصلة على طول سلسلة القيمة في قطاع المياه بمستقبل مائي واعد في المملكة، ولكن الخبراء يشدّدون على أن الإمكانيات لا يمكن تحقيقها إلا عبر التعاون ومضافرة الجهود.
واعتبر الدكتور عبدالله الشيخ أن التقنيات أضحت "إما قيد التطوير أو أنه سيتم الشروع في تطويرها قريباً"، مشيراً في الوقت نفسه إلى أن التعاون وتوحيد جهود الجهات المعنية من أصحاب المصلحة يشكّل تحدياً كبيراً، وخلص إلى القول: "بالرغم مما ننعم به في كثير من نواحي الحياة في المملكة، يظلّ هذا التحدي مواكباً لتطورنا، وستبقى القيادة وتبادل المعرفة على جميع المستويات مهمين لإحراز النجاح، وهو ما جاءت لتتيحه القمة العالمية للمياه على منبرها. وبافتراض أنه أصبح بوسعنا التصدي لهذا التحدي، فإن الوقت بات مناسباً لإحداث التغيير المنشود والمسارعة إلى اقتناص الفرص في هذا القطاع".
تقام القمة العالمية للمياه بين 18 و21 يناير الجاري في مركز أبوظبي الوطني للمعارض، وتشكّل ملتقىً لقادة وخبراء دوليين في هذا المجال، وعقول من الأوساط الأكاديمية، ومبتكرين في مجال الأعمال، لتسريع عملية تطوير الاستراتيجيات والتقنيات المستدامة الجديدة.